بؤر صراع جديدة محتملة

تجدد التحذيرات من تمدد «داعـش» عبر آسيا الوسطى

صورة

اتخذت بعض دول آسيا الوسطى، خلال الفترة الأخيرة، تدابير أمنية وتشريعية عدة للتعامل مع التهديدات التي بات يفرضها تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة، وفي مقدمتها تنظيم «داعش»، لاسيما بعد تزايد أعداد العناصر الإرهابية التي تنتمي لتلك الدول وقامت بالانضمام إلى هذه التنظيمات، التي تسعى إلى إعادتهم من جديد إلى دولهم الأصلية، لدعم تمددها داخلها، بكل ما يفرضه ذلك من تداعيات مباشرة ليس فقط على أمنها واستقرارها، وإنما أيضاً على مصالح دول وأقاليم الجوار.

عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة - أبوظبي

ثمة اتجاهات عدة ترجح أن تكون منطقة آسيا الوسطى

والقوقاز إحدى المناطق المرشحة لتصاعد نفوذ

التنظيمات الإرهابية، خصوصاً تنظيم «داعش»،

في مرحلة ما بعد الضربات العسكرية التي تعرض لها

في المناطق التي سيطر عليها خلال الفترة الماضية

داخل كل من سورية والعراق.


بناء شبكة تحالفات

بهدف تعزيز قدرة «داعش» على مد نفوذه داخل تلك المنطقة، فإنه سيسعى الى بناء شبكة تحالفات مع منظمات إرهابية أخرى، من خلال رفع مستوى التنسيق بين فروعه مثل «ولاية خراسان» في أفغانستان و«ولاية القوقاز» بشقيها في الشيشان وداغستان، فضلاً عن المجموعات المؤيدة له، على غرار حركة «أوزبكستان الإسلامية».

ويبدو أن التنظيم يحاول في هذا السياق الاستفادة من نتائج الحرب التي شنتها بعض الأطراف ضده في كل من العراق وسورية، خصوصاً على صعيد العمل على تجنب تصعيد حدة الخلافات مع التنظيمات الإرهابية الأخرى، على أساس أن ذلك يضعف من احتمالات الوصول إلى تفاهمات مع تلك التنظيمات، ويقلص من قدرته على استيعاب الضغوط المتتالية التي تفرضها الضربات العسكرية التي يتعرض لها.

من هنا، ربما يمكن القول في النهاية إن مواجهة التهديدات التي يفرضها استهداف تنظيم «داعش» لتلك المنطقة ستتحول إلى محور رئيس في التفاعلات التي تجري بين دولها، التي باتت تدرك التداعيات المحتملة التي يمكن أن ينتجها تمدد التنظيم داخل أراضيها عبر إعادة مواطنيها المنخرطين في صفوفه إليها من جديد.

وقد ذكرت بعض التقارير الغربية في الآونة الأخيرة، أن الإرهابيين الذين ينتمون لتلك المنطقة يُستخدمون، في كثير من الأحيان، باعتبارهم «قنابل موقوتة» تلجأ إليها التنظيمات الإرهابية للرد على العمليات العسكرية التي تتعرض لها، خصوصاً في العامين الأخيرين.

إجراءات متوازية

كانت طاجيكستان في مقدمة تلك الدول التي عززت إجراءاتها الأمنية والتشريعية للحد من تهديدات تنظيم «داعش»، حيث أصدرت إحدى محاكمها، في 28 يناير 2018، أحكاماً غيابية بالسجن، راوحت بين 16 و18 عاماً ضد زوجين اتهما بالمشاركة في العمليات الإرهابية والعسكرية، التي نفذها وانخرط فيها تنظيم «داعش» داخل سورية، إلى جانب أحكام أخرى بالسجن، صدرت قبل ذلك بيوم واحد، ضد ثلاثة أشخاص كانوا يسعون للانضمام إلى التنظيم.

وقبل ذلك، وتحديداً في السادس من مايو 2016، اتهمت السلطات الطاجيكية تنظيم «داعش» بتجنيد شخصين لاغتيال الرئيس إمام علي رحمانوف، حيث صدر حكم ضدهما بالسجن 10 وثمانية أعوام ونصف العام على التوالي.

فضلاً عن ذلك، اتجهت طاجيكستان إلى رفع مستوى تعاونها الأمني مع روسيا في هذا الإطار، إذ قامت في نوفمبر 2017، بتسليم ضابط روسي متخصص في تقنية المعلومات والتشفير، وكان مرشحاً للحصول على لقب عالم في الرقميات، إلى السلطات الروسية، حيث اتهم بالمشاركة في المواجهات العسكرية مع التنظيم داخل كل من سورية والعراق.

