الغرب يميل إلى سياسة «احتواء التصعيد»

الأزمات الإقليمية أكثر ارتباطاً بالاتفاق النووي الإيراني

صورة

تبدي مجموعة من القوى الدولية المعنية بالاتفاق النووي مع إيران، مثل الاتحاد الأوروبي وبعض الدول، على غرار ألمانيا وفرنسا، مخاوف عدة إزاء المسارات المحتملة لهذا الاتفاق، بعد مرور أكثر من عامين على التوصل إليه في منتصف يوليو 2015، إذ ترى أن الخلافات المتصاعدة والانتقادات المتبادلة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي عقدت أخيراً، توحي بأن العمل بهذا الاتفاق، خلال المرحلة المقبلة، سيواجه عقبات عدة، قد تؤدي في النهاية إلى انهياره، ومن ثم العودة من جديد إلى المربع الأول لأزمة الملف النووي الإيراني، التي فرضت توترات حادة في المنطقة خلال الفترة السابقة على إجراء المفاوضات، التي مهدت لهذه الصفقة.

ومن هنا، بدأت هذه القوى في محاولة تقليص حدة تلك الخلافات، وتقريب وجهات النظر بين واشنطن وطهران. وقد كان لافتاً في هذا السياق أنها لم تركز فقط على الجوانب الفنية الخاصة بالاتفاق النووي، التي تمثل محوراً رئيسياً في هذه الخلافات، على غرار التجارب الخاصة بالصواريخ الباليستية التي تواصل إيران إجراءها، رغم التنديدات الدولية المتكررة، والقيود التي سترفع عن إيران بعد مرور 10 أعوام من التوصل للاتفاق، بل إنها بدأت أيضاً في إلقاء الضوء على الجوانب السياسية والأمنية المرتبطة بالاتفاق، والخاصة بالأدوار التي تلعبها إيران على الساحة الإقليمية، والتي أدت إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، ودعم التنظيمات الإرهابية.

قلق متزايد

• يوجه بعض المسؤولين الأميركيين اتهامات مستمرة لإيران بـ(انتهاك روح الاتفاق)، رغم إقرارهم في الوقت نفسه بأنها ملتزمة بالبنود الخاصة بالجوانب الفنية في الاتفاق، على غرار مستوى تخصيب اليورانيوم، وعدد ونوعية أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم في عمليات التخصيب.

عقبات عدة

يواجه الاتجاه الداعي إلى الانفتاح «غير النووي» على إيران عقبات رئيسة ثلاث:

أولاها، أن إيران نفسها سترفض ذلك، باعتبار أن القيادة العليا في النظام الإيراني، ممثلة في المرشد الأعلى للجمهورية، علي خامنئي، ستستند إلى السياسة الأميركية تجاه الاتفاق النووي، لتأكيد عدم جدوى الدخول في مفاوضات جديدة مع القوى الدولية، ولو كان الرئيس حسن روحاني وتيار المعتدلين يؤيدون ذلك.

والثانية، أن طهران لم تثبت فعلياً أنها طرف قادر على الانخراط في التزامات دولية صارمة، وهو ما بدا جلياً في تعمدها انتهاك بنود الاتفاق، واستغلال بعض الصياغات الغامضة التي يتضمنها، على غرار البند الخاص بعدم إجراء أنشطة مرتبطة بتطوير الصواريخ الباليستية المصممة لحمل أسلحة نووية، حيث تحرص إيران بشكل مستمر على إجراء تجارب متواصلة على تلك النوعية من الصواريخ. وثالثتها، أن بعض الدول الأوروبية باتت ترى أن الدور الإقليمي الإيراني يمثل مشكلة فعلاً تواجه الاتفاق، بشكل يفرض ضرورة تسويتها من أجل ضمان استمرار العمل بهذا الاتفاق، وهو ما أكد عليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بقوله، في 21 سبتمبر الماضي، إن «التطورات الإقليمية والضغوط التي تمارسها إيران في المنطقة تشير إلى أن الاتفاق النووي ليس كافياً».

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن الاتفاق النووي بات يواجه اختباراً صعباً، سواء بسبب انتهاكات إيران المستمرة له، أو بسبب تقارب السياسات تدريجياً بين بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية تجاه التداعيات السلبية التي تفرضها الأدوار التي تقوم بها إيران على الساحة الإقليمية.

