سياسيون يطالبون بفرضها فوق سورية

منطقة الحظر الجوي لا تمنـع الحــكومة المستهدفة من الردَّ عسكـريـاً

صورة

على السياسيين والمثقفين، المطالبين بفرض منطقة حظر جوي في سورية، أن يتذكروا كيف كانت المنطقة نفسها، التي فرضتها أميركا في العراق بلا أسنان، وغير فعالة طوال 12 عاماً.

ففي خضم القتل والتدمير المروع، اللذين يتعرض لهما المدنيون السوريون، جراء الغارات الجوية العشوائية من قبل الحكومة السورية والطائرات الحربية الروسية على السواء، يطالب السياسيون والمحللون الأميركيون - مرة أخرى - بتدخل عسكري أعمق في الحرب الأهلية الدائرة في سورية، وتتلخص هذه المطالبة في القيام بعمل عسكري من جانب واحد، يتمثل في فرض منطقة حظر جوي على بعض أجزاء من سورية، لمنع بعض الطائرات من التحليق. لقد بحثت وكتبت عن مناطق حظر الطيران الجوي خلال 15 عاماً (الحديث للكاتب)، وحللت بعض التعليقات والمقترحات عن الشأن السوري.

وأود هنا أن أجعل القراء على بينة من بعض التعقيدات والمقايضات المتأصلة في مناطق حظر الطيران، وذلك من خلال إعادة تقييم اثنين من الأحداث المتعلقة بالحظر المفروض على شمال العراق، عند خط عرض 36 شمالاً، بين أبريل 1991، ومارس 2003. ونجد أن منطقة حظر الطيران في شمال العراق ترد في السياق، كلما تحدث أنصار التدخل في سورية عن ذلك بشكل روتيني، ويمكننا القول باختصار إن منطقة الحظر الجوي فوق العراق فرضها الرئيس السابق، جورج دبليو بوش فقط لحماية الأكراد.

هناك ديباجة مهمة تدخل في سياق هذه القصة، لم يتطرق لها أنصار التدخل في سورية. ففي 15 فبراير 1991، قبل وقت طويل من فرض أول منطقة حظر جوي، دعا بوش الأب مراراً وتكراراً - عبر الرسائل المبثوثة من خلال وسائل الإعلام العراقي - الشعب العراقي إلى أخذ زمام الأمور بيده، للإطاحة بصدام حسين، أو إجباره على التنحي. وأسقطت الطائرات منشورات على الجنود والمدنيين العراقيين، تحثهم فيها على الخروج إلى الشوارع والأزقة، لإسقاط صدام حسين ومساعديه.

وسرعان ما ثار أكراد العراق في وجه القوات العراقية، ما دفع مسؤولي حزب البعث إلى اعتقال من استطاعوا اعتقاله وذبح المقاومين. واستخدم الحرس الجمهوري العراقي طائرات الهليكوبتر والمدفعية والقوات البرية المدرعة، ليتصدى بوحشية للانتفاضة، التي قتل فيها 20 ألفاً من الأكراد، وتشرد مئات الآلاف منهم.

وعلى الرغم من انتشار أكثر من 500 ألف من القوات الأميركية، مدججين بقدرات عسكرية هائلة في مسرح العمليات، لم يفعل بوش شيئاً لمساعدة الانتفاضة الكردية، التي دعا إليها، ورفض حتى تسليم الأكراد بعضاً من المعدات العسكرية التابعة للجيش العراقي، والتي استولت عليها القوات الأميركية، حيث أرسلت أميركا معظمها للمجاهدين في أفغانستان.

وفي 15 أبريل 1991، بدأ طيارو التحالف تسيير دوريات فوق خط العرض 36، لحماية القوات الأميركية وعمال الإغاثة الإنسانية، وتوفير دعم جيد للأكراد النازحين. ونجد في هذه الحالة أن بوش حفز الأكراد على حمل السلاح والثورة، لكنه أدار لهم ظهره في ما بعد، ثم عاد في وقت لاحق، لحمايتهم من بطش صدام.

الحدث الثاني المهم، والذي نادراً ما يتذكره معظم المحللين عن منطقة الحظر الجوي شمال العراق، أنه بين عامي 1995 و1996، ناضل مسؤولو وزارة الخارجية الأميركية، للتوسط في وقف إطلاق النار بين حزبين كرديين سياسيين رئيسين في العراق، هما الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني. وفي أغسطس 1996، انهار «السلام الهش» بينهما، بسبب الخلافات حول عائدات النفط الذي يهربانه. حيث اتجه الاتحاد الوطني الكردستاني إلى إيران للحصول على الأسلحة، والخدمات اللوجستية والمستشارين العسكريين، في حين ناشد الحزب الديمقراطي الكردستاني صدام التدخل لصالحه.

سيّر صدام اثنتين من فرق الحرس الجمهوري والجيش النظامي، تتكونان من 40 ألف جندي، و300 دبابة، و300 قطعة مدفعية. وبدءاً من 20 أغسطس اجتاحت القوات البرية العراقية (مع عدم وجود دعم من سلاح الجو العراقي) منطقة كردستان العراق بموازاة الخط 36، على الرغم من المطالب المتكررة من قبل الولايات المتحدة لصدام بسحب قواته، وتهديده بأنه «يرتكب خطأ فادحاً». وبدأت الفرق العراقية تتقدم وتقصف العاصمة الكردية أربيل، ما أسفر عن مقتل مقاتلين ومدنيين، في حين حلقت الطائرات الأميركية المكلفة بحراسة منطقة الحظر الجوي فوق المنطقة.

وعلى الرغم من أن طائرات الهجوم الأرضي الأميركية، كان يمكنها بسهولة قصف القوات البرية العراقية، فضلت إدارة الرئيس السابق، بيل كلنتون، عدم التحرك لحماية سكان أربيل، والعديد من المدن التركية التي تعرضت للضرب. ويرجع هذا جزئياً إلى أن البيت الأبيض لم يرغب في أن يتورط في ما ينظر إليه على أنه نزاع بين حزبين كرديين، وأيضاً لأن تركيا والمملكة العربية السعودية لم تسمحا لطائرات الولايات المتحدة بالانطلاق من قواعدهما، لضرب قوات صدام البرية. وبدلاً من حماية الأكراد، استخدمت إدارة كلينتون هجوم صدام حسين في شمال العراق مبرراً، لتوسيع منطقة الحظر الجنوبي، ولإطلاق 44 صاروخ كروز ضد نظام دفاع صدام الجوي.

ما الدروس التي نستقيها من التاريخ الفعلي لمنطقة الحظر الجوي شمال العراق؟ أولاً: ينبغي ألا يدعو رؤساء الولايات المتحدة إلى ثورات مسلحة يديرون لها ظهورهم إذا اتجهت اتجاهاً سيئاً، أو إذا تحولت الأمور لوضع لم يكن في الحسبان. وينبغي ألا تواجه القوى الخارجية أي حرب أهلية استراتيجياً، أو بالتمويل، أو الإمداد بالأسلحة دون الاعتراف بأنها – أي القوى الخارجية - مسؤولة أخلاقياً عن ما يحدث لهؤلاء المقاتلين، الذين مكنتهم ومولتهم وأمدتهم بالسلاح. وكان هذا درساً قيماً في عام 1991، ولايزال ساري المفعول، حتى بعد 25 عاماً من ذلك.

ثانياً: إن حماية السكان المدنيين من شكل واحد من أشكال الفتك - القوة الجوية في الحالة السورية - قد يحفز الحكومات المستهدفة على مهاجمة خصومها بأسلحة قتالية أخرى، مثل المدفعية والمدرعات، والمشاة. وهذا بالتأكيد ما حدث عندما هاجم صدام بوحشية التمرد الشيعي والمدني في شمال العراق، والذين ثاروا على نظامه في تسعينات القرن الماضي. وهو ما حدث مرة أخرى على الأرض، عندما فرضت الولايات المتحدة منطقة الحظر الجوي. وكما ذكرت مراراً فإن منطقة الحظر الجوي لم تمنع أي هجوم بري مضاد من قبل القوات العراقية.

ثالثاً: جميع مناطق الحظر الجوي التي فرضتها الولايات المتحدة - سواء في العراق، أو البوسنة والهرسك، أو كرواتيا، أو ليبيا - تم توسيعها لدعم أهداف عسكرية وسياسية، ليست لها علاقة بالمبررات التي فرضت من أجلها منطقة الحظر. وحتى في وقت مبكر من أغسطس 1992، بدأ المسؤولون في إدارة بوش يروجون لمنطقة الحظر الجوي في شمال وجنوب العراق، بأن المقصود منها هو حرمان صدام من السيادة العسكرية، ويتساءلون: «إلى متى يمكن أن يستمر بين أربعة خطوط عرض فقط؟»، وهكذا، حتى لو فرضت الولايات المتحدة منطقة حظر طيران، فوق أي جزء من سورية، فإن ذلك سيساعد الثوار بشكل أفضل على تغيير النظام، لكن على الولايات المتحدة أن تتحمل المسؤولية المباشرة عن النتائج، وكذلك الكوارث.

ميكا زينكو : باحث أميركي بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي

تويتر