الاحتلال الإسرائيلي يذكرهن بأن للكفاح ثمناً لابد من دفعه

الفلسطينيات يحاربن على كل الجـبهات

صورة

يمكن رؤيتها بسهولة في جامعة بيت لحم، وتبدو ابتسامتها غير القابلة للتغيير أوسع من وجهها. إنها أسيل خاطر، التي تبدو في عامها الـ13، رغم أنها ناهزت الـ22 عاماً. تلعب أسيل ضمن فريق كرة قدم للسيدات، ما يسمح لها بالخروج بانتظام من الضفة الغربية، والسفر إلى الخارج. إنه متنفس غير عادي، يمكِّنها من الهروب من الاحتلال الإسرائيلي بين الفينة والأخرى. ولا ترتبط شهرة أسيل في الجامعة بنشاطها الرياضي فحسب، فقد كانت أول امرأة انتخبت في مجلس الطلبة في أبريل2017، الذي يضم 12 عضواً، وذلك على الرغم من أن 70% من المسجلين في الجامعة من الفتيات. وتقول الطالبة الفلسطينية إنها لم تجد القبول في البداية، من قبل الطلبة الذكور «لأنهم كانوا مقتنعين بأننا لسنا قادرات على العمل مثلهم»، مضيفة «حاولت تشجيع زميلاتي على عدم الاهتمام بنظرة المجتمع».

وتحلم أسيل بوحدة حقيقية في الصف الفلسطيني، وأن تتجاوز هذه الوحدة الفصائل الفلسطينية، وأن ترى الدولة الفلسطينية النور في المستقبل، لكنها لا تفكر في خوض غمار السياسة، لأن ذلك يعني أنها ستكون «مراقَبة من قبل الإسرائيليين، ولن تستطيع السفر». ومثل كل الفلسطينيين، تأثرت الشابة الفلسطينية بما جرى لمواطنتها عهد التميمي، التي تحولت في شهر ديسمبر الماضي إلى «رمز» وطني، بعد اعتقالها، عقب مواجهتها جنديين إسرائيليين، وتنتظر محاكمتها التي لم تبدأ بعد.

آلاف المعتقلات

رواد

كان من بين رواد السياسة من النساء، انتصار الوزير، زوجة مسؤول بارز في منظمة التحرير الفلسطينية، اغتالته إسرائيل عام 1988، واسمه «أبوجهاد». وكانت أيضاً من مؤسسي الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، وهو مكوّن قديم جداً في منظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك أول امرأة تحصل على عضوية حركة فتح، التي قادها ياسر عرفات. وفي ذلك تقول المحللة السياسية، نور عودة: «لقد كانت قوة منظمة التحرير الفلسطينية تخترق جميع قطاعات المجتمع، من المعلمين إلى المحامين، إلى النساء». وفي الانتخابات التشريعية لعام 2006، شجعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) النساء على المنافسة الانتخابية، لكن هذا لا يعني أنه يتم تمثيلهن، اليوم، وفقاً لوزنهن الديمغرافي.

كان هذا الرد الإسرائيلي بمثابة تذكير للنساء الفلسطينيات بأن الكفاح ضد الاحتلال له ثمن. ووفق منظمة «الضمير» غير الحكومية، فإن عدد الفلسطينيات اللواتي تعرضن للتوقيف أو الاعتقال في السجون الإسرائيلية، منذ نكبة 1967، بلغ نحو 10 آلاف امرأة. وفي هذا السياق تقول مديرة المنظمة، سحر فرانسيس «لا مجال لمقارنة هذا العدد بمئات الآلاف من الرجال المعتقلين، لأن الإسرائيليين يوقفون الرجال أكثر، ولأسباب متشابهة، مثل الانتماء إلى فصائل (حماس) و(الجهاد الإسلامي)، أو بسبب نضالهم (السلمي) في الجامعة». وتسلّط قضية التميمي الضوء على كفاح الفلسطينيات في مجتمع أبوي ومحافظ، ورغم التحولات الكبيرة التي شهدها المجتمع، إلا أن الحاجز لايزال صلباً.

خلال تاريخ النضال الطويل من أجل الحقوق، لم تكن النساء في الواجهة، وكونهن أمهات وبنات وزوجات، فقد قدمن دعماً مهماً للرجال المعتقلين، ونقلن قصص الشهداء إلى الأجيال المتعاقبة، وأسهمن في نشر ثقافة التضحية، كما تحملن الإهانات عند الحواجز ونقاط العبور الإسرائيلية. من جهة أخرى، انخرط بعضهن في الكفاح الفعلي، مثل المناضلة في الجبهة الشعبية، ليلى خالد، التي اختطفت طائرتين في نهاية الستينات من القرن الماضي، والاستشهاديين الذين تركوا بصمتهم في الانتفاضة الثانية، بعد ثلاثة عقود. وتلعب الفلسطينيات دوراً إيجابياً ومحركاً في المجتمع الفلسطيني، لنشر ثقافة المساواة في الحقوق، ولكن يلاحظ غيابهن شبه الكامل عن دوائر اتخاذ القرار.

وتقول شيرين أبوهلال (40 عاماً)، معلقة: «يقال إننا في مجتمع ديمقراطي ومنفتح»، وتتابع الفلسطينية المنحدرة من عائلة معروفة في «أبوديس» في القدس: «بصراحة، مجتمعنا يرتكز على الرجال، فهم يقررون كلّ شيء باسمنا، وأعتبر النساء ضحايا للاحتلال من جهة، والثقافة المحلية من جهة أخرى». ووفقاً لـ«أبوهلال»، فإن المشكلة لا تكمن في الدين، إنما في «الذهنية العربية».

عمل بطيء

في ديسمبر من العام الماضي، وبعد أربعة أيام من اعتراف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالقدس عاصمة لإسرائيل، تجمع 60 متظاهراً في «أبوديس»، بينهم امرأتان، وكانت «أبوهلال» من بين المتظاهرين. وتعتبر الموظفة الاجتماعية أن «كل امرأة في فلسطين هي مناضلة، بمجرد وجودها على الأراضي الفلسطينية»، وتقول إنها تستمد قوتها من عائلتها، ومن تقاليد النضال التي توارثتها، «ماعدا ذلك، ألاحظ خلال التظاهرات نظرات الرجال لي، وكيف يحكمون عليّ»، متابعة «أسمع دائماً أحدهم يقول: يفترض أن تكوني في مكان آخر».

وتؤمن «أبوهلال»، الناشطة في حزب المبادرة الوطنية الفلسطينية، بالعمل دون هوادة، وخلال الانتفاضة الثانية، قامت بتوزيع المواد الغذائية والملابس على الطلاب، الذين لم يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم، عندما أغلقت السلطات الإسرائيلية الطرق. وفي 2011، انضمت إلى حملة «المقاطعة»، التي تهدف إلى وقف الاستثمارات، وتفعيل العقوبات ضد إسرائيل. وفي 2013، شاركت الناشطة في الاحتجاجات بقرية «باب الشمس»، الواقعة في المنطقة الاستراتيجية «إي 1» بين القدس ومستوطنة معالي أدوميم، احتجاجاً على توسيع المستوطنات الإسرائيلية. وعلى مدى العامين الماضيين، كانت «أبوهلال» قلقة بشأن الهجمات بالسكاكين من قبل مراهقين ضد الجنود الإسرائيليين.

وتعود مشاركة المرأة في الحياة العامة إلى بداية الحركة الوطنية في فلسطين، إذ شكلت النساء طليعة نضالية. ففي عام 1929، ذهب وفد من النساء والرجال المسيحيين، من جميع الشرائح، إلى مقر المفوض السامي البريطاني، في القدس، الذي كان يمثل السلطة الأولى في البلاد، وطالب الوفد بإعادة النظر في إعلان اللورد بالفور عام 1917، الذي كان آنذاك وزيراً للشؤون الخارجية، ووعد بوطن لليهود. وبعد النكبة، التي طُرد جراءها مئات الآلاف من الفلسطینیین من أراضيهم في عام 1948، تولت النساء الدفاع عن حقوقهن، لكن ثقافتهن القانونية كانت لاتزال هزيلة، في مجتمع زراعي.

وكان الانتصار الإسرائيلي في حرب الأيام الستة، عام 1967، الذي خلق ظروف الاحتلال، بداية مرحلة تمكنت خلالها المزيد من النساء الفلسطينيات من الحصول على التعليم العالي في جامعات المنطقة، خصوصاً في القاهرة. واليوم، تعمل العديد من الخريجات في الجامعات الفلسطينية، لكن ليس لديهن حتى الآن مجالس إدارية خاصة. وخلال الانتفاضة الأولى، في أواخر الثمانينات، شاركت النساء من جميع الأعمار في دعم شباب الحجارة، الذين واجهوا الجنود الإسرائيليين، لتشهد اللجان التقليدية انضمام أعضاء جدد من النساء، لكن هذه المشاركة لم تغير دور المرأة في المجتمع الفلسطيني، ولم تقلل من العقبات أمامها.

