خطوات ترامب تبدو مشابهة لتلك التي تبناها ريغان

الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط تثير الشكوك بشأن المنطقة المتقلبة

صورة

من موقع في سورية أطلقت إيران طائرة بدون طيار متطورة في سماء شمال إسرائيل، وكان رد الأخيرة حازماً وسريعاً، إذ أطلقت النار عليها، ثم قامت بتدمير جزء كبير من نظام الدفاع الجوي السوري، كما أنها لم تكتفِ بتوجيه الضربة إلى الموقع الذي انطلقت منه الطائرات الإيرانية، بل قصفت عشرات المنشآت العسكرية السورية والإيرانية الأخرى، في ما وصف بأنه أكبر هجوم جوي منذ حرب 1982 في لبنان. وفي غضون ذلك فقدت إسرائيل مقاتلة من طراز «إف 16»، أصابها صاروخ مضاد للطائرات قادم من سورية، وأصيب اثنان من طياريها، أحدهما في حالة خطرة.

هذه أخبار تنذر بكارثة، وقد وصل الصراع الإيراني - الإسرائيلي الآن إلى أعتاب الدولة العبرية، وتقول تل أبيب إنها لا تريد الحرب، لكن كما كانت الحال في كثير من الأحيان في الماضي، قد ترغب إسرائيل في الحرب، ومع تصاعد التوتر تصبح هذه لحظة مناسبة لتقييم ما قامت به إدارة الرئيس، دونالد ترامب، في المنطقة، كيف تختلف عن عهد أوباما؟

مثل سلفه، وأسلافه الآخرين حتى عهد جيمي كارتر، تولى ترامب منصبه وكله عزم على السعي لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وما وصفت بـ«صفقة القرن» أسندت لصهر الرئيس، جاريد كوشنر، وهو مطور عقاري يبلغ من العمر 36 عاماً، قائلاً له علناً: «إذا لم تتمكن من تحقيق السلام في الشرق الأوسط، فلا أحد يستطيع ذلك».

في العام الأول له في منصبه، اتخذ ترامب عدداً من الخطوات الحاسمة، في ديسمبر وعد بأن يلبي رغبة إسرائيل القديمة: نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، كما تحدى الفلسطينيين مباشرة وقطع المساعدات التي تقدمها واشنطن للأمم المتحدة تحت عنوان «مساعدة اللاجئين»، من المؤكد أن هاتين الخطوتين لن تسهما في دفع «عملية سلام» التي كانت تحتضر منذ الولادة، وقد حفز كلاهما الإدانة في جميع أنحاء العالم، لكن لم تحرك أي من هاتين الخطوتين الشارع العربي، الأمر الذي كان متوقعاً من قبل العديد من الخبراء.

في الواقع، خطوات ترامب تبدو مشابهة لتلك التي تبناها الرئيس السابق رونالد ريغان، ومن خلال تعميق المواقف الراسخة، وبيان الحقائق، وانحياز الولايات المتحدة بشكل وثيق لـ«الديمقراطية الوحيدة» في المنطقة (إسرائيل)، فإن إدارة ترامب تجبر جميع اللاعبين في المنطقة على إعادة النظر في المواقف المتشددة، التي لم تجلب لهم سوى تصادمات عنيفة ومتفرقة مع تل أبيب دامت نصف قرن.

الصفقة لن تتحقق

• أي رئيس أميركي، مهما كان ذكاؤه، سيجد اللعبة في سورية والعراق تحدياً لا يطاق، فالرئيس الذي يتعلم القواعد فقط من المؤكد أن يتم تجاوزه قبل أن يصل دوره.

• بينما كان أوباما يتردد في كيفية الرد على الهجمات بالغاز عام 2013، كان ترامب يطلق العنان لوابل من التغريدات تناشده بعدم التحرك.

ومن المؤكد أن «صفقة القرن»، التي وعد بها ترامب لن تتحقق، وفي ظل التشويش الذي يعيشه الفلسطينيون وإصرارهم على موقفهم، فإن بعض الدول الراعية تتفق بهدوء مع إسرائيل على المسائل الاستراتيجية، واستمرار الجمود بين إسرائيل والفلسطينيين، الذي تتخلله إراقة الدماء، هو أكثر النتائج التي يمكن تصورها.

إذا كان هناك بعض الجرأة، مثل ريغان، في بعض قرارات ترامب، فإن استراتيجيتيه لا تقل عجزاً عن سلفه أوباما، أو ربما كانت أسوأ، وأثناء التعامل مع الطموحات الإمبراطورية الإيرانية، يتحدث ترامب بصوت عالٍ لكنه يحمل أصغر العصي.

لقد جاء ترامب إلى البيت الأبيض بعد أن تعهد بتمزيق الاتفاق النووي الإيراني، ووضع «خطوطاً حمراء» جديدة على السلوك الإيراني، لكن عندما دفع إلى الواجهة، ترك الإيرانيين يفعلون ما يشاؤون، بينما تم دفع حلفاء الولايات المتحدة إلى الوراء، والحالة الأكثر درامية تتعلق بمعاملة حليفنا القديم - الأكراد.

وفي أكتوبر الماضي، بعد أقل من يومين من غضب إدارة ترامب على فصيل «القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني، وإدراجه ضمن الميليشيات «الإرهابية الفاسدة» التابعة للمرشد الأعلى الإيراني، ووعد الرئيس «بالعمل مع حلفائنا لمواجهة نشاط النظام الإيراني المزعزع للاستقرار، ودعمه للوكلاء الإرهابيين في المنطقة»، فإن الولايات المتحدة فعلت عكس ما تعهدت به تماماً.

الوقوف جانباً

وقفت الولايات المتحدة جانباً عندما تحركت القوات العراقية، بمساعدة من وحدات «القدس» التي وعد ترامب للتو بمواجهتها، ودخل الجيش العراقي كركوك الغنية بالنفط التي يسيطر عليها الأكراد، المدينة التي يعتبرونها نواة كردستان المستقلة في المستقبل. لم تكن هذه الخيانة لحليف مرتبة سلفاً، ولم يكن من السخرية أنه خلال حملة ترامب الانتخابية، لم يتمكن الأخير من التفريق بين مقاتلي «القدس» والأكراد.

ولنتذكر جيداً رد فعل الرئيس الأميركي على الضربة، لقد أخبر ضيفه الزعيم الصيني، في منتجعه المفضل بولاية فلوريدا، أن قطعاً بحرية أميركية أطلقت للتو 56 صاروخاً من نوع «كروز» على قاعدة جوية سورية، رداً على الهجوم الكيماوي في مقاطعة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة.

وقد تباهى ترامب بهذا الإجراء، على النقيض من تقاعس سلفه، حيث رسم أوباما خطه الأحمر، ثم محاه لاحقاً، حول استخدام الأسلحة الكيماوية السورية في عام 2013. كان من الممكن أن تكون ضربة ترامب غير مجدية، لكن رد الأخير من الناحية العسكرية، كان وخزة مؤلمة تم تضخيمها بالخطابات الدعائية، وليس من خلال تأثيرها القاتل. واستمر السوريون في استخدام الغاز السام، وقد ترك ترامب هذه الوحشية تستمر من دون عقاب.

وتجدر الإشارة إلى أنه بينما كان أوباما يتردد في كيفية الرد على الهجمات بالغاز عام 2013، كان ترامب يطلق العنان لوابل من التغريدات تناشده بعدم التحرك، بما في ذلك هذه التغريدة المثيرة للاهتمام: «مرة أخرى، نقول لزعيمنا الأحمق جداً، لا تهاجم سورية، وإذا فعلت فإن العديد من الأشياء السيئة جداً ستحدث، ولن تحصل الولايات المتحدة منها على شيء!»

جدير بنا أن نتساءل عن كفاءة العقول التي ترسم السياسة الأميركية الآن، خصوصاً في ما يخص واحدة من المناطق الأكثر تقلباً في العالم. أي رئيس أميركي مهما كان ذكاؤه سيجد اللعبة في سورية والعراق تحدياً لا يطاق، فالرئيس الذي يتعلم القواعد فقط من المؤكد أن يتم تجاوزه قبل أن يصل دوره.

غابرييل شونفلد - كبير المستشارين في حملة ميت رومني، في 2012، ومؤلف كتب، منها «أسرار ضرورية: الأمن القومي، الإعلام وسيادة القانون».

تويتر