بعد ظهور ابتكارات جديدة في عالم التمويل

العقوبات الأميركية الاقتصادية تتعرض لتهديد العملات الافتراضية وتقنية بلوكشين

صورة

دقت وزارة الخارجية الأميركية ناقوس الخطر، مع إعلان فنزويلا نيتها إصدار عملة افتراضية قريباً، أطلقت عليها «البترو»، ما يعني حصولها على وسيلة صريحة لتفادي العقوبات المالية الأميركية، وسرى الفزع في واشنطن بشأن هذا التهديد المحتمل، لأحد أهم أسلحتها في ترسانة سياستها الخارجية، وهي العقوبات الاقتصادية. وتأتي أخبار العملة الافتراضية من كراكاس، في أعقاب إعلانات مماثلة من موسكو، والتي تسعى منذ سنوات إلى إيجاد طريقة للخلاص من خنق الدولار الأميركي لاقتصادها، الذي يعاني عقوبات.

وعلى الرغم من أن «البترو» أو «البيتكوين» قد تفرضان تهديدات أقل لقدرة أميركا على معاقبة الجهات الفاعلة السيئة، فإن التهديد الأكثر فاعلية يأتي من تسارع التطورات التكنولوجية في القطاع المالي، الذي يهدد بإبعاد الولايات المتحدة عن دورها كحارس مرمى للاقتصاد العالمي. ويتمثل ذلك في ظهور طرق جديدة لإجراء المعاملات المالية، بما في ذلك ما يطلق عليه تقنية «بلوكشين» أو سلسلة الكتل، وهو عبارة عن نظير لدفتر الأستاذ اللامركزي في المحاسبة التقليدية، وتدعم هذه التقنية في الوقت الحالي العملة الافتراضية «بيتكوين»، لكنها - أي التقنية - تستخدم بشكل متزايد في المعاملات العادية، من قبل البنوك وشركات الشحن، وغيرها من الشركات.

يقول المحلل السابق لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه)، يايا فانوسي، الذي يعمل الآن مدير تحليل بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: «تماماً مثلما استطاعت الولايات المتحدة أن تحصل على أكبر فائدة من إنشاء الإنترنت، فإن السؤال بالنسبة لها هو: كيف يمكنها أن تكون على صلة بعالم من اللامركزية؟».

وبفضل الارتفاع الهائل في قيمة «البيتكوين»، التي تقترب الآن من قيمة سوقية تبلغ نحو 200 مليار دولار، واهتمام واضح من دول مثل فنزويلا وروسيا في خلق بدائلها الخاصة للدولار، فإن القلق يتزايد حول التهديدات التي تتعرض لها عقوبات الولايات المتحدة. السيناتوران: بوب منندز، وماركو روبيو، حملا بشدة الأسبوع الماضي على إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حول جهود فنزويلا «إحباط» العقوبات الأميركية. وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد حذرت المستثمرين من أن استخدام «البترو» قد يبطل مفعول العقوبات الأميركية.

لكن الكثير من الخبراء يشككون في أن فنزويلا، التي أثبتت عدم قدرتها على الحفاظ على عملة تقليدية مستقرة، يمكنها أن تنجح بطريقة أو بأخرى في إطلاق نظام افتراضي، تدعمه الملايين من براميل النفط غير المكتشفة. ويقول خبير الطاقة في أميركا اللاتينية بمعهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس، فرانسيسكو مونالدي: «إن فكرة كون (البترو) عملة تدعمها الاحتياطيات هي محض خيال». ويضيف «لذلك فإنك ستكون أمام عملة صادرة عن بلد غارق في التضخم المفرط، وفي حالة تخلف عن السداد». وبالمثل، ففي الوقت الذي تستخدم فيه «البيتكوين» وغيرها من العملات الافتراضية، من قبل العديد من الشركات الإجرامية وغير المشروعة، فإن هذه العملة توفر مجالاً ضئيلاً للتهرب من العقوبات، كما يقول الخبراء.

وبالنسبة للمبتدئين، على الرغم من النمو السريع في استخدام «البيتكوين» والعملات الافتراضية الأخرى، فإن قيمتها لاتزال تمثل مجرد كمٍّ صغير من الدولار الأميركي، والعملات الرئيسة الأخرى المتداولة. وهي أكثر تقلباً، ما يجعلها أقل جاذبية لأنظمة تحاول القيام بأعمال تجارية غير مشروعة واسعة النطاق.

بالإضافة إلى ذلك، فإن «البيتكوين»، العملة الافتراضية الأكثر استخداماً على نطاق واسع، ليست مجهولة بالضرورة، لكنها تتحرك بدلاً من ذلك باسم مستعار، ففي كثير من الحالات يمكن للخبراء تحديد الهوية الحقيقية وراء أحد المتعاملين في «البيتكوين»، حتى لو لم يذكر اسمه.

هناك المزيد من القلق بشأن الجهود التي تبذلها روسيا والصين، ودول أخرى، لإنشاء بنية مالية موازية يمكنها تجاوز النظام الحالي، الذي يسمح للمنظمين الأميركيين والأوروبيين بالتبليغ عمن يرسل الأموال إلى مكان معين. فقد سعت روسيا منذ عام 2015، على سبيل المثال، إلى تطوير بديلها الخاص لـ«سويفت»، وهي منصة مقرها بروكسل تربط النظام المالي العالمي.