منظمات قديمة

المجتمع الفلسطيني منقسم ويعاني

ضعف المعنويات، وقد تحول حلم إنشاء دولة

ذات سيادة، الذي وعدت به اتفاقات أوسلو (1993)،

إلى سراب، كما أن خطابات القادة السياسيين

تدور في حلقة مفرغة.

ظلت السلطة دائماً شأناً يخص الرجال في فلسطين. وفي 14 يناير المنقضي، اعتمد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في ختام أعماله نسبة 30% على الأقل من النساء في جميع المؤسسات الفلسطينية. وفي 2015، استخدمت الصياغة نفسها في اجتماع المجلس السابق. فالنظام الأبوي والفقر، يحدان من طموحات العديد من النساء، ويجعلان دورهن مقتصراً على الأعمال المنزلية. إنهما عاملان يشكلان عقبتين رئيستين، لكن ذلك لا يفسر كل شيء.

في الواقع، المجتمع الفلسطيني منقسم، ويعاني ضعف المعنويات، وقد تحوّل حلم إنشاء دولة ذات سيادة، الذي وعدت به اتفاقات أوسلو (1993) إلى سراب، كما أن خطابات القادة السياسيين تدور في حلقة مفرغة. وفي اللجنة المركزية لحركة فتح، الفصيل الفلسطيني الرئيس، يتجاوز متوسط عمر أعضائها الـ70 عاماً. هذه المؤسسات التي عفا عليها الزمن، والتي يرجع تاريخها إلى الستينات، غير قادرة على تقبل الانتقادات ومناقشة التخلي عن السلطة، إنها مصدر للتكسب بالنسبة للقائمين عليها. وفي هذا السياق، يجب علينا أن نحلل الدور الثانوي الذي تشغله المرأة في دوائر صنع القرار.

شرعية قبلية

عرفت زهيرة كمال كيف تجعل نفسها محترمة في مجتمعها، فقد كانت هذه الفلسطينية، التي تنحدر من عائلة كبيرة في القدس، واحدة من عدد قليل من النساء المشاركات في مفاوضات السلام مع الإسرائيليين، في التسعينات من القرن الماضي. وقد عُرفت الوزيرة السابقة لشؤون المرأة بدفاعها الدائم عن المساواة بين الرجل والمرأة. وفي ذلك تقول «نحن بحاجة إلى تحالف نسائي، خارج الخطوط الحزبية، لدعم بعضنا بعضاً، ورفع أصواتنا، وجعلها مسموعة». وانطلاقاً من تجربتها الطويلة، تعلمت كمال «كل الحيل» التي يستخدمها الرجال لإبقاء النساء بعيداً، دون أن يدركن ذلك، «فعلى سبيل المثال، يتخذون القرارات في المقهى أو النادي الرياضي، وعندما نصل، يكون كل شيء قد حُسم»، متابعة «تعقد معظم الاجتماعات بعد الساعة السادسة مساء، وهو أمر غير مريح للغاية بالنسبة لنا، كوننا ربات بيوت».

ولكن ما يقلق زهيرة كمال، أكثر، هو التطور الأعمق الذي يشهده المجتمع الفلسطيني، وهو ما تسميه «العودة إلى القبلية». ويعود هذا الرجوع إلى الوراء، بشكل خاص، إلى ضعف المؤسسات. وتقول كمال «فجأة، تتحول الأحزاب إلى العشائر، التي هي الدعامة الصلبة الوحيدة، بدلاً من الممارسة السياسية، وتوضيح المسائل». وتوضح الوزيرة السابقة «رأينا ذلك في الانتخابات المحلية (في مايو2017)، إذ أرادت العديد من النساء ترشيح أنفسهن، لكن الأحزاب اختارت مرشحين من العشائر.. رجالاً أكثر كفاءة». وسيكون البديل المرغوب فيه، وفقاً للمسؤولة الفلسطينية، هو تقديم قوائم للنساء في الانتخابات «عندما نتحدث مع الرجال نسمع كلاماً جميلاً، هم يقولون إننا نحترمكن، وأنا أرد على الفور: إذاً أنتم لا تؤمنون بحقوقنا».

تويتر