مجموعات الضغط القوية دفعت الحكومات المتعاقبة لتأييد مواقف تل أبيب

الكنديون يختلفون مع حكومتهم في ما يتعلق بإسرائيل

صورة

بينما يتجه مستقبل اليهود والفلسطينيين في إسرائيل بصورة مباشرة ومحتومة نحو نظام «أبارتهايد»، يكون فيه الفلسطينيون هم الأقلية المضطهدة، يحرم الكنديون من حقهم الأساسي في أي نظام ديمقراطي، وهو الحق في النقاش الصريح والصادق حول واحدة من أهم القضايا التي تواجه المجتمع الدولي، المتمثلة في الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي للأراضي الفلسطينية، والقمع الوحشي لحقوق الإنسان الفلسطيني.

لا أحد يجرؤ على الكلام

أي سياسي أو حزب سياسي يجرؤ على توجيه انتقادات إلى إسرائيل، يمكنه توقع سيل غزير من الاتهامات، ستضطره إلى الدفاع عن نفسه، مهما كانت سخيفة، وربما تجعل البعض من هؤلاء السياسيين في وضع محرج. وأحد هذه الأمثلة على ذلك، الهجوم الذي قام به مركز «باني بيرث كندا»، على مسؤول من حزب الخضر، هو ديميتر لاسكاريس، حيث اتهمه بأنه «يدافع عن الإرهابيين»، وكان الموضوع الذي دافع عنه لاسكاريس هو عن تأييد حزب الخضر لحملة مقاطعة إسرائيل، وعدم الاستثمار فيها.

والمشكلة لا تكمن في أن الكنديين لا يكترثون، أو أنهم لا يحاولون إبلاغ أنفسهم بالحقيقة، لكن تكمن في أن وسائل الإعلام الكندية والحكومات الفيدرالية لا ترغب في الحديث مطلقاً عن الموضوع، وبناء عليه فإننا نخون كلاً من الفلسطينيين والإسرائيليين، عن طريق تركهم ينزلقون إلى مستقبل من العنف.

وأظهرت الحكومات في أوتاوا خلال العقود الأربعة الماضية جبناً مريعاً، عندما تعلق الأمر بالقيام بأي عمل فعال من أجل الترويج للسلام في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن كندا ملتزمة على الورق «بحل الدولتين»، إلا أن فشلنا المطلق باتخاذ خطوات عملية يعني أن هذا الحل وصل إلى حافة الخطر. وأحدث جنون توصلت إليه الحكومة الإسرائيلية التي يترأسها بنيامين نتنياهو، هو قانون «الاستيلاء على الأراضي» كما هو معروف بإسرائيل. وهو يمنح الدولة السلطة «لشرعنة» البؤر الاستيطانية غير الشرعية بأثر رجعي، ويمكن أن يستخدم لضم الضفة الغربية، وإذا تم العمل به، فإنه سينطوي على نتائج كارثية.

وهذا على الأقل هو رأي معظم المعلقين في إسرائيل، وفي أوروبا ومعظم حكومات الاتحاد الأوروبي، وحتى ألمانيا. وأما في كندا، فإن أفضل ما يمكن القيام به هو نشر تعليق على القانون بعد خمسة أيام من صدوره، للإعراب عن القلق ووصفه بأنه «غير مفيد»، وأنه مثير للشفقة وغير مسؤول.

وهذا ليس بجديد، لكننا يمكن أن نقول ونحن على ثقة، شيئاً لم نكن نستطيع قوله إلا قبل خمسة أيام، بعد نشر استطلاع للرأي العام، الذي أجرته منظمة «إيكوس آند أسوشييتز» يستكشف مواقف الكنديين نحو إسرائيل، وسياسة الحكومة الكندية. وأشرف على الإحصاء ائتلاف من المنظمات والأشخاص «بمن فيهم أنا».

ويعتبر هذا الإحصاء في غاية الأهمية، لأن سياسة الحكومة الكندية المؤيدة لإسرائيل دائماً (المحافظة منها والليبرالية) مبنية على أساس افتراضات غير مجربة حول المواقف الكندية. وتقضي الحكمة التقليدية، التي تروج لها الحكومة، واللوبي الإسرائيلي، والعديد من وسائل الإعلام، بأن الكنديين متعاطفين بصورة شاملة مع إسرائيل.

وهذه الحكمة سهلة القول، لكنها ليست حقيقية، إذ إن 46% من الذين شملهم الاستطلاع عبروا عن وجهة نظر سلبية إزاء إسرائيل، في حين أن 28% عبروا عن وجهة نظر إيجابية. ولم يعبر 26% منهم عن أي وجهة نظر. أما في ما يتعلق بالأسئلة الموجودة في الاستطلاع، فإنها كانت تشير إلى أن النتائج تتغير استناداً إلى الحزب المفضل. وكان مؤيدو الحزب المحافظ متطرفين في دعمهم لإسرائيل، حيث حمل 58% منهم وجهات نظر إيجابية إزاءها. وأما معدل وجهات نظر مؤيدي الأحزاب الأربعة الأخرى في كندا، فقد كانت على التوالي 11% منهم يحملون وجهات نظر إيجابية إزاء إسرائيل، في حين أن 63% منهم يحملون وجهات نظر سلبية.

