تتمثل الخطوة الأولى في التمسك بخطة العمل الشاملة

أميركا تتعامل بارتباك مع برنــــامج الصواريخ الباليستية الإيرانية

صورة

عندما أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الشهر الماضي عن رفضه المصادقة على التزام طهران بالاتفاق النووي الإيراني، فإنه قدم بذلك فرصة للكونغرس لتقويض الاتفاق النووي الإيراني. وبدلاً من ذلك ركز ترامب على قصور مفترض في الاتفاقية طالما اقلق منتقدي الصفقة، الذين يعتقدون أن هناك «صمتاً تاماً تقريباً على برامج الصواريخ الباليستية الإيرانية». واعتماداً على حقيقة أن إيران واصلت برنامجها الخاص بالصواريخ الباليستية فإن ذلك، كما يعتقد منتقدو الاتفاقية، يوضح فشل الاتفاق النووي (المعروف أيضاً باسم خطة العمل المشتركة الشاملة) في تحسين الأمن الإقليمي

• يمكن أن تستخدم الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية لاستهداف برنامج إيران الصاروخي، كما استهدفت من قبل برنامج إيران النووي، على أمل تقويض دعم برنامج الصواريخ والنظام الإيراني نفسه.

•  على الرغم من أن العقوبات الاقتصادية قد لا تقنع إيران بالتخلي عن برنامج الصواريخ الباليستية، فإن مثل هذه العقوبات قد تكون مفيدة في إعاقة تقدم هذا البرنامج.

• اتفاق سيطرة

من الصعب إقرار اتفاق للسيطرة على الأسلحة في الشرق الأوسط، ليس بسبب عدم الثقة الإقليمية، إذ إن هذه الاتفاقات تتم بالفعل بين فرقاء لا توجد بينهم ثقة، بل هو ناجم عن عدم التكافؤ العسكري الإقليمي، وبسبب ما تتصوره واشنطن بأن إيران تمثل طرفاً مهدداً للسلام والأمن لا يمكن السيطرة عليه.

• لم يكن من المستغرب أن يصر الإيرانيون، أثناء المفاوضات بشأن خطة العمل المشتركة الشاملة على أن برنامجهم الصاروخي ينبغي أن يكون خارج طاولة المفاوضات.

والعالمي.

ويبدو أن هؤلاء المنتقدين على حق، وهم يقولون بأن الصواريخ الباليستية الإيرانية تشكل تهديداً للولايات المتحدة وحلفائها ومصالحها في الشرق الأوسط، إلا أنهم أخطأوا بزعمهم أن الاستمرار في برنامج الصواريخ الباليستية يمثل فشلاً لخطة العمل المشتركة الشاملة، حيث إن تجاهل أو انتهاك برنامج العمل المشترك، سيجعل من الصعب على واشنطن وحلفائها معالجة التهديد. ومن شأن الموقف العدواني لإدارة ترامب تجاه طهران أن يعزز شعور القادة الإيرانيين بأن الولايات المتحدة ليست طرفاً موثوقاً به، وأن الصواريخ الباليستية ضرورية لدفاع بلادهم عن نفسها، وبدلاً من مواجهة إيران مباشرة، يجب على الولايات المتحدة أن تتبع نهجاً مختلفاً من أجل الالتزام باستراتيجية خطة العمل المشتركة الشاملة، وأن تتعاون مع إيران والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى بشأن مجموعة أوسع من التحديات الأمنية في الشرق الأوسط. وعندما تكون طهران مقتنعة بضمان أمنها، بغض النظر عن الصواريخ الباليستية، فإنها في هذه الحالة فقط ستجري تغييرات على برنامجها الصاروخي.

تاريخ طويل للوراء

يعود تاريخ إنشاء برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني لفترة طويلة للوراء، فخلال السبعينات وتحت حكم الشاه، أصبح الجيش الإيراني واحداً من أفضل القوات المجهزة تجهيزاً جيداً في العالم، حتى أنه طور بنفسه صواريخه الباليستية قصيرة المدى، إلا أنه بعد الثورة الإسلامية عام 1979، تعرض الجيش لعملية تطهير أيديولوجية وتدمير، نتيجة لبرامج المشتريات والتدريب العشوائية. وخلال الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينات، وهن عظم الإيرانيين في وقت مبكر قبل أن يتحول الموقف بين الدولتين إلى مواجهة دامية بالصواريخ الباليستية التي اطلقتاها على مدن بعضهما بعضاً. في ذلك الوقت كان برنامج الصواريخ العراقي أكثر تقدماً من إيران، لكن الإيرانيين سرعان ما بدأوا في تغيير المعادلة.