هذا التركيز على الجوانب السياسية والأمنية المرتبطة بالاتفاق يعود إلى تزايد اهتمام تلك الدول بالسياسة التي تتبعها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تقوم على الربط بين الاتفاق النووي والدور الذي تقوم به إيران على الساحة الإقليمية، إذ ترى الأخيرة أن أحد الأهداف التي كان يفترض أن تتحقق من خلال الاتفاق النووي، يتمثل في تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط، باعتبار أن هذا الاتفاق يجنب المنطقة احتمالات نشوب مواجهة عسكرية جديدة، ستفرض تداعيات سلبية عدة على مصالح وأمن دولها، كما يعفيها من الدخول في سباق تسلح نووي.

إلا أن الخطوات التي اتخذتها إيران بعد الوصول إليه أنتجت في النهاية تداعيات عكسية، حيث أدت، وفقًا للرؤية الأميركية، إلى تصاعد حدة التوتر في المنطقة، وعرقلة الجهود التي بذلتها أطراف عدة للوصول إلى تسويات سياسية للأزمات الإقليمية المختلفة، خصوصاً أنها حرصت على استغلال الأموال المجمدة في الخارج، التي حصلت على قسم منها بعد إبرام الصفقة النووية، في توسيع نطاق الأنشطة التي يقوم بها «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري، والمسؤول عن العمليات الخارجية.

لذا، يوجه بعض المسؤولين الأميركيين اتهامات مستمرة لإيران بـ«انتهاك روح الاتفاق»، رغم إقرارهم في الوقت نفسه بأنها ملتزمة بالبنود الخاصة بالجوانب الفنية في الاتفاق، على غرار مستوى تخصيب اليورانيوم، وعدد ونوعية أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم في عمليات التخصيب، فضلاً عن كمية المياه الثقيلة التي تبقيها إيران داخل حدودها، وفقاً للإطار الذي يسمح به الاتفاق.

ففي هذا السياق، قال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، في 21 سبتمبر المنقضي، إن «الاتفاق يطبق من الناحية التقنية، لكن تبعاته السياسية غير مقبولة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية».

تباين ملحوظ

ورغم أن هذه القوى لا تختلف في مواقفها عن تلك الرؤية التي تتبناها الإدارة الأميركية، إلا أنها تحاول في الوقت نفسه تحييد التداعيات السلبية للأدوار التي تقوم بها إيران على الاتفاق النووي.

ففي هذا الإطار، قال وزير الخارجية الألماني، سيغمار غابرييل، في 20 سبتمبر المنقضي، إنه «يتفق مع المسؤولين الأميركيين بشأن عدم تغير سلوك إيران في الشرق الأوسط بعد إبرام الاتفاق، وهي مسألة تتطلب الاهتمام، لكنها ليست جزءاً من الاتفاق».

وربما يمكن القول إن هذا الملف تحديداً كان أحد محاور المحادثات التي أجريت بين وزراء خارجية إيران ومجموعة «5+1»، برعاية منسقة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في 21 سبتمبر المنقضي.

فقد كان لافتا أن موغيريني حرصت على تأكيد أن «هناك موضوعات أخرى خارج نطاق الاتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران»، مضيفة أن «أزمتي اليمن وسورية يمكن مناقشتهما في إطار منفصل».

دلالتان رئيستان

هذا الاتجاه الذي ظهر في الفترة الأخيرة يطرح دلالتين: تتمثل الأولى في أن بعض القوى الدولية باتت ترى أن السياسة التي تتبعها إيران على الساحة الإقليمية أسهمت بالفعل في زعزعة الاستقرار في المنطقة، ودعمت تمدد التنظيمات الإرهابية في بعض المناطق داخل دول الأزمات، لكنها تبدي تخوفات في الوقت نفسه من أن حرص الولايات المتحدة الأميركية على الربط بين هذه السياسة وبين الاتفاق النووي، قد ينتج تداعيات سلبية على الأخير، بشكل قد يؤدي إلى توقف العمل به في النهاية.

وتنصرف الثانية إلى أن ثمة اتجاهاً داخل بعض تلك الدول، يرى أنه يمكن الوصول إلى تفاهمات مع إيران حول تلك الملفات الإقليمية بشكل قد يساعد في تحصين الاتفاق النووي، ضد أية تأثيرات سلبية قد تفرضها الأدوار التي تقوم بها إيران في تلك الملفات. وقد عبر العديد من مراكز الأبحاث الغربية عن هذا الاتجاه، من خلال التأكيد على أهمية الانخراط في محادثات جديدة غير نووية مع إيران، بدلاً من الدخول في مواجهة معها.

تويتر