تنسيق مع الصين

وبالتنسيق مع الصين، ناقشت موسكو، أيضاً، ابتكار نظام دفع بديل يصلح للاقتصادات الناشئة، والتي تسمى مجموعة «بريكس»، وتضم: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. وتقلق هذه التطورات الخبراء لأنها يمكن أن تجعل من السهل على الشركات والأفراد ممارسة الأعمال التجارية، على الرغم من العقوبات الأميركية. يقول المستشار الأميركي، ريتشارد نيفو، الذي ساعد في تطبيق العقوبات على إيران في إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، وهو الآن كبير الباحثين في مركز جامعة كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية: «إذا كان هناك (سويفت) جديد يتجاوز أوروبا والولايات المتحدة تماماً، فسيشكل ذلك تحدياً كبيراً لعمليات مناهضة تمويل الإرهاب وغسل الأموال والتهرب من العقوبات». لكن حتى الآن لم تحقق روسيا والصين تقدماً كبيراً في إقامة نظام مالي موازٍ، ولاتزال البنوك الكبرى، وأكثر من 11 ألف مؤسسة مالية مرتبطة بـ«سويفت»، تتشكك في انضمامها إلى منظمة جديدة. إلا أن مثل هذا التردد لا يمنعهم من التسلل لركوب عربة كبيرة أخرى، حيث إن صعود ما يسمى تقنيات دفتر الأستاذ مثل «بلوكشين»، يمكن أن تبسط جميع أنواع المعاملات المالية، وتخفض التكاليف إلى حد كبير.

هذه الدفاتر الحديثة لا تحتاج إلى استخدام العملات الافتراضية مثل «البيتكوين». وتستخدم شركتا «آي بي إم» و«ميرسك» العملاقتان للشحن تقنية «بلوكشين»، لتبسيط سلاسل التوريد العالمية وتوفير التكاليف، وكل ذلك مع استخدام العملات العادية مثل الدولار واليورو والين. وتقوم البنوك الدولية الكبرى ببناء منصات متنافسة شبيهة بـ«بلوكشين»، يمكن أن تجعل جميع أنواع المعاملات المالية أسرع وأرخص.

تقول الخبيرة، التي عملت على فرض عقوبات بالخزانة الأميركية تحت إدارة أوباما، إليزابيث روزنبرغ، وتعمل الآن في منصب مدير برنامج الطاقة والاقتصاد والأمن في مركز الأمن الأميركي الجديد: «هناك تحرك كبير نحو تقنية دفتر الأستاذ الذي يعمل كل شيء، العقود وسلاسل الإمداد والصرف الأجنبي، وهي عمليات ليست مدفوعة عن بعد فقط بقصد التهرب من العقوبات». وتضيف: «بل لمجرد السعي، للجوء لتكاليف أرخص».

لكن النتيجة العملية ليست هي نفسها، بالنسبة للأشخاص داخل الخزانة الأميركية، الذين يحاولون التأكد من أن الأشخاص والشركات المستهدفين بالعقوبات لا يستطيعون الاستمرار في العمل كالمعتاد.

ومنذ الحادي عشر من سبتمبر 2001، اعتمدت الولايات المتحدة بشكل كبير على العقوبات المالية، لكبح جماح الناشطين السيئين. وسواء كان الغرض هو استهداف الإرهابيين أو إحباط مسعى إيران وكوريا الشمالية للحصول على أسلحة نووية، أو معاقبة روسيا على ضمها لشبه جزيرة القرم، أو انتهاكات فنزويلا لحقوق الإنسان، فإن العقوبات المالية غالباً تكون الملاذ الأول لصناع القرار الأميركيين. وبينما تساعد الجهات الفاعلة الأخرى، في كثير من الأحيان، على تعزيز العقوبات المالية الأميركية - الاتحاد الأوروبي يضغط على إيران، وتضغط الصين على كوريا الشمالية - فإن الحقيقة تتمثل في أن نيويورك والدولار الأميركي يجلسان في مركز التمويل العالمي، ما يمنح أميركا نفوذاً كبيراً، وهو ما يقول عنه خبراء إنه يمكن أن يتعرض لتهديد من الابتكارات الشجاعة لعالم المال الجديد. وتقول روزنبرغ إن «هذا التحول في النظام المالي، هو ما سيحد من النفوذ الأميركي، وبهذه الطريقة يتحول النشاط المالي من الولاية الأميركية». وتضيف: «إذا كنت تستخدم منصة مختلفة، سواء كان دفتر الأستاذ من نوع تقنية (بلوكشين)، أو ببساطة وسيلة أخرى في الخارج، فإن الولايات المتحدة ستكون لديها قدرة أقل بكثير لرصده أو وقفه».

 

حتى الآن لم تحقق روسيا والصين تقدماً كبيراً في إقامة نظام مالي موازٍ، ولاتزال البنوك الكبرى، وأكثر من 11 ألف مؤسسة مالية مرتبطة بـ«سويفت»، تتشكك في انضمامها إلى منظمة جديدة.

منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001.. اعتمدت الولايات المتحدة بشكل كبير على العقوبات المالية لكبح جماح الناشطين السيئين.

 

تويتر