الصين تتبنّى الحياد مع الإسرائيليين والفلسطينيين لضمان مصالحها في المنطقة

تعتبر بكين إسرائيل دولة مهمة في منطقة الشرق الأوسط، نظراً لموقعها الجغرافي الفريد ونظامها السياسي والاجتماعي المستقر، فضلاً عن امتلاكها تكنولوجيا متقدمة ذات أهمية حيوية للاقتصاد الصيني. وفي الوقت نفسه، ونظراً لأهمية الظهور في صورة جيدة أمام المجتمع الدولي، خصوصاً الدول العربية، تدعم بكين الجهود الفلسطينية من أجل الاستقلال وإقامة دولة ذات سيادة. وكلما اشتد التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يتعين على الصين أن تتوخى الحذر الشديد لتجنب الإساءة إلى أي من الجانبين.

دعم صوري

نجحت الدبلوماسية الإسرائيلية في كسب المسؤولين الصينيين، على الرغم من بعض الخلافات التي نشبت من وقت لآخر بسبب الدعم الصيني الصوري للقضية الفلسطينية. ويقول السفير الصيني إلى إسرائيل، جوان يونغ شين، إن العلاقات بين البلدين تشهد تعاوناً في العديد من المجالات، ويتوقع أن تشهد ازدهاراً في المستقبل. في المقابل، يقول مسؤولون في تل أبيب، إن وصول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، سيلقي بظلاله على العلاقات مع التنين الأصفر.

الصين ليست بديلاً

مع أن الصين ليست حليفة لإسرائيل، لكنها تحاول المحافظة على علاقات جيدة مع مختلف أطراف المنطقة، دون أن تظهر تقارباً واضحاً مع تل أبيب، قد يفسره الفلسطينيون والعرب بأنه على حسابهم. وبالنسبة لإسرائيل، فالصين ليست بديلاً للولايات المتحدة، سواء بتأثير يهود أميركا على صنع القرار لصالح إسرائيل، أو منحها غطاءً سياسياً وعسكرياً، والمصالح المتبادلة اليوم بين الدولتين هي تنمية العلاقات الاقتصادية والثقافية، والحفاظ على الاستقرار في المنطقة والعالم، ومحاربة التطرف.

 1992

كان العام الذي شهد تطبيعاً دبلوماسياً بين الصين وإسرائيل وذلك عقب تقدم المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وفي حادثة وقعت، أخيراً، هزت الرأي العام الصيني، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، نيته خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع الصين وغيرها من الدول، التي دعمت قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334، الذي دان بناء المستوطنات الإسرائيلية في «الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية».

كدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وافقت الصين على القرار، الذي انتقد بشدة من قبل كل من الحكومة الإسرائيلية، والعديد من المحللين والخبراء السياسيين في تل أبيب.

وكان المأخذ الرئيس على القرار أنه «غير متوازن» وفقاً للإسرائيليين، ولم يميز بين الجدار الفاصل والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. ويعتقد كثير من الاسرائيليين أن القرار الأممي هو بمثابة مكافأة لجهود الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لممارسة ضغط دولي على إسرائيل، وبالتالي جعل عباس أقل استعداداً للمشاركة في محادثات مباشرة مع الدولة العبرية.

خيبة أمل

السفارة الإسرائيلية في الصين، حيث وصل السفير الجديد بداية العام الجاري، سارعت إلى طمأنة وسائل الاعلام الصينية بأن التعاون بين الصين وإسرائيل لن يتأثر بقرارات نتنياهو.

على الرغم من هذا، شعر الصينيون بخيبة أمل من تصريحات الأخير. ولفترة طويلة، كان الرأي العام في الصين ينظر إلى إسرائيل على أنها «شريك موثوق به»، نشأت معه صداقة تاريخية.

وهناك انطباع عام في الصين أن الخطوات التي اتخذها الشعب الصيني في شنغهاي لمساعدة المهاجرين اليهود من ألمانيا في الثلاثينات، يذكرها كل إسرائيلي إلى الآن. ووصفت بعض المقالات الصحافية إسرائيل بأنها «الصديق الوحيد الموثوق للصين».

إذا تركنا هذا الثناء جانباً، نجد أن تصورات الصينيين حول إسرائيل مختلطة ومعقدة، فمن جهة، يعتبرون إسرائيل صديقاً حميماً للولايات المتحدة، وحتى «دولة تابعة» لواشنطن، في ما يتعلق بسياسات الشرق الأوسط. وقد عرقلت العلاقة الخاصة بين واشنطن وتل أبيب، تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الصين واسرائيل حتى عام 1992.

ومن ناحية أخرى، خصوصاً خلال السنوات الأخيرة، تعتبر الصين إسرائيل مصدراً موثوقاً به، على نحو متزايد، للتعاون الاقتصادي والتكنولوجي، على الرغم من ان بعض المسلمين الصينيين المحافظين لديهم اعتراضات خاصة، كما تعتبر الصين إسرائيل جسراً مهماً للمساعدة في ربط الصين بالدول الغربية.

عوامل جذب

أسهمت مبادرة الرئيس الصيني، زي جين بينغ، التي أطلق عليها «حزام واحد، طريق واحد»، في تعزيز التعاون بين الصين واسرائيل. ويرى الصينيون أن إسرائيل تتمتع بسمعة «البلد المنطلق»، وهي بمثابة نموذج للتحول الاقتصادي، وعندما يتعلق الأمر بمشروعات البنية التحتية في منطقة الشرق الأوسط، فإن البيئة الاقتصادية والاجتماعية المستقرة، يراها الصينيون عوامل جذب لشركات البناء.

وفي الوقت نفسه، تلقى المواقع الدينية في إسرائيل اهتماماً من قبل السياح الصينيين.

وقد تم توقيع صفقات واتفاقات عدة بين البلدين، ومن المقرر أن يزور الصين عدد كبير من رجال الأعمال الاسرائيليين في الأشهر الأولى من 2017.

ومع ذلك، لاتزال هناك عوامل تحدّ من توثيق العلاقات بين الصين وإسرائيل. من ناحية، يتعين على الصين أن تأخذ مخاوف الفلسطينيين في عين الاعتبار. ويذكر أن تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الصين وإسرائيل، لم يتم إلى أن تقدمت المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين بشكل ملحوظ، في 1992.

وكقوة ذات أهمية متزايدة، تفتقر الصين إلى وجود عسكري مباشر، في الشرق الأوسط، لذا فهي تحتاج إلى «قوة ناعمة» في الدول العربية. وعندما قامت الحكومة الإسرائيلية، التي يقودها الائتلاف اليميني، بتأجيل مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، بينما يتم توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية دون توقف، وقفت بكين للدفاع عن الفلسطينيين للحفاظ على صورة جيدة أمام دول عربية وإسلامية تقع على «الحزام الواحد والطريق الواحد».

نفوذ متنامٍ

من ناحية أخرى، وعلى الرغم من أن إسرائيل تدرك أهمية نفوذ الصين المتنامي في منطقة الشرق الأوسط، وزيادة الفرص الاقتصادية التي يوفرها هذا النفوذ، فإن معظم الإسرائيليين لا يعرفون سوى القليل عن هذا البلد الكبير.

وبينما ينظر كثير من الصينيين إلى شنغهاي باعتبارها رمزاً لـ«الصداقة الصينية اليهودية»، نظراً لحقيقة أن المدينة وفرت الملاذ الآمن لكثير من اليهود الألمان خلال الحرب العالمية الثانية، إلا أنه على المدى البعيد، لعبت المدينة دوراً هامشياً في التاريخ اليهودي والإسرائيلي.

وفي الوقت نفسه، تتأثر إسرائيل بشدة، وتؤثر أيضاً، بالولايات المتحدة وأوروبا، في حين لاتزال بكين لاعباً صغيراً على المستوى الدولي. معظم الخبراء السياسيين الإسرائيليين لا يفهمون أو يثقون بالصين، معبرين عن قلقهم من أن يؤدي نمو الصين إلى إحداث خلل في النظام الدولي الحالي، الذي يرتكز على الولايات المتحدة وأوروبا، وبالتالي يهدد بقاء دولة إسرائيل، ويضع مصالحها القومية في خطر.

وبالنسبة للصين، فإن المصالح البراغماتية لمبادرة «حزام واحد، طريق واحد» تقتضي تعاوناً أوثق مع إسرائيل.

ومع ذلك، فإن حاجة الصين لتعزيز «قوتها الناعمة» في الدول العربية، تدفع أيضاً، نحو دعم الفلسطينيين في الساحة الدولية. ونظراً للعلاقة المتوترة دائماً وغير القابلة للحل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تحتاج الصين الى الحفاظ على دورها «المحايد»، بحذر، وتجنب الدعم المفرط لأيٍّ من الجانبين.

وانغ تشين باحث صيني في مجال العلوم السياسية.

الأكثر مشاركة