وطوال أواخر الثمانينات والتسعينات، طورت إيران مجموعة متنوعة من الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى، وساعدت كوريا الشمالية إيران في الحصول على العديد من أنظمة الصواريخ هذه، ولكنها لم تتمكن بعد من تطوير قدراتها المستقلة. واليوم، تمتلك إيران مجموعة متنوعة من الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، بعضها قادر على إيصال حمولة تبلغ نحو 1200 ميل، وهذه يمكنها حمل رؤوس نووية، على الرغم من أن البرنامج النووي الإيراني النشط قد انتهى في 2003 - 2004، وفقاً لتقييم صادر عن جهاز الاستخبارات الأميركية. ويمكن لإيران أيضاً إطلاق محطات أقمار في مدارها، ولكنها لم تستعرض بعد قدرتها على إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات. كوريا الشمالية، على سبيل المقارنة، يعتقد أنها تمتلك قدرات مثل هذه.

ولا يخفي المسؤولون الإيرانيون عزمهم بشأن مواصلة تطوير أنظمة الصواريخ، ففي سبتمبر، على سبيل المثال، صرح وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف بأن «إيران بحاجة إلى تطوير دفاعاتها الخاصة»، مشيراً الى مبيعات الأسلحة الأميركية لدول المنطقة. ووفقاً للبيانات التي نشرها معهد استوكهولم الدولي لبحوث السلام، استوردت إيران في الفترة من 2000 إلى 2016 ما قيمته نحو 3.4 مليارات دولار من الأسلحة.

ولم يكن من المستغرب إذن أن يصر الإيرانيون أثناء المفاوضات بشأن خطة العمل المشتركة الشاملة على أن برنامجهم الصاروخي ينبغي أن يكون خارج طاولة المفاوضات، وعلى الرغم من هذا الطلب، فإن فريق الولايات المتحدة ظل يصر على صياغة اتفاق كجزء من خطة العمل المشتركة الشاملة بشأن برنامج إيران الصاروخي. وخلال الجزء الأكبر من المفاوضات التي استمرت 18 شهراً، والتي أدت إلى الاتفاق النووي، لم تتخلَ الولايات المتحدة عن اقتراح اتفاقية برنامج باليستي، ولم تتخلَ عن هذا الاقتراح الا عندما بدا لها أن المحادثات ستفضي إلى طريق مسدود، ولم تجد دعماً دولياً في موقفها. ومع ذلك، وكجزء من الصفقة، أصرت الولايات المتحدة على الاحتفاظ بحق فرض عقوبات من مجلس الأمن على برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية لمدة ثماني سنوات في فترة تنفيذ خطة العمل المشتركة الشاملة، وستحافظ على عقوباتها إلى أجل غير مسمى.

خيارات محدودة

إذا أخذنا الخطاب الإيراني حول الدفاع عن النفس مأخذ الجد، فإن العديد من المحللين الأميركيين يجادلون بأن هناك فرقاً بين الأسلحة الدفاعية المحضة والصواريخ الباليستية، التي هي في الواقع هجومية الاستخدام. وعلاوة على ذلك، فإن الصواريخ الباليستية الإيرانية، خلافاً للصواريخ التي تبيعها الولايات المتحدة إلى السعودية، يمكنها أن تحمل رؤوساً حربية نووية، ما يثير الرهانات حول البرنامج النووي الإيراني، خصوصاً إذا كانت طهران ستحصل على صواريخ عابرة للقارات. ومع ذلك، فإن هذه الصواريخ ستشكل تهديداً أقل مع عدم قدرتها على حمل رؤوس حربية نووية. وأثبتت هذه الصواريخ في صيف 2017 فشلها عند إطلاقها ضد تنظيم «داعش» بسبب عدم دقتها وعيوبها. ولكن سيواصل الإيرانيون بلا شك تحسين دقة وأداء صواريخهم، لهذا ربما يكون برنامج الصواريخ الباليستية اليوم أقل خطراً من تدخل إيران الإقليمي، أو عودتها إلى برنامجها النووي للوضع الذي كان سائداً قبل توقيع خطة العمل المشتركة الشاملة.

ولكن يبدو أن الحقيقة ليست هي ما إذا كان لدى إيران مبررات مقنعة للحصول على صواريخ باليستية، أو أن هذه الصواريخ أقل قدرة حالياً مما ترغب فيه إيران، وإنما الحقيقة هي أن طهران تعتقد أن لديها مصلحة في السعي إلى زيادة قدرات صواريخها الباليستية. وفي ظل غياب أي حملة عسكرية اميركية للقضاء على هذا البرنامج، فإن نجاح أي استراتيجية أميركية لحرمان إيران من برنامج الصواريخ الباليستية، تعتمد على قدرة واشنطن على اقناع طهران أنها ستكون – أي ايران - أقل أمناً إذا امتلكت هذه الصواريخ، وستكون أكثر أمناً من دونها.

