تشهد تغيرات مستمرة في الولاءات والأولويات لن تتوقف حتى الانتخابات

خريطة أولية للتحالفات السياسيـة في الانتخابات العراقية المقبلة

صورة

شهدت خريطة التحالفات السياسية في العراق تغيرات جوهرية، استعداداً لانعقاد الانتخابات التشريعية العراقية في مايو 2018، وعلى الرغم من استمرار الحدود الفاصلة بين الكتل الانتخابية الرئيسة، التي تعبر عن التعددية الحاكمة للمجتمع العراقي، فإن مرحلة ما قبل الانتخابات قد شهدت احتداماً للتنافس بين القيادات والأحزاب السياسية، وتغيراً في تركيبة التحالفات، خصوصاً عقب حسم الجدل حول تأجيل الانتخابات بحكم المحكمة الدستورية العليا، بإجراء الانتخابات في موعدها.

• يُرجَّح أن تستمر التحولات في المشهد السياسي العراقي بتغير خريطة التحالفات الانتخابية في ظل استمرار الخلافات بين القيادات السياسية والأحزاب وسعي كل منهم لحسم الأغلبية الانتخابية لصالحه

• يسعى كل تحالف، في الوقت الحالي، إلى ضم أكبر عدد من القوى والشخصيات السياسية المؤثرة إليه، لتقويته وتعزيز موقفه في الانتخابات، ويتوقع أن يستمر التغير في خريطة التحالفات حتى بعد الإعلان عن النتائج.

• تتزايد الاحتمالات بتصاعد الاختلافات في التحالفات الانتخابية، في ظل وجود عدد كبير من الأحزاب والحركات السياسية التي تتسم بالشخصانية، حيث تتبدل مواقفها سريعاً، وفقاً لأي مكسب محتمل.

جدل تأجيل الانتخابات

طالبت بعض القوى السياسية بتأجيل الانتخابات لمدة ستة أشهر أو سنة، بدعوى عدم توافر الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات في المحافظات والمناطق السنية المحررة من سيطرة «داعش»، لاسيما أن هناك العديد من هذه المناطق لم يتمكن سكانها من العودة إليها، وهو ما يُفقد هذه القوى أصوات مؤيديها التقليديين. وبعد عدم الموافقة على قرار التأجيل، طالبت هذه القوى بتأجيل انتخابات المحافظات المحررة من «داعش» حتى إعادة إعمارها وعودة سكانها، ويدعم هذا المطلب بشكل خاص القوى والأحزاب السياسية الكردية.

في المقابل، يتحفظ رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، وعدد من القوى السياسية الشيعية على هذا المطلب، خصوصصاً أنهم يرغبون في الاستفادة من شعبيتهم بعد هزيمة «داعش»، واستعادة الأراضي التي سيطر عليها التنظيم منذ 2014، وإدارة أزمة انفصال كردستان بنجاح، وفتح ملف محاربة الفساد.

وفي ظل هذا الجدل، وقّع 144 نائباً من أعضاء البرلمان العراقي على طلب تأجيل الانتخابات، وتم إدراجه على جدول أعمال جلسة مجلس النواب العراقي ليوم الخميس الموافق 18 يناير الماضي، من دون التوصل إلى قرار بشأن الموضوع، وتم تأجيل مناقشة القرار إلى يوم السبت 20 يناير، لكن لم يتوصل المجلس لقرار بشأنه. وتصاعدت الاتهامات بين القوى السياسية الرافضة للتأجيل والقوى الداعية له، وهدد بعض أعضاء البرلمان بمقاطعة جلسات مجلس النواب في حالة عدم وضعه على جدول الأعمال للمناقشة، فيما قاطع أعضاء آخرون البرلمان احتجاجاً على طرح هذا الموضوع، لاسيما أن بعضهم يسعى للبقاء في مجلس النواب لأكبر فترة ممكنة، خشية عدم فوزه في الانتخابات المقبلة.

وجاء قرار المحكمة الدستورية العليا ليحسم الجدل، حيث أقرت المحكمة عدم قانونية تأجيل الانتخابات في بيان لها، نص على أن «المحكمة الاتحادية العليا أصدرت بالاتفاق قراراً تفسيرياً لأحكام المادة (56/‏‏ ثانياً) من الدستور، بناء على الطلب الوارد من مجلس النواب بتاريخ 21/‏‏1/‏‏2018، قضت فيه بوجوب التقيد بالمدة المحددة في المادة المذكورة لانتخاب أعضاء مجلس النواب الجديد وعدم جواز تغييرها».

استحقاق سياسي فاصل

أعلنت المفوضية المستقلة العليا للانتخابات، وهي الجهة المسؤولة عن إجراء الاقتراعات في العراق، عن انتهاء مدة تسجيل التحالفات الانتخابية يوم الخميس 18 يناير الماضي، كما صادقت على 27 تحالفاً انتخابيّاً، وتتكون هذه التحالفات من 143 حزباً سياسيّاً، ستشارك في الانتخابات المحلية والوطنية المقبلة، ومن المنتظر أن تُعقد الانتخابات العراقية المقبلة في 12 مايو 2018.

فيما يتبقى عدد من الأحزاب السياسية التي لم تدخل في أي تحالف انتخابي، لكن لاتزال تحق لها المشاركة بشكل منفرد، وبعد انتهاء تسجيل الكيانات الانتخابية، دعت المفوضية القوى والأحزاب السياسية إلى تقديم قوائم مرشحيها للمفوضية، خلال مدة زمنية بدأت منذ يوم 4 يناير الماضي، وسوف تنتهي في 10 فبراير.

ويتمتع ما يُقدر بنحو 24 مليون عراقي بحق التصويت في الانتخابات المقبلة، بحسب مفوضية الانتخابات، يتوزعون بين 18 دائرة انتخابية، تعادل عدد المحافظات العراقية، ويبلغ نصيب كل محافظة ما يراوح بين 7 و34 نائباً، وفقاً للتعداد السكاني لكل محافظة، تضاف إليها ثمانية مقاعد للأقليات، تتوزع بين خمسة مقاعد للمسيحيين، ومقعد واحد لكل من الصابئة والإيزيديين والشبك، ليكون مجموع أعضاء مجلس النواب 328 نائباً، تمتد ولايتهم أربع سنوات، وسيكون الاقتراع من خلال تقنية إلكترونية جديدة، يهدف استخدامها إلى منع حالات التزوير.

خريطة التحالفات الانتخابية

أدى الاستعداد للانتخابات العراقية إلى تشكيل خريطة جديدة من التحالفات الانتخابية، التي يصل عددها الرسمي المسجل في مفوضية الانتخابات إلى ما يُقدر بنحو 27 تحالفاً انتخابيّاً، يتمثل أبرزها في ما يلي:

1 تحالف النصر والإصلاح

يتزعم هذا التحالف رئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وانضم لهذا التحالف عدد من القوى والشخصيات السياسية أهمها: كتلة «الفضيلة»، و«حركة مستقلون» التي يرأسها حسين الشهرستاني، و«تيار الإصلاح» برئاسة وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، وكتلة «عطاء» برئاسة فالح الفياض، بالإضافة إلى قوى وشخصيات سياسية سنية من أبرزها وزير الدفاع السابق خالد العبيدي، الذي يتزعم حركة «بيارق الخير»، و«معاهدون» بزعامة رئيس الوقف السني عبداللطيف الهميم، و«الوفاء» تحت رئاسة وزير الكهرباء قاسم الفهداوي، وقد كان هذا التحالف يضم «تيار الحكمة» بقيادة عمار الحكيم، بيد أنه انسحب من هذا التحالف.

2 ائتلاف دولة القانون

يأتي نائب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء السابق نوري المالكي على رأس هذا الائتلاف، كما انضم إلى هذا الائتلاف عدد من الحركات والقوى والشخصيات السياسية منها: «تيار الوسط» برئاسة موفق الربيعي، مستشار الأمن القومي العراقي السابق، و«حركة البشائر الشبابية» بزعامة ياسر عبد صخيل المالكي، وحزب «دعاة الإسلام - تنظيم العراق» ويترأسه خضير الخزاعي، نائب رئيس الجمهورية العراقي السابق، و«حركة النور - الانتفاضة والتغيير» بزعامة محمد الهنداوي، العضو في مجلس النواب العراقي، و«كتلة معاً للقانون» برئاسة محمد جعاز، و«الحزب المدني» بزعامة رجل الأعمال حمد الموسوي، بالإضافة إلى «التيار الثقافي الوطني» الذي يترأسه علي وتوت.

3 تحالف الفتحيتكون

هذا التحالف من الأجنحة السياسية للفصائل المسلحة، وقد أعلن ممثلو هذا التحالف استقالاتهم من العمل في «هيئة الحشد الشعبي»، ويترأس هذا التحالف هادي العامري رئيس «منظمة بدر»، ومن أبرز القوى السياسية المشاركة فيه: منظمة بدر، وعصائب أهل الحق، والمجلس الإسلامي الأعلى، وحركة الوفاء والتغيير، وحزب الله العراقي، وحركة 15 شعبان، وكتائب الإمام علي، بالإضافة إلى بعض الفصائل التابعة للطائفة الإيزيدية.

4 تحالف «سائرون للإصلاح»

يعد «حزب الاستقامة»، الذي يمثل التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، من أبرز الأحزاب المنضوية تحت مظلة هذا التحالف، ويشاركه في هذا التحالف «الحزب الشيوعي العراقي»، و«حزب الدولة العادلة»، و«الشباب للتغيير»، وبعض الأحزاب الأخرى.

5 ائتلاف الوطنية

يشارك في هذا الائتلاف نائب رئيس الجمهورية إياد علاوي، ورئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري، الذي أسس حزب «التجمع المدني للإصلاح»، ورئيس «ائتلاف العربية» صالح المطلك، وعدد من الشخصيات والقوى السياسية الأخرى. ويُنظر لهذا التحالف كمتجاوز للطائفية لتنوع واختلاف القوى والشخصيات المنتمية له.

6 تحالف القرار العراقي

يتولى أسامة النجيفي رئيس البرلمان السابق، ونائب رئيس الجمهورية الحالي، رئاسة هذا التحالف بالتعاون مع رجل الأعمال خميس الخنجر، الذي يتزعم «حركة المشروع العربي»، بالإضافة إلى وزير التخطيط سلمان الجميلي، وشخصيات سنية أخرى.

7 تحالف الوطن

يضم حركة الديمقراطية والعدالة برئاسة برهم محمد صالح، وحركة التغيير والجماعة الإسلامية، ومن المتوقع أن يخوض هذا التحالف الانتخابات في كركوك، والمناطق المتنازع عليها.

8 تحالف الرافدين

يتكون من قوى وحركات سياسية مسيحية وآشورية وكلدانية، تهدف لأن تقوم بتمثيل المسيحيين في محافظات بغداد ونينوى وكركوك.

تفكك التحالفات الانتخابية

شهدت التحالفات الانتخابية انشقاقات عدة، نتيجة الخلافات التي حدثت بين الأحزاب والقوى السياسية داخل هذه التحالفات، وزيادة حدة المنافسة السياسية بشكل كبير. فعلى سبيل المثال، لم يقم حزب الدعوة الإسلامية بالمشاركة في الانتخابات، بيد أنه سمح لأعضائه بالمشاركة بصفتهم الشخصية وليست الحزبية، وقام بتشكيل لجنة لمراقبة الانتخابات، وذلك بعد تصاعد التنافس السياسي بين أعضاء الحزب نفسه، إلى درجة أن أبرز تحالفين متنافسين في الانتخابات ينتمي قياداتهما إلى هذا الحزب، هما: تحالف «ائتلاف دولة القانون» بقيادة زعيم الحزب نوري المالكي، و«تحالف النصر والإصلاح» برئاسة حيدر العبادي، الذي يُعد أحد أبرز قيادات الحزب.

ولم يتمكن الاتفاق على التحالف بين «النصر والإصلاح» بقيادة حيدر العبادي، و«تحالف الفتح» بزعامة هادي العامري، من الصمود سوى ساعات قليلة، حيث أعلن العامري انسحاب تحالف الفتح لأسباب فنية، على حد تعبيره. كما شهد تحالف «النصر والإصلاح» انسحاب تيار «الحكمة» منه في 29 يناير 2018. ويُشير البعض إلى أن سبب الانسحاب يرجع إلى الخلافات على توزيع المناصب، وهو ما نفاه بعض المقربين من الطرفين.

ويسعى كل تحالف في الوقت الحالي لضم أكبر عدد من القوى والشخصيات السياسية المؤثرة إليه لتقويته وتعزيز موقفه في الانتخابات، ويتوقع أن يستمر التغير في خريطة التحالفات، حتى بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات.

وتتزايد الاحتمالات بتصاعد الاختلافات في التحالفات الانتخابية، في ظل وجود عدد كبير من الأحزاب والحركات السياسية التي تتسم بالشخصانية، حيث تتبدل مواقفها سريعاً، وفقاً لما يمكن أن يتحقق من مكتسبات لقادتها.

تويتر