يرى محلّلون أنه على الرغم من المساعدات الأميركية الهائلة المقدّمة إلى تل أبيب
الشباب الأميركي أقلّ تعاطفاً مــع إسرائيل
وقّعت كلٌ من أميركا وإسرائيل على اتفاق مساعدات عسكرية، هي الأكبر من نوعها في التاريخ الأميركي، ومن ناحية فإن هذه المساعدات تبدو أمراً حتمياً لا مفر منه، إلا أن توقيع الاتفاق جاء في وقت شهد علاقات باردة بين زعيمي البلدين. وتبلغ قيمة هذه المساعدات التي ستقدمها أميركا لإسرائيل، والتي تم توقيعها الاربعاء الماضي، 38 مليار دولار أميركي، يتم استحقاقها على مدى 10 أعوام. وتزيد بنسبة 27% تقريباً على التعهدات الأميركية لإسرائيل في آخر اتفاقية في هذا الشأن تم توقيعها عام 2007.
وترتبط الدولتان بتعاون دبلوماسي وعسكري، حيث يعتبر جهاز أبحاث الكونغرس أن إسرائيل هي «أكبر متلقٍّ تراكمي للمساعدات الخارجية للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية».
ويشعر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ان علاقته مع رئيس الوزراء الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يشوبها الكثير من البرود منذ فترة ليست بالقصيرة. ووفقاً لما كتبه زميلي الصحافي الاميركي - الاسرائيلي، جيفري غولدبرغ، في موضوع الغلاف بصحيفة «اتلانتيك»، في أبريل الماضي، فإن «أوباما يعتقد منذ فترة طويلة أن نتنياهو كان في إمكانه التوصل إلى حل الدولتين»، الذي سيضع حداً للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، والذي «من شأنه أن يقوي وضع إسرائيل كدولة ديمقراطية ذات أغلبية يهودية»، لكنه يبدو جباناً وضعيفاً من الناحية السياسية في القيام بهذه الخطوة، «ومن سخريات القدر أن أوباما سيترك منصبه، بعد أن وقع دعماً عسكرياً كبيراً لم يسبقه عليه رئيس أميركي من قبل لدولة يجلس على سدة الحكم فيها نتنياهو».
وتعتبر المساعدات لإسرائيل هي القضية الوحيدة التي يتفق عليها الأميركيون في خضم الانتخابات الاميركية، وفي حين أن المرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، أدلى بتصريحات متضاربة إلى حد ما بشأن الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكنه أيضاً تعهد بلهجة قوية بتعزيز العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ومن جانبها، صرحت المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، باستمرار، عن مساندتها لإسرائيل، بما في ذلك خلال توليها منصب وزيرة الخارجية.
ومع ذلك، فإن الناخبين أفصحوا عن وجهات نظر متباينة حول هذا النوع من الدعم، حيث إن أكثر من 60% من الأميركيين أبدوا تعاطفهم مع إسرائيل، مقارنة بأقل من 40% تعاطفوا مع الفلسطينيين في استطلاع أجرته مؤسسة غالوب عام 2016، وتختلف مشاعر التعاطف على أسس حزبية، حيث إن ما يقرب من نصف الديمقراطيين أبدوا تعاطفاً أكثر حيال الإسرائيليين، مقابل ما يقرب من 80% من الجمهوريين.
وفي استطلاع للرأي أجرته مؤسسة بروكينغز، أكد ما يقرب من نصف الديمقراطيين ان إسرائيل لها تأثير كبير جداً على حكومة الولايات المتحدة. ومن ناحية، فإن الحملات التي تدعو لمقاطعة اسرائيل اقتصادياً، وسحب الاستثمارات منها، ظلت رائجة لفترة طويلة داخل الجامعات فقط، إلا أن هذه الحملات حصلت هذا العام على دعم من حركة «بلاك لايف ماتر»، التي تضمنت بيانات مناهضة لإسرائيل بسبب معاملتها القاسية للفلسطينيين.
وبشكل عام، فإن الشباب الأميركيين أصبحوا هم الأقل تعاطفاً مع إسرائيل، مقارنة بنظرائهم الأكبر سناص. ويبين استطلاع أجرته مؤسسة غالوب عام 2014، أن نصف من تراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً يقفون مع إسرائيل بشأن الصراع مع الفلسطينيين،مقارنة مع 58% من الذين تراوح أعمارهم بين 35 و54 عاماً و74% من الذين تراوح أعمارهم بين 55 عاماً فما فوق.
المرشح بيرني ساندرز، الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة بين الشباب، خلال موسم الانتخابات التمهيدية الديمقراطية، انتقد بشكل مثير للجدل إسرائيل، ما أكسبه هتاف وتصفيق الحضور في إحدى الندوات، عندما قال: «إذا كنا نسعى لتحقيق العدالة والسلام، فعلينا أن نقول إن نتنياهو ليس على حق كل الوقت».
كل ذلك من شأنه أن يخلق خلفية غريبة في التوصل لهذا الاتفاق التاريخي، الذي منح إسرائيل مساعدات عسكرية هائلة. ولكن بغض النظر عن مدى سوء العلاقة بين كبار قادة البلدين، وبغض النظر عن المرشح الذي سيدخل البيت الأبيض، وبغض النظر عن مدى علو أصوات بعض الناخبين المعارضين لإسرائيل، يبدو أن للولايات المتحدة أسبابها الواقعية لتوفير المال الغزير للجيش الإسرائيلي.
ويرى محللون أن هناك تفسيرات واضحة لتوقيع هذه الصفقة على وجه الخصوص، فمن الناحية السياسية يبدو أن حزمة الإنفاق جاءت جزئياً كرد على الاتفاق النووي الذي وقعته الولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى مع إيران، في يوليو من العام الماضي، والذي أشاد به أوباما على أنه أكثر وسيلة فعالة لأكثر من عقد من الزمان، لخفض الخطر النووي الإيراني. وكان نتنياهو الأكثر انتقاداً لهذا الاتفاق، والذي وصفه بأنه «خطأ تاريخي» من شأنه تخفيف العقوبات على ايران، في حين أنه يجعلها تحصل في يوم من الأيام على القنبلة النووية.
وتعتقد الزميلة البارزة بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ميليسا دالتون، أنه حتى مع وجود اتفاق باستطاعته تعطيل القدرة النووية الإيرانية على مدى الـ10 إلى 15 عاماً المقبلة، لاتزال إيران تتبنى أنشطة تزعزع بشكل كبير استقرار المنطقة وتهدد المصالح الاميركية. وتضيف دالتون، أن هذه الاتفاقية هي محاولة لتهدئة المخاوف الإسرائيلية إزاء استمرار التهديدات من إيران.
ويعتقد المحللون أيضاً أن هذه الأموال هي أيضاً محاولة لاسترضاء الجمهوريين في الكونغرس. ويقال إن إدارة أوباما طلبت من نتنياهو حث رئيس لجنة اعتمادات الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، ليندسي غراهام، للموافقة على الصفقة. فبعد أن تم التوقيع عليها، أصدر غراهام بياناً يوضح فيه أن الكونغرس لن يلتزم بالضرورة بمستوياتالتمويل المحددة مسبقاً في الاتفاقية، ومضى في بيانه «أجد أنه من الغريب أن (مذكرة التفاهم) خصصت فقط 500 مليون دولار أميركي للدفاع الصاروخي ابتداء من عام 2018، على الرغم من السلوك الإيراني الاستفزازي وتحسين تقنية الصواريخ الإيرانية». وفي حين أن هذه هي الاتفاقية الأكبر للولايات المتحدة على الإطلاق للمساعدات العسكرية، فإن الحزب الجمهوري سيدفع قدماً لإنفاق أكبر. المدافعون عن الاتفاق يعتقدون أنه ضروري، حيث وصفت دالتون أن الزيادة في الإنفاق على اسرائيل أمر طبيعي للعلاقة طويلة الأمد بين الولايات المتحدة وإسرائيل، «فضلاً عن العلاقات الوثيقة بين شعبي البلدين». وتحدثت عن «البيئة الخطرة المحيطة بإسرائيل»، في اشارة الى سورية ولبنان اللتين مزقتهما الحرب في سورية، ونفوذ حزب الله إلى الشمال، والجماعات الإسلامية المسلحة في سيناء المصرية في الجنوب، كل ذلك يبرر الارتفاع التاريخي في المساعدات على مدى السنوات الـ10 المقبلة. كما صرحت مستشار الأمن القومي، سوزان رايس، في حفل التوقيع على الاتفاق، بأن «هذه المذكرة لا تصب فقط في صالح إسرائيل، لكنها أمر جيد أيضاً بالنسبة للولايات المتحدة، فعندما يكون الحلفاء والشركاء، مثل إسرائيل، أكثر أمناً فإن الولايات المتحدة تصبح أكثر أمناً».
إيما غرين محررة في صحيفة «ذي أتلانتيك»
يعتقد محلّلون أن الأموال محاولة لاسترضاء الجمهوريين. ويقال إن إدارة أوباما طلبت من نتنياهو حثّ رئيس لجنة اعتمادات الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، ليندسي غراهام، للموافقة على الصفقة.
بغضّ النظر عن مدى سوء العلاقة بين كبار قادة الجانبين، وبغضّ النظر عن المرشح الذي سيدخل البيت الأبيض، ومدى علوّ أصوات بعض الناخبين المعارضين لإسرائيل، يبدو أن للولايات المتحدة أسبابها الواقعية لتوفير المال الغزير للجيش الإسرائيلي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news