البرلمان يواصل تقصي الحقائق.. وتوقعات بسقوط رؤوس كبيرة بالتتابع

«سميراميس» والقمح يهددان بسجن وزير مصري بعد إطاحته

صورة

أطاحت قضية فساد خاصة بمنظومة القمح في مصر بوزير التموين في البلاد، الدكتور خالد حنفي، الذي اضطر لتقديم استقالته، خصوصاً بعد أن حمّلته لجنة تقصي الحقائق المتعلقة بالقضية المسؤولية السياسية عن القضية «مبدئياً»، تاركة الباب لإدانة قانونية محتملة، قد تكشفها التحقيقات والاستجوابات البرلمانية.

وقد استحكمت الحلقة حول حنفي الذي قاوم في البداية حملة التوقيعات البرلمانية والإعلام وضغط الرأي العام على صفحات التواصل، بعد ما تكشف حول إقامته الدائمة في فندق «سميراميس» بكلفة 800 دولار يومياً (سعر الدولار في السوق الموازية تعدى الـ12.5 جنيهاً مصرياً)، والتي رغم تصريحاته بأنها مسألة شخصية، وأن الإقامة على نفقته لا نفقة الدولة المصرية، إلا أنها عكست المناخ الذي يعيشه وزير تتعلق مهمة وزارته (التموين) بدعم الطبقات الشعبية غير القادرة على الحصول على حصص الضرورات المعيشية بأسعار السوق.

وتفصيلاً، في محاولة لقطع الطريق على تطور الأحداث، قدّم وزير التموين المصري، الدكتور خالد حنفي، استقالته مع نهاية الأسبوع الماضي، بعد أن حمّله تقرير لجنة تقصي الحقائق، الخاص بفساد منظومة القمح، المسؤولية السياسية (على الأقل) عما تم اكتشافه، وبعد أن قرر البرلمان المصري استجوابه، بناءً على طلب سحب ثقة قدمه 300 عضو، أرفقوا به 11 طلب استجواب وطلب إحاطة، وفي ظل تصاعد حملات إعلامية ضده في الصحف والفضائيات، انتقلت من قراراته إلى شخصه وسلوكه المالي، حتى وصلت إلى اتهامه بالانتماء إلى جماعة الإخوان المحظورة.

وكان تقرير لجنة تقصي الحقائق فى قضية فساد القمح، المشكلة من قبل البرلمان، كشف بعد زيارات، آخرها إلى موقع صومعة راجح، المؤجرة للشركة المصرية القابضة للصوامع والتخزين، عن وجود مبلغ 5.4 ملايين جنيه عجزاً.

وتبين للجنة بعد جرد الكمية الموجودة فعلياً في الصومعة، بواسطة الشركة المتخصصة بالتفتيش على البضائع والسلع «SGS» وفق تقريرها، أن السعة التخزينية 30 ألف طن، والكمية المستلمة دفترياً 29 ألفاً و859.09 طناً، والكمية الموجودة فعلياً 27 ألفاً و925 طناً. وبناءً على هذا قامت مباحث تموين الجيزة بتحرير المحضر رقم (13159) جنح العياط الجيزة.

وأوصى تقرير لجنة التحقيق بإحالة مستندات القضية إلى النيابة العامة، كما حمَّلت اللجنة الوزير المسؤولية السياسية.

في الأثناء ذاتها، تفجرت بالتوازي مع قضية فساد منظومة القمح، قضية إقامة الوزير حنفي في فندق خمس نجوم بالقاهرة، منذ توليه الوزارة، بحجة عدم امتلاكه شقة بالقاهرة، وكونه من سكان الإسكندرية.

وقد نفت وزارة التموين في البداية الأمر جزئياً، وقال الناطق الرسمي باسمها إن حنفي لا يقيم بماريوت، ولا يدفع 150 ألف جنيه، وإنما يقيم في فندق آخر، ولا تدفع له الوزارة التكاليف.

لكن البرلماني مصطفى بكري، عاد خلال مداخلة هاتفية ببرنامج «على مسؤوليتي» المذاع على فضائية «صدى البلد»، مع الإعلامي أحمد موسى، ليقول معلومات جديدة إن الوزير يقيم بفندق «سميراميس» بالقاهرة في الغرفة «رقم 1038»، وسكرتيرته تقيم في الغرفة «رقم 1036»، مؤكداً أن خالد حنفي يدفع تكاليف اليوم الواحد للإقامة بالفندق بنحو 800 دولار.

عند هذا الحد، وفي تقليد جديد على الحياة السياسية المصرية، أعلن حنفي عن عقد مؤتمر صحافي في الوزارة، قدم فيه استقالته، وقال فيه إن «مصر تعيش الآن في منظومة ديمقراطية، تحترم الرأي العام، وإن هذه المنظومة جعلت من المنصب العام مسؤولية حقيقية تجاه الوطن، تعلو فوق كل المصالح، وأكبر من أي ضرر شخصي من أجل أزمة أثيرت، وإن مكانها الطبيعي مؤسساتها القضائية والتشريعية، واستمرارها قد يسبب ضرراً لدولة انطلقت نحو الإصلاح»، وتابع حنفي أن «تولي منصب لم يعد نزهة، وإنما هو عبء وهم كبير، أمام طموحات الوطن، خصوصاً أن جزءاً كبيراً من المسألة مس قضايا شخصية، ومن هنا أعلن بكل صدقية ورضا عن ترك موقعي لكي تختار الدولة ما تجده مناسباً لهذا المنصب»، لكن مصادر في مجلس الوزراء قالت لـ«الإمارات اليوم» إن استقالة حنفي كانت إقالة، وبيانه تم بالإملاء أو الاستشارة مع مجلس الوزراء، بحيث يكفل له خروجاً آمناً يستطيع هو فيه أن يدافع عن نفسه أمام الرأي العام، ويتجنب الاستجواب المقرر في البرلمان، وربما يجنبه احتمالات المحاكمة، بينما يعفي هذا الوضع الحكومة من الحرج الذي سببه لها، بعد أن صرح في الإعلام حين سئل ماذا سيفعل؟ فقال «لا إقالة ولا استقالة»، في محاولة للإيحاء بأن حكومة شريف إسماعيل، رغم كل ما تكشف، تقف معه.