ويمكن للولايات المتحدة أن تفعل ذلك من الناحية النظرية، إذا كان في مقدورها اقناع إيران بأن برنامجها الصاروخي، وليس الاتفاق النووي، هو الذي يجعلها معادية لأميركا. لكن كما ذكر ترامب في 13 أكتوبر، فإن لدى الولايات المتحدة عدداً من المخاوف في ما يتعلق بإيران، بما في ذلك رعايتها للإرهاب، ومضايقة السفن الأميركية، واعتقال الأميركيين بتهم كاذبة، والهجمات السيبرانية، وليس من الواضح ما إذا كان غياب برنامج صاروخي إيراني سيخفف من هذه المخاوف. وفي الواقع، فإن لدى واشنطن قائمة لا حصر لها تقريباً من المطالب من إيران، ومن وجهة نظر طهران، فإن رفض ترامب التصديق على خطة العمل المشتركة الشاملة يدل على أن واشنطن، حتى ولو أبرمت اتفاقية مع إيران بشأن الصواريخ الباليستية، فستتخذ اياً من هذه القضايا مبرراً للتراجع عن التزاماتها في المستقبل.

يمكن أن تستخدم الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية لاستهداف برنامج إيران الصاروخي كما استهدفت من قبل برنامج إيران النووي، على أمل تقويض دعم برنامج الصواريخ والنظام الإيراني نفسه، ولكن خلافاً للبرنامج النووي الذي ظل القادة الإيرانيون يزعمون دائماً أنه للأغراض السلمية، فإن برنامج صواريخ إيران يقع في صميم الاستراتيجية الأمنية للبلاد، ويتطلب العمل على تحويل الشعب الإيراني ضد هذا البرنامج إقناعهم بأن التخلي عن البرنامج سيجعل بلادهم أكثر أمناً. ولكن بالنسبة إلى الإيرانيين الذين شاهدوا خطة العمل المشتركة الشاملة وهي تتآكل في عام 2017، فمن غير المرجح أن تكون هذه الحجة مقنعة لهم.

سياسة الجزرة والعصا

من أجل حل هذه المشكلة، يجب على الولايات المتحدة أن تتفاوض بشأن صواريخ إيران الباليستية، وأن تكون الاستراتيجية الأميركية في هذا الخصوص ذات شقين: أولاً، يجب على واشنطن اتخاذ تدابير، مثل العقوبات الاقتصادية المستهدفة، لإبطاء وعرقلة تقدم برنامج الصواريخ الإيرانية، وثانياً، ينبغي أن تسعى إلى التفاوض على اتفاق مع إيران من شأنه أن يسهل السيطرة على التسلح.

وعلى الرغم من أن العقوبات الاقتصادية قد لا تقنع إيران بالتخلي عن برنامج الصواريخ الباليستية، فإن مثل هذه العقوبات قد تكون مفيدة في إعاقة تقدم هذا البرنامج، حيث إن التدابير التي قد تحد من قدرة طهران على شراء مكونات الصواريخ، يمكن أن تجعل من الصعب، إن لم يكن مستحيلاً، على طهران تحقيق مزيد من التقدم، وقد تكون لهذه العقوبات قيمة أمنية مباشرة، بمعنى حصول إيران على صواريخ أقل فعالية ما يجعلها أقل تهديداً. وأيضاً ستستنتج إيران من هذا الوضع أن تطوير الصواريخ المتقدمة سيكون مكلفاً ومعقداً للغاية.

ينبغي للولايات المتحدة إقناع إيران بأن أمنها يتعزز فقط من خلال برنامج اقليمي للسيطرة على التسلح. فإذا كان صحيحاً أن برنامجها الصاروخي مخصص للردع، فإن إيران ستكون مستعدة لترتيب من شأنه أن يحد من سباق التسلح المتسارع في الشرق الأوسط، وقد تبدأ مثل هذه الترتيبات بمناقشة مدى الصواريخ، ووزن الرؤوس الحربية التي تحملها، وهذا من شأنه أن يحد من حجم التدمير المتوقع لبرنامج إيران الصاروخي، ويجعل أميركا على اطلاع ببرنامج الرؤوس الحربية الإيرانية المستقبلي. وفي الواقع نجد أن التصريحات الإيرانية التي مفادها أن المرشد الأعلى، علي خامنئي قد حدد بالفعل مدى الصواريخ الإيرانية بمسافة 1200 ميل تقريباً، يمكن أن تشير إلى قدر من المرونة على الأقل لمناقشة هذا المفهوم. ويمكن أن تشمل الصفقة المحتملة أيضاً حداً أدنى للصواريخ في المنطقة، مع التحقق من الامتثال من جانب الولايات المتحدة خلال زيارات تتسم بالشفافية شبيهة بالمتبعة في ترتيبات الحد من التسلح بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا.

• محلل سياسي

تويتر