شاب ووالده وطفليه وزوجته يعيشون حياة بدائية في منزل طيني

«شوشحلة».. حكاية 5 أفراد يواجهون الاستيطان في قريتهم المهجرة

صورة

القادم إلى قرية شوشحلة، في بلدة الخضر جنوب مدينة بيت لحم في الضفة الغربية، يتوقف به الزمن كأنه يعيش في العصور البدائية، فلا طريق يسلكه المارة إليها سوى تسلق الجبال الوعرة، وكل زوايا القرية موحشة ومخيفة، لخلوها من البشر والكائنات الحية، إذ تفتقر إلى معالم الحياة فيها، ولا يوجد بها أي منزل سوى كوخ صغير من الطين، تعيش فيها عائلة مكونة من خمسة أفراد.

هاجرت 22 عائلة من قرية شوشحلة عام 1967، وتوجهت إلى بيت لحم، وبلدة الخضر هرباً من الجرائم الصهيونية

المواطن الفلسطيني مهند صلاح، البالغ من العمر 37 عاماً، المهجر العائد إلى قريته المهجرة عام 1967 شوشحلة، يعيش هو وزوجته ووالده السبعيني وطفلته سيدار، وابنه ذو العشرة أعوام حياة بدائية، رغم كل ما يحدق به من مخاطر، وما يتعرض له من اعتداءات من المستوطنين والجنود، إلا أنه فضل البقاء في أرضه، ليتمكن من الحفاظ على ما تبقى من أراضٍ أصيبت بسرطان الاستيطان.

ويقع منزل الفلسطيني صلاح وسط تجمع مستوطنات تحيطه هو والقرية من الجهات الأربع. وهي مستوطنات دانيال، وسدي بوعز، وأفرات، وإليعازر، وكفار عتصيون، ومجدال عوز، فيما يمر وسط أراضي القرية شارع 60 الاستيطاني، الذي يربط مدينة القدس بمستوطنات محافظة الخليل.

العودة إلى الأرض

هاجرت 22 عائلة من قرية شوشحلة عام 1967، وتوجهوا للسكن في مدينة بيت لحم، وبلدة الخضر القريبة منها، هرباً من جرائم العصابات الصهيونية آنذاك، وفي عام 1997 عاد الفلسطيني مهند صلاح إلى بلدته المهجرة، وأعاد ترميم منزل جده، ومسجد البلدة ومقبرتها التاريخية.

«الإمارات اليوم» زارت المواطن صلاح في منزله البدائي، الذي تجاوره بئر مياه قديمة وموقد حديدي متآكل بفعل الصدأ، وعلى مقربة من ذلك المنزل يزرع الشاب الثلاثيني مساحة صغيرة من الأرض بنباتات عشبية، ويقني داخلها عدداً من الطيور والمواشي، ليعتاش منها هو وعائلته الصغيرة.

يقول الشاب صلاح إن «وجودي في قريتي وصمودي في وجه الاستيطان، هما إثبات حقي في أرضي، وحتى أعيد ترميم ما دمرته القوات الإسرائيلية، وأحافظ على ما تبقى من أرض، فأنا الوحيد المسجل في بطاقة هويتي الشخصية مكان السكن قرية (شوشحلة)، وهذه الأرض كل ما أملك، فعليها كبرت وتزوجت، والآن أعيش أنا وأسرتي الصغيرة، وسأبقى في منزلي البدائي حتى تكبر عائلتي وأعيد حقي المسلوب».

عندما تزوجت اشترطت قبول زوجتي السكن معي في القرية، فأنا لا أبحث عن الفقر والتخلف، لكن حب الأرض والحفاظ عليها دفعاني للعيش في بيت من الطين، منعزل عن العالم بلا ماء أو كهرباء أو خدمات.

ورغم وجود صلاح في قرية نائية بعيدة عن المناطق الآهلة، فإن طفلته سيدار تدرس في مدرسة ببلدة الخضر، التي تبعد مسافة خمسة كيلومترات عن منزله البدائي، إذ ينقلها يومياً على عربة حمار في الصباح والمساء.