وفي تطور لا يبدو الأخير في القضية، استمعت نيابة الأموال العامة العليا، الأحد الماضي، إلى أقوال البرلماني مصطفى بكري، في البلاغ المقدم منه ضد خالد حنفي، حول وقائع الفساد المتعلقة بمنظومة القمح، ووجه بكري إلى الوزير المستقيل اتهامات بالمسؤولية عن التوريد الوهمي للقمح، وخلط القمح المستورد بالمحلي، والتستر على التجاوزات والمخالفات، ما تسبب في إهدار مليارات الجنيهات على الخزانة العامة للدولة.

وقال بكري إن عمليات التوريد الوهمية، وخلط القمح المستورد بالمحلي، تسببت في زيادة كمية القمح الذي جرى توريده، على نحو تسبب في إهدار نحو 2.7 مليار جنيه على الخزانة العامة للدولة، علاوة على إهدار نحو ستة مليارات جنيه، بسبب سياسة النقاط التي اتبعها الوزير السابق.

وتابع أن الوزير السابق تستر على التجاوزات والمخالفات المتعلقة بأصحاب المخابز، وأعمال التلاعب في منظومة الخبز والكروت الذكية الخاصة بالمخابز، وتبديد الرصيد الاحتياطي من القمح، والتستر على التلاعب في كميات المخزون من القمح في الصوامع والشون، وإنقاص وزن رغيف الخبز.

كما اتهم بكري الوزير السابق بالتواطؤ مع صاحب شركة استيراد سكر، سعياً لتربح الغير، من خلال فتح باب الاستيراد للسكر وإنزاله على البطاقات التموينية، ما تسبب في ركود مخزون السكر المنتج من شركات حكومية، واتهم الوزير أيضاً بالفساد في ملف الأرز بإصداره قراراً بالسماح بتصديره، ما أدى إلى ارتفاع سعره إلى ثمانية جنيهات للكيلوغرام.

من جهته، وفي خطوة تصعيدية تستهدف رفض محاولة تحجيم الأزمة، قال النائب عبدالحميد كمال لـ«الإمارات اليوم» إنه تقدم بطلب لمثول رئيس الوزراء الدكتور شريف إسماعيل، لمساءلته عن أسباب قبول استقالة خالد حنفي قبل استجوابه، وما إذا كانت هذه آلية تلجأ بها الحكومة لحمايته وحماية وزرائها من المسؤولية، قد تكررها في المستقبل. وقال كمال إن الحكومة مسؤولة تضامنياً عن سلوك كل وزرائها، كما أن الوزير مسؤول سياسياً وجنائياً، والبرلمان هو منصة الرقابة الشعبية الأولى في البلاد، التي يجب أن تتابع محاسبته على كل الصعد. واستطرد كمال أن «بيان رئيس الوزراء المطلوب، يجب أن يتضمن أيضاً تعهداً بملاحقة ومحاسبة الوزير حال ثبوت إدانته، لأن ترك القضية هكذا دون حساب أو عقاب من شأنه أن يزيد الاحتقان في الشارع المصري، الذي أصبح على علم لحظة بلحظة بتطورات القضية».

بدورها، قالت البرلمانية، سامية رفله، لـ«الإمارات اليوم» إنها تعتقد أن تحرك البرلمان سيكون تالياً للتحرك القضائي الذي لم تتضح ملامحه حتى الآن، بعد أن حمل مصطفى بكري أوراق قضية فساد منظومة القمح، واتجه بها إلى النيابة.

ورداً على تصريح رئيس لجنة التحقيق، مجدي ملك، بأن «خالد حنفي ورقة وطويت»، قالت سامية رفله إنها لم تستمع إلى أو تقرأ هذا التعليق، لكنها تعتقد أنه يقصد به ربما مصير الوزير، وليس مصير قضية فساد القمح، التي ستظل مفتوحة حتى يتم الوصول إلى نتيجة فيها، وشددت على أن البرلمان لا يحق له استجواب الوزير المستقيل، لكنه يحق له استدعاء كل أطراف القضية حتى تبيان حقيقتها.

بدوره، قال عضو مجلس النواب عن دائرة شربين بالدقهلية، النائب فوزي الشرباصي، لـ«الإمارات اليوم» إنه إذا كان الوزير يعتقد أن استقالته ستجنبه استجوابات البرلمان، فإن مجلس الشعب المنتخب لن يكتفي بذلك، حتى لا تصبح طريقة للتهرب، وعليه سيقوم بدوره في التوصية بمحاسبته جنائياً، كما سيدعو إلى محاسبته على إهدار المال العام بإقامته في أحد الفنادق الشهيرة، والفساد في القمح.

على صعيد المجتمع المدني، استقبل الشارع الحقوقي خبر إطاحة الوزير، واحتمالات إحالته إلى المحاكمة، بنوع من الحذر والترقب، وفيما رحب فريق بالمواجهة الