ثوار الجنوب لم يحرزوا أي تقدم بسبب تراجع الدعم. أرشيفية

سقوط حلب يضع الجبهة الجنـــوبية في خطر

قد تصبح المعارضة السورية في خطر مع استمرار النظام السوري الذي تدعمه روسيا في تحقيق مكاسب على الأرض. فطوال ثلاث سنوات، نشط نحو 30 ألف مقاتل في الجنوب السوري، بدعم من تحالف يضم الولايات المتحدة ودولاً في المنطقة. وعرفت 57 مجموعة في الجبهة الجنوبية بتنظيمها الجيد وفعاليتها القتالية، إلا أنه في منتصف العام الماضي، خفضت البلدان الداعمة تمويلها، فيما انشغلت الولايات المتحدة بقتال تنظيم «داعش»، وكانت النتيجة حالة من الجمود في الجنوب، بسبب عدم قدرة الثوار على التقدم، مع انشغال نظام الأسد في الشمال باستعادة مدينة حلب، لكن غارات جراحية قام بها النظام في يناير الماضي، بدعم من سلاح الجو الروسي، أعطت شعوراً لما يمكن أن يحدث إذا حولت قوات بشار الأسد اهتمامها جنوباً، فسقوط بلدة «الشيخ مسكين» الاستراتيجية، وانقطاع خطوط إمداد الثوار، مثال على ذلك.

معركة حلب هي أكثر من مجرد الاستيلاء على مدينة استراتيجية مهمة للغاية، إنها ستبين ما إذا كان جيش الأسد قادراً على التوجه جنوباً، ولو فعل ذلك، يمكن للحرب أن تتغير بشكل كبير. وستكون الجبهة الجنوبية أمام أسئلة حساسة، أهمها حول الحدود الجنوبية مع الأردن وإسرائيل، كما يمكن للصراع أن يتسع ليأخذ طابعاً دولياً بشكل أو بآخر مع دخول مجموعة جديدة من اللاعبين.

ويرى الضابط السابق في سلاح الجو السوري، عبدالهادي ساري، أنه «إذا سقطت حلب وتركنا هنا لوحدنا، فإن النظام سيعيد احتلال الجنوب، وسنخسر كل شيء»، ويضيف العضو في المجلس العسكري في درعا «ذلك سيكون عندما تبدأ الأزمة الحقيقية».

تعقيد كبير

الدعم الأميركي

يعتبر دعم الولايات المتحدة ضرورياً لمساندة توجيه ضربات عسكرية إسرائيلية أو أردنية، محتملة، على نطاق أوسع، إضافة إلى إنشاء منطقة آمنة أو حظر الطيران في الجنوب، أو أي مقاومة للمناورات الروسية. ويقول مسؤولون في المنطقة إنهم سيعملون من تلقاء أنفسهم لو اضطروا لذلك.

ويؤكدون أن الحكومات هناك تعمل من دون قيادة من الولايات المتحدة، كما تشعر البلدان المجاورة بالعجز أحياناً، لكنها ستتخذ الإجراءات المناسبة في حال تعرض استقرارها وأمنها للتهديد.

منذ خمس سنوات، كانت الجبهة الجنوبية في الصراع السوري الأكثر هدوءاً، لكن مسؤولين وخبراء يحذرون من أنه يمكن أن تصبح الأكثر تعقيداً، في جزء كبير، بسبب المتغيرات على طول الحدود الجنوبية لسورية. فعلى سبيل المثال، استنفرت الأردن جميع القوات، لأن حدودها «خط أحمر». وتعتبر الحكومة الأردنية تدفق اللاجئين باتجاه المملكة أو قرب القتال من الحدود عملاً عدائياً. ولتأكيد هذا الاتجاه، استخدم الأردن الصواريخ لمهاجمة المركبات والدبابات والمجموعات التي تقترب من حدوده. ويؤكد الأردن عزمه على منع امتداد القتال إلى أراضيه، وأيضاً مواجهة احتمال هروب الآلاف من المقاتلين، وأعداد كبيرة منهم أردنيون، إلى المملكة تحت ستار اللاجئين.

أما إسرائيل، فتعتبر التهديد الأكبر في هذا الصراع هو «حزب الله» اللبناني، حيث نشرت الميليشيات اللبنانية، التي تخوض حرباً مع إسرائيل منذ سنوات، أكثر من 2000 مقاتل على دفعات في الجنوب السوري، لمساعدة نظام بشار الأسد في الهجمات المضادة ضد جبهة فتح الشام المسلحة القوية، وكذلك فصائل الجبهة الجنوبية.

لكن تل أبيب ترى أن الميليشيات اللبنانية تقوم بأكثر من مساعدة النظام السوري، فهي تسعى لفتح جبهة جديدة في حربها ضد إسرائيل. وفي ذلك يقول الأستاذ في جامعة تل أبيب، إيتمار رابينوفيتش «من الواضح أن الميليشيات ومن يدعمها يرغبون في تعزيز خط المواجهة مع إسرائيل، انطلاقاً من لبنان على طول الطريق إلى الجولان»، ويضيف المفاوض الإسرائيلي السابق مع سورية «إسرائيل عازمة على منع هذا الأمر». ويرى المراقبون للوضع في الشرق الأوسط أن شبكة المصالح الدولية المعقدة في جنوب سورية قد تفضي إلى برميل بارود حقيقي.

أما الخبير في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أندرو تابلر، فيرى أنه توجد في الجنوب مصلحة إسرائيلية وأردنية ضد مجموعة من المصالح السورية، التي لم تعد من الممكن اعتبارها بلداً واحداً. ويبدو الشمال معقداً أيضاً، لكن في الجنوب هناك مقاومة أكثر من قبل إسرائيل والأردن ضد التنظيمات التي تدعمها إيران.

تبادل المعلومات

بعد عودة روسيا إلى الساحة الدولية بقوة، وظهورها كلاعب رئيس في سورية، كان لابد أن يصل كل من الأردن وإسرائيل سريعاً إلى موسكو. وتقول التقارير إن السلطات الأردنية أنشأت مركز تبادل معلومات مع الروس، لمنع أي خلل في الاتصالات، لتجنب الحوادث بين الطائرات المقاتلة الروسية وقوات الحدود الأردنية. ويتضمن ترتيب مماثل بين إسرائيل وروسيا «خطاً مباشراً» بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومع ذلك، لاتزال مشاعر عدم الثقة قائمة.

الأنظمة الصاروخية التي زرعها الجيش الروسي في سورية تغطي جميع الأراضي الإسرائيلية تقريباً، ومعظم الأردن. وانتهكت الطائرات الروسية المجال الجوي الإسرائيلي بانتظام. وعبّر مسؤولون أردنيون بصورة شخصية عن «الإحباط» إزاء قصف روسيا لبلدة «الشيخ مسكين» السورية، ثم بعد ذلك استهداف مسلحين، تدعمهم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه»، بالقرب من الحدود الأردنية.

وترى الخبيرة في الشؤون السورية، جنيفر كافاريلا «خفف الاتصال من التوترات، حتى الآن»، مضيفة «لكن ما يثير القلق هو أن الأمور يمكن أن تتغير بمجرد سقوط حلب، إذ لا توجد إشارة إلى أن روسيا ستلتزم بهذه الاتفاقات، وستتبع روسيا مصالحها المبرمجة دون حذر».

طريقة عضوية

تختلف فروع تنظيم «داعش» في جنوب سورية كثيراً مما هي عليه في أي مكان آخر، ففي أجزاء أخرى من البلاد، استولى التنظيم على مساحات من الأراضي بالقوة، لكن في الجنوب، نشأ التنظيم بطريقة عضوية. وقد أعلنت مجموعات متمردة منشقة الولاء له، واحدة تلو الأخرى. وبدلاً من مواجهة النظام بشكل مباشر، يحاول «داعش» في الجنوب، حتى الآن، الاستفادة من خسائر المتمردين، شمالاً، والاستيلاء على ما يخلفه النظام وراءه لتأمين مزيد من الأراضي.

وتقول المعارضة السورية ومسؤولون أردنيون إنه يجب توجيه جهود المعارضة المعتدلة، في وقت بات بإمكان التنظيم المتطرف أن يتوسع غرباً على طول الأردن والجولان. وبمجرد خسارتهم للرقة، يمكن أن ينزح المتشددون جنوباً. وفي ذلك، يقول ساري، الذي انشق عن القوات الجوية السورية، «إذا استولى جيش الأسد على الجنوب، سيتحول الكثير من المتشددين إلى تنظيم القاعدة أو داعش». وقد أدى ركود الجبهة الجنوبية خلال العام الماضي إلى إصابة الأهالي هناك بخيبة أمل بالثورة ضد نظام الأسد. ويقول شاب من محافظة درعا، يدعى محمد (26 عاماً)، إنه يفكر في دعم جبهة «فتح الشام»، المعروفة في السابق باسم «جبهة النصرة»، «نريد محاربة النظام والدفاع عن أنفسنا، وأن نلحق الهزيمة بالنظام،» مضيفاً «نحن على استعداد للتعاون مع أي جهة للتخلص من الأسد ونظامه».

الأكثر مشاركة