كما بدأت اتجاهات عدة في التحذير من إمكانية تصاعد حدة العنف في أوزبكستان، بعد قيام عدد من مواطنيها بتنفيذ هجمات إرهابية في الخارج لمصلحة التنظيم، على غرار سيف الله سايبوف الذي نفذ اعتداء مانهاتن في نوفمبر 2017، وقبله عبد القادر مشاريبوف الذي شن الهجوم على نادٍ ليلي في إسطنبول في يناير 2017.

ووجهت قيرغيزستان بدورها دعوات إلى ضرورة توسيع نطاق التنسيق بين دول المنطقة للتعامل مع ظاهرة العائدين من مناطق الصراع، خصوصاً بعد أن كشفت تقديرات عدة عن توجه عدد من مواطنيها إلى سورية، من بينهم بعض النساء، للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية التي نشطت فيها خلال الفترة الماضية.

وتوازى ذلك مع إعلان بعض دول الجوار، مثل أذربيجان، في 30 يناير 2018، عن مقتل نحو 300 من مواطنيها داخل كل من العراق وسورية، وإلقاء القبض على 92 شخصاً آخرين عادوا إلى البلاد بعد مشاركتهم في العمليات التي شنتها التنظيمات الإرهابية في الدولتين.

تداعيات مختلفة

يبدو أن هذه التطورات دفعت اتجاهات عدة إلى ترجيح أن تكون منطقة آسيا الوسطى والقوقاز إحدى المناطق المرشحة لتصاعد نفوذ التنظيمات الإرهابية، خصوصاً تنظيم «داعش»، في مرحلة ما بعد الضربات العسكرية التي تعرض لها في المناطق التي سيطر عليها خلال الفترة الماضية داخل كل من سورية والعراق، وهو ما يمكن أن يفرض تداعيات كثيرة يتمثل أبرزها في:

1- تأسيس مناطق نفوذ «داعشية» جديدة

تشير تلك الاتجاهات إلى أن العناصر التي تنتمي إلى تنظيم «داعش» في تلك المنطقة، تتسم بأنها تمتلك إمكانات تنظيمية وقتالية، تعزز من قدرتها على تأسيس بؤر «داعشية» جديدة فيها، وهو ما يمكن أن يزيد من احتمالات تمدد التنظيم إلى دول ومناطق أخرى، بشكل بات يفسر أسباب اهتمام بعض القوى الدولية بالمسارات المحتملة للحرب ضد التنظيمات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط، على أساس أن تلك الحرب ستدفع التنظيم إلى البحث عن خيارات أخرى، قد يكون منها منطقة آسيا الوسطى والقوقاز.

2- اتساع نطاق العمليات الإرهابية

أسهمت عودة بعض الإرهابيين الذين شاركوا في المواجهات العسكرية التي شهدتها كل من سورية والعراق بين التنظيمات الإرهابية والأطراف المحلية والإقليمية والدولية المعنية بالحرب ضدها، إلى دولهم الأصلية في اتساع نطاق العمليات الإرهابية التي شهدتها تلك الدول.

ورغم أن دراسات كثيرة أشارت إلى صعوبة تحديد أعداد العناصر الإرهابية التي تنتمي إلى منطقة آسيا الوسطى وانضمت إلى التنظيمات الإرهابية، إلا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كشف أن هذه الأعداد تراوح بين 5000 و7000 عنصر. وسبق أن حذر، في 20 ديسمبر 2017، من أن «الجمهوريات السوفييتية السابقة مهددة من جانب متشددين يستخدمون آسيا الوسطى والشرق الأوسط نقطة انطلاق للتوسع».

3- تزايد التحذيرات من احتمال استهداف روسيا

مع اقتراب موعد تنظيم نهائيات كأس العالم التي ستقام على أراضيها خلال شهري يونيو ويوليو 2018 تزداد هذه الاحتمالات. وقد أشارت مؤسسة «آي إتش إس»، ومقرها في لندن، في 18 يناير 2018، إلى أن تلك المناسبة قد تكون هدفًا لتنظيم «داعش»، في ظل تصاعد حدة الانخراط الروسي في العمليات العسكرية التي تشهدها سورية تحديداً خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، واستندت تلك التحذيرات إلى إشارات وجهها التنظيم تكشف عن سعيه لذلك، منها قيام أحد الحسابات الموالية له على مواقع «تيليغرام» بنشر خريطة المدن الروسية التي ستنظم فيها النهائيات، مطالباً عناصره بالاستعداد لاستهدافها.

تويتر