وعندما سئلوا عما اذا كانوا يعتقدون بأن الحكومة الكندية منحازة نحو إسرائيل أو الفلسطينيين قال 61% منهم إنها منحازة إلى إسرائيل، في حين قال 16% منهم إنها منحازة إلى الفلسطينيين. وقال 23% منهم إنه ليس هناك أي تحيز مع أحد. ومرة أخرى عندما نضع أنصار الحزب المحافظ جانباً فإن 74% من أنصار الأحزاب الأخرى يرون أن الحكومة الكندية منحازة إلى إسرائيل، في حين قال 9% منهم إن الحكومة منحازة إلى الفلسطينيين.

وبوجود أنصار أحزاب مثل الليبراليين، والحزب الديمقراطي الجديد، وبلوك، وحزب الخضر، منفتحين على التغيير في سياسة الحكومة نحو إحقاق الحق للفلسطينيين، ما الذي يخشاه هؤلاء من الإعلان عن ذلك صراحة؟ الجواب عن ذلك سهل وبسيط: إسرائيل تتمتع بالكثير من مجموعات الضغط التي تمتلك تمويلاً جيداً في كندا، وهي مستعدة للتحرك فوراً والقيام بحملات شخصية ضد أي انتقاد لإسرائيل. وتمتلك منظمات مثل «باني بيرث كندا»، و«مركز من أجل إسرائيل والقضايا اليهودية»، و«الكونغرس العالمي الصهيوني»، ومراكز أخرى تتمتع بنفوذ هائل على السياسيين، وموظفي الحكومة، والجامعات، ووسائل الإعلام.

ويتميز «مركز إسرائيل والقضايا اليهودية» بموارد كبيرة جداً، إذ يحوي 50 موظفاً موزعين في شتى أنحاء الدولة، ولديهم أموال طائلة، يستطيعون من خلالها مراقبة وسائل الإعلام، ويشيطنون أي شخص يجرؤ على انتقاد إسرائيل، ويروج سياسات سياسيين مؤيدين لهم ولمستشاريهم، ويقدمون جولات مجانية إلى إسرائيل لكبار قادة الرأي في كندا. وتقوم جميع منظمات الضغط هذه المنافحة عن إسرائيل بالهدف ذاته، وهو الخطاب الكاذب الذي مفاده أن إسرائيل دولة ديمقراطية، وأن حملة مقاطعة إسرائيل ومنع الاستثمار فيها، تهدف إلى تدمير إسرائيل، وربما أن أكثر التهديدات المرعبة والعدوانية التي تواجه كل من ينتقد إسرائيل هي اتهامه بأنه «معادٍ للسامية».

وأحد الاكتشافات الأكثر تشجيعاً في الاستطلاع الجديد، هي حقيقة أن غالبية كبيرة من الكنديين ترفض الآن هذه النظرية عن إسرائيل. وعندما سئل المشاركون في الاستطلاع عما إذا كان «انتقاد إسرائيل يعتبر بالضرورة معاداة للسامية» قال 91% منهم إن ذلك غير صحيح. وإذا وضعنا أنصار الحزب المحافظ جانباً فإن النسبة السابقة تصبح 98%. وعلى الرغم من أن عينة اليهود التي شاركت كانت صغيرة، إلا أن 78% رفضوا هذه الفكرة.

وتعتمد صدقية منظمة «مركز إسرائيل والقضايا اليهودية» مع السياسيين ووسائل الإعلام على زعمها غير الصحيح مطلقاً بأنها تتحدث باسم اليهود الكنديين. ويشير هذا الاستطلاع، على الأقل، كيف أن هذه المزاعم أصبحت في وضع مهزوز. وبناء عليه ليس من المستغرب أن «مركز إسرائيل والقضايا اليهودية»، ومع كل موارده وأمواله، لم ينفذ (أو على الأقل يصدر بياناً) استطلاع رأي حول مواقف اليهود الكنديين إزاء الحكومة الإسرائيلية، أو إزاء سياسة كندا في الشرق الأوسط.

ولكن ما الذي يخيفهم؟ يقدم الاستطلاع الذي أجريناه الجواب الصريح على ذلك، إذ إن أي استطلاع للرأي سيكشف الانقسام العميق في المجتمع اليهودي، في ما يتعلق بإسرائيل، الأمر الذي من شأنه أن يقوض نفوذ «مركز إسرائيل والقضايا اليهودية».

وفي هذه الأثناء، فإن حزبي الليبراليين والديمقراطي الجديد، سيتغلبان على مخاوفهما التي ليس لها أساس، من منظمات الضغط اليهودية، ويبدأان الاستماع إلى ناخبيهم. وكان حزب الخضر قد نشر نتائج استطلاع بين أعضائه حول قضية حل الدولتين بين الفلسطينيين وإسرائيل، وأيد 90% منهم «إجراءات للضغط على الحكومة الإسرائيلية كي تحافظ على حل الدولتين» وبعبارة أخرى، أن تفرض الحكومة عقوبات على إسرائيل. والآن هل يستطيع الحزب الديمقراطي استطلاع آراء أعضائه ويغير سياساته.

موراي دوبين (كاتب كندي)

تويتر