دعا إلى أن يكون التقرير الدولي الذي نشرته «منظمة الأنهار» فيصلاً بين القاهرة وأديس أبابا

خبير مائي: مصر تعارض سد النهضة لخطورته ومخالفته المواصفات الفنية

د. عباس شراقي : الدافع الرئيس للقيادة السياسية الإثيوبية ليس الحصول على مياه شرب لمواطنيها، بل إنتاج وبيع الكهرباء.

قال خبير الموارد المائية، استاذ الموارد الطبيعية بمعهد الدراسات الإفريقية، الدكتور عباس شراقي، إن الموقف المصري اتسم بالمرونة، بينما اتصف الإثيوبي بالتعنت، في معالجة أزمة سد النهضة الإثيوبي، ما انتهى بفشل الجولة 17 في المفاوضات بين البلدين، وأن الأزمة ستتواصل إلى مدى بعيد، حيث «تنوي إثيوبيا بناء 33 سداً على النيل، ولم تنتهِ إلا من أربعة سدود فقط، وأن الخطورة الحقيقية في أن هذه السدود تشيد على واحدة من أقدم المناطق البركانية في العالم، بما يحمله ذلك من خطورة».

الطبيعة الجيولوجية لإثيوبيا لا تناسب المشروعات المائية الضخمة، مثل سد النهضة، محل الخلاف مع مصر.

بناء السد ليس مصدره احتياج إثيوبيا لماء الشرب أو زراعة أراضٍ، لأن المنطقة المقام عليها السد منحدرة وليست منبسطة، وإنما مصدره الطموح السياسي، وتوليد وبيع الكهرباء.

احتمال الانهيار

حذّر خبير الموارد المائية، استاذ الموارد الطبيعية بمعهد الدراسات الإفريقية، دكتور عباس شراقي، من أن سد النهضة يمكن أن ينهار، وفي حال انهياره سيحدث تدمير شامل في السدود السودانية، وسيكون بمنزلة «تسونامى جديد»، لكنه لن يضر بالسد العالي، نظراً لطول المدة التي ستصل فيها المياه، ووجود بدائل لدى مصر لتحويل مياه النهر، بما يقلل الأضرار الناتجة عن انهيار السد.

وأضاف شراقي أن فكرة الانهيار ليست نظرية، فقد حدث مع إثيوبيا في سد «تيكيزي»، الذي يخزن تسعة مليارات متر مكعب على نهر عطبرة، وهو أحد الأنهار التي تغذي نهر النيل بنحو 11 مليار متر مكعب سنوياً، حيث حدث فيه انهيار جزئي في أثناء العمل، ما أخّر افتتاح المشروع لمدة سنة، كما حدث أيضاً في مشروع «جيبا2»، على نهر أوموا، الذي يصب في بحيرة «توركانا» الكينية، وهو عبارة عن نفق، وقع فيه انهياران أثناء العمل، وكان من المفترض أن يفتتح في 2007 وتأجل إلى 2010، كما أنه بعد افتتاحه بـ10 أيام فقط، حدث انهيار أوقف المشروع، والشركة المنفذة لهذا النفق هي الشركة الإيطالية نفسها التي تنفذ سد النهضة.

وشدد شراقي على أن «مصر لا تقف أمام طموحات الدول الإفريقية للتنمية، بما في ذلك إثيوبيا، ولكن عند بناء أي سد يجب أن يكون متوافقاً في المواصفات الفنية والهندسية مع الموقع الذي يُقام فيه، إلى جانب حساب حجم المخاطر المترتبة على انهيار السد، وذلك ما لم يراع في سد النهضة الإثيوبي».

وأضاف شراقي في ندوة أقامها «معهد الدراسات الإفريقية»، التابع لجامعة القاهرة، نهاية الأسبوع الماضي، أن مصر حرصت على عدم إعلان فشل المفاوضات فترة طويلة، لإعطاء فرصة، وإثبات حسن النوايا. وتابع شراقي أن «سد النهضة تم التفكير فيه كرد فعل على بناء السد العالي عام 1964، حيث اقترحت الفكرة الولايات المتحدة، التي كانت في صراع مع نظام عبدالناصر ونهجه التحرري آنذاك، وقامت وزارة الاستصلاح الأميركية بعمل دراسة جدوى له، واختارت حوض النيل الأزرق لبناء السد، دون الـ12 حوضاً الأخرى، التي تمتلكها إثيوبيا، والتي يوفر فيها النيل الأزرق 60% من موارد النيل المائية، لكن الدراسة التي صممت يومها انتهت إلى أن يكون ارتفاعه 85 متراً، ليخزن 11 مليار متر مكعب، وليس 74 مليار متر مكعب، كما هو المشروع اليوم، وأن هذا التوسع ليس مصدره احتياج إثيوبيا لماء الشرب أو زراعة أراضٍ، لأن المنطقة المقام عليها السد منحدرة وليست منبسطة، وإنما مصدره الطموح السياسي، وتوليد وبيع الكهرباء، إذ أعلنت إثيوبيا منذ البداية أنها ستصدرها، لأنها لا تستطيع مد شبكات توصيل الكهرباء للإثيوبيين، الذين يعيش 75% منهم في الظلام، لأنها ستتكلف مليارات الدولارات».

ونوه إلى أن إثيوبيا استغلت انشغال مصر بثورة يناير، فأعلنت عن بناء السد في أبريل 2011، أي بعد اندلاع الثورة بثلاثة شهور، تحت اسم «سد الحدود»، وبعد شهر ونصف الشهر تم تغييره إلى اسم «المشروع اكس»، ثم تم تغييره إلى «سد الألفية الإثيوبي العظيم»، وإسناده إلى شركة سالي الإيطالية، ليتغير بعدها إلى «سد النهضة»، وفي كل مرة تتغير السعة التخزينية، حتى وصلت إلى 74 مليار متر مكعب حالياً، وعندما ذهب وفد الدبلوماسية الشعبية ليعرب عن مخاوف مصر من السد، قدموا له جملة تطمينات، وأعربوا له عن ترحيبهم بالثورة، وعندما احتكمنا بعدها إلى لجنة دولية محايدة، مكونة من 10 خبراء، وأصدرت اللجنة تقريراً من 24 صفحة، متضمناً توصيات هندسية وبيئية ومائية، تجاهلت إثيوبيا كل التوصيات، وظل التقرير سرياً حتى أعلنته منظمة الأنهار العالمية.

وشدد شراقي على أن إثيوبيا زادت مواصفات تخزين السد من 11 مليار متر مكعب، إلى 74 ملياراً، وهو يعادل سبعة أضعاف السعة المقترحة تقريباً، وذلك بسبب الطموحات السياسية، منوهاً بأن الدافع الرئيس للقيادة السياسية الإثيوبية ليس الحصول على مياه شرب لمواطنيها، الذين يعيش 90% منهم في الجبال، ولا توفير المياه لاستصلاح الأراضي، لأنها ليست مسطحة، وإنما الغرض إنتاج وبيع الكهرباء.

وحول سيناريوهات حل الأزمة، قال شراقي إن «مصر أمامها تفعيل البند الخامس من اتفاق المبادئ الذي عقدته مع إثيوبيا والسودان، حيث يمكن أن يتم بموجبه تشكيل لجنة دائمة من الدول الثلاث للتنسيق في تشغيل سدودها أو إدارة سد النهضة، وهي لجنة تنسيق لدراسة أحوال الأمطار، وكميات المياه المخزنة في السدود الثلاثة. وإذا وافقت إثيوبيا على تشكيل اللجنة ستكون مهمتها تقليل الضرر على مصر والسودان، أما إذا رفضت فليس أمام مصر سوى التدويل، حيث يتم التوجه إلى الاتحاد الإفريقي، ثم مجلس الأمن». وتابع شراقي أن «هناك تجارب خاصة بمشاركة الدول في التشغيل بحوض النيل، مثل تجربة سد أوين في أوغندا، حيث تعاونت مصر معهم في تشييد السد، ثم عقدت معهم اتفاقية للتشغيل تضمن وجود ثلاثة مهندسين في المشروع، يباشرون التشغيل والإدارة مع المهندسين الأوغنديين، وهو أمر يتماشى مع الاتفاقيات التي عقدتها مصر مع إثيوبيا، بدءاً من سنة 1891، و1902 و1906».

الطبيعة الجيولوجية

وقال شراقي إن الطبيعة الجيولوجية لإثيوبيا لا تناسب المشروعات المائية الضخمة، مثل سد النهضة، محل الخلاف مع مصر، فالتربة تتكون من طبقات بازلتية، تراكمت عبر السنين نتيجة البراكين، فتكون بينها فواصل وشقوق، ووزن المياه في البحيرة خلف السد سيصل إلى 74 مليار طن، ومن ثم يمكن أن تتصدع القشرة الأرضية، بما يمكن أن يتسبب في انهيار السد. كما أن الهضبة الإثيوبية تضم «الأخدود الإفريقي العظيم»، أكبر فالق على سطح الأرض، الذي يقسمها إلى نصفين في منطقة مثلث عفار بالقرب من جيبوتى، حيث تعد منطقة زلازل يمكن أن تصل قوتها إلى ست درجات ريختر، فضلاً عن وجود سيول في موسم المطر، حيث يحمل النيل الأزرق نحو نصف مليار متر مكعب يومياً، مع شدة الانحدار من ارتفاع نحو 4600 متر عند بداية النهر إلى 600 متر على الحدود السودانية.

 

 

 

تويتر