ويقول الشاب مهند إن «ابنتي تعلمت حب الأرض، فقد أنشأتها داخل هذا المكان، لأننا نريد العيش بسلام داخل أرضنا المهجرة، فبدلاً من أن نتنقل عبر الجبال الوعرة نبني مدرسة في هذه القرية، ونبدأ بإعادة المهجرين إليها، وتعود الحياة ومعالمها إلى القرية، وهذا ما أطمح إليه، من خلال صمودي وبقائي».

حياة بدائية

وفي ما يتعلق بطبيعة الحياة داخل منزله البدائي، وكيفية تأمين متطلبات الحياة اليومية لأسرته، يقول الشاب صلاح: «على الرغم من عدم توافر المياه والكهرباء في القرية، فإنني أعيش أنا وأسرتي حياة بدائية جداً، في منزل مشيد من الحجارة الصخرية والطين، ونضيئه باستخدام لمبة قديمة تعمل بواسطة الكاز، ونحصل على الماء من بئر قديمة قمت بترميمها، أما في طهي الطعام والتدفئة فأستخدم الحطب والأخشاب المتوافرة».

ويشير إلى أنه يمتلك أرضاً مساحتها 22 دونماً، يستخدمها في تربية الطيور والأغنام، ويزرع فيها محاصيل منوعة، ليوفر جزءاً بسيطاً من متطلبات عائلته الضرورية، لعدم تمكنه من مغادرة القرية النائية بشكل مستمر لبعدها عن المناطق الآهلة بالسكان، بالإضافة إلى المخاطر التي تواجهه من المستوطنين.

اعتداءات

تتعرض عائلة صلاح لمضايقات مستمرة من قبل المستوطنين، فيما تواجه عمليات اعتداء من قبل القوات العسكرية، وكان آخرها اقتحام تلك القوات القرية نهاية العام الماضي، وإجبار العائلة على مغادرتها، فيما جرفوا مساحات واسعة من أراضي القرية، لضمها إلى المستوطنات الجاثمة عليها.

ويقول الشاب صلاح إن «وجودي داخل القرية يشكل خطراً حقيقياً على المستوطنين بفعل تمسكي بأرضي، لذلك أواجه خطراً يومياً، حيث أتعرض لاعتداءات المستوطنين من تقطيع للأشجار، وتخريب المحاصيل الزراعية، وتوجيه الشتائم لنا، فيما تغلق قوات الجيش الإسرائيلي الطرق الزراعية على القرية، وتمنع المركبات من الوصول إليها».

ويشير إلى أنه تعرض للاعتقال مرات عدة من قبل الجيش الإسرائيلي، آخرها في عام 2016، عندما أحرقت مجموعة من سكان مستوطنة كفار عتصيون منزله، ولم يطلق سراحه إلا بعد دفع غرامة مالية طائلة للمحكمة الإسرائيلية.

ويقول الشاب مهند، مشيراً بيده إلى المستوطنات المحيطة بقريته: «أعيش وسط تجمع استيطاني منذ عام 1997، وشهدت المنطقة منذ ذلك الوقت توغلاً استيطانياً جنونياً، فمستوطنتا إليعازر، وكفار عتصيون، لا تبعدان سوى عشرات الأمتار عن منزلي وأرضي، إذ يدخل سكانها إلى القرية ويخرجون منها بسهولة، كما أشاهدهم كل يوم وهم يترصدون تحركاتي، حتى يخرجوني من منزلي، لكنني لا أخاف منهم، ولا أهاب ممارساتهم».

ويضيف: «ذات مرة منعني أمن مستوطنة أنا وزوجتي من رعي الأغنام في أرضي، وأطلقوا النار علينا، لكنني اقتربت منهم وصرخت فيهم قائلاً إن الذي سيتعرض لي سأضربه بالحجارة حتى يسيل دمه، وبقيت في مكاني أنا وأغنامي، بينما تراجعوا هم إلى أبراج المراقبة ونقاطهم العسكرية، كما أتصدى للجرافات، وأمنعها من تجريف منزلي ومصادرة أرضي».

تويتر