بعد مشاركتها المهمة في هزيمة «داعش»

الميليشيات العراقية تسعى إلى تولي مناصب سياسية

صورة

خلال الشهر الماضي، أعلن رئيس الحكومة العراقي، حيدر العبادي، عن تحالف غير متوقع مع هادي الأميري، زعيم منظمة البدر المدعومة من إيران. وسينضم الأميري إلى ائتلاف العبادي الكبير من الأحزاب السياسية، استعداداً للترشح في الانتخابات المقررة في شهر مايو المقبل.

• مسؤولون حاليون وسابقون يرون أن الفشل في دمج أجزاء من الحشد الشعبي إلى القوات الأمنية العراقية الرسمية، أو حل بعض هذه الميليشيات بصورة كاملة، من شأنه زعزعة الاستقرار.

• خليط ميليشيات

تشكلت قوات الحشد الشعبي عام 2014، كخليط من الميليشيات التي ظهرت في مواجهة اندفاع تنظيم «داعش» في احتلال الأراضي العراقية. وعلى الرغم من أن أقوى ميليشيات الحشد الشعبي وأكثرها نفوذاً، هم من المسلمين الشيعة المدعومين من إيران، بمن فيهم قوات بدر، إلا أن بعضها الآخر عبارة عن وحدات محلية، تستجيب للدعوات القومية من الشخصيات الدينية القوية، مثل آية الله العظمى علي السيستاني.

وأثار هذا الائتلاف ردة فعل سريعة من مختلف أطراف الطيف السياسي في العراق. ولطالما اعتبرت الحكومات الغربية العبادي شخصاً قومياً، كما أنه الخصم السياسي التقليدي للأميري. وقبل ذلك التحالف بأيام عدة كان الرجلان يتبادلان الشتائم واتهامات الكره بينهما، حيث وجه العبادي انتقادات قاسية للميليشيات المتحالفة مع الأميري.

وعلى الرغم من أن الائتلاف المقترح انحل بعد يوم واحد من تشكيله، فإن الخطوة بحد ذاتها أثارت القلق في الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى، التي تعتبر منذ أمد بعيد أن ما يعرف بقوات الحشد الشعبي، مثل قوات بدر هي طابور خامس إيراني، تهدف إلى تقويض استقرار الحكومة المركزية في بغداد. وقال السفير الأميركي السابق في العراق، ريان كروكر، «لطالما كنت أنظر إلى هذه القوات باعتبارها الاستراتيجية الكبرى لإيران في المنطقة. إذ إنها تشكل لاعبين غير حكوميين وتنظمهم وتدربهم وتمولهم، حيث إنهم يتبعون توجيهاتها وليس توجيهات الحكومة الشكلية في الدولة».

ومع انخفاض وتيرة الحرب ضد تنظيم «داعش»، تزايد الحديث عن ظهور قوات الحشد الشعبي، ما يثير المخاوف الدولية من تزايد التوتر الطائفي، وتزايد النفوذ الإيراني في العراق، ضد القوات السياسية والعسكرية الراسخة الجذور داخل البلاد.

وليس جميع قوات الحشد الشعبي مرتبطاً بطهران، حسب ما يقول الجيش الأميركي. يقول الرائد في الجيش الأميركي، أدريان رانكين - غالاوي، المتحدث باسم وزارة الدفاع: «قوات الحشد الشعبي مشكلة من جميع مكونات الشعب العراقي، فهناك مسيحيون في الحشد الشعبي، وهناك إيزيديون أيضاً وشيعة مرتبطون مع إيران».

والآن، وبعد هدوء القتال الفعلي في معظم مناطق الدولة، تواصل بعض وحدات هذه الميليشيات، خصوصاً على المستوى المحلي، تقديم الدعم للجيش العراقي الذي بالغ في التمدد والانتشار. وقال رئيس المنظمة الفكرية التي مقرها بغداد، وتعرف بمركز البيان لتخطيط الدراسات، ساجد جياد «انتشر الجيش والشرطة بصورة كبيرة على جميع أطراف الدولة. والحشد الشعبي ليس وحدات النخبة، وإنما هم يسهمون في تقديم القوة البشرية التي تعتبر مهمة جداً».

لكن إيجاد صيغة فعالة لتسريح أو دمج هذه المجموعات في قوات الأمن العراقي النظامية، مسألة تظهر إلى السطح باعتبارها قضية حساسة في مرحلة ما بعد القضاء على «داعش». لكن البعض يرى أن السياسة الأميركية لا ترغب في الخوض في هذا الموضوع. وقال أحد المسؤولين من السياسة الخارجية للكونغرس الأميركي، والذي يعمل في قضايا سياسة العراق «معظم القرارات التي يتخذها العراق وسورية، خلال السنوات الماضية، كانت تهدف إلى هزيمة تنظيم (داعش)».

ودون ميزانية أميركية لعام 2018، فإن مساعدات الجيش الأميركي للجيش العراقي ستكون محدودة. وحتى بوجود اعتماد كامل لهذه المساعدات، فإنها ستكون مشروطة بتسريح مجموعات معينة من الميليشيات.

سياسة بهلوانية

ويعترف بعض صانعي السياسة الأميركية بالدور الذي لعبته قوات الحشد الشعبي، خلال السنوات السابقة، إضافة إلى مناورات السياسة البهلوانية التي يتعين على رئيس الحكومة العراقية أن يقوم بها الآن. وثمة العديد من وحدات الحشد الشعبي التي حظيت بالثناء والإطراء من مختلف أطياف المجتمع العراقي، نظير الدور الذي قامت به، والذي أدى إلى هزيمة «داعش». لكنْ هناك مسؤولون حاليون وسابقون، يرون أن الفشل في دمج أجزاء من الحشد الشعبي إلى القوات الأمنية العراقية الرسمية، أو حل بعض هذه الميليشيات بصورة كاملة، من شأنه أن يزعزع استقرار الحكومة ويفاقم الصراع الطائفي في شتى أنحاء الدولة.

وتقدم الانتخابات العامة، نقطة دخول محتملة لبعض المجموعات التي لديها طموحات سياسية. وبعد الدعوة التي أطلقها آية الله السيستاني عام 2017 للمجموعات المسلحة بإلقاء أسلحتها، قامت بعض هذه المجموعات بفصل أجنحتها السياسية عن العسكرية. وبعض قادة ميليشيات الحشد الشعبي، أمثال الأميري، وزراء سابقون يصبون إلى دخول السلطة من جديد.

لكن هذا الانتقال من حالة الميليشيات إلى السياسة، يشكل تهديداً لهيكلية السياسة العراقية، ويمهد «لشرعنة» نزعات تنطوي على المخاطر، وقالت إحدى أكبر الباحثات في الموضوع العراقي من منظمة «هيومان رايتس واتش»، بلقيس ويلي: «حتى الأن، تعتبر ميليشيات الحشد الشعبي عناصر مارقة»، وأضافت لصحيفة فورين بوليسي: «والآن إذا أصبحوا لاعبين سياسيين، فإن ذلك سيمنحهم غطاء مهماً».

من جهتهم، خفف مسؤولون حكوميون عراقيون من قلقهم، بشأن المخاطر التي تشكلها ميليشيات الحشد الشعبي. وقال مسؤول عراقي، طلب عدم الكشف عن هويته، في رسالة إلكترونية أرسلها إلى «فورين بوليسي»: «ثمة قانون ينظم وضع ميليشيات الحشد الشعبي، باعتبارها جزءاً من النظام الأمني العراقي»، مضيفاً أن «العديد من أفراد هذه المجموعات سيعودون إلى حياتهم المدنية السابقة، ويتخلون عن أسلحتهم».

ويقول جياد، من «مركز البيان»، إن الرأي الأكثر شعبية، وتداولاً بين العراقيين يؤيد حل هذه الميليشيات. وأضاف «الراي العام لدى العراقيين يفيد بأنه ليس هناك من يريد رؤية قادة الميليشيات، وهم يديرون أحزاباً وميليشيات».

لكن قادة الحشد الشعبي، خصوصاً الذين قدموا تضحيات في القتال ضد تنظيم «داعش»، لديهم طموحات سياسية لا ينكرونها، في مرحلة ما بعد الصراع في العراق، حتى في بعض المناطق التي يسيطر عليها السنة.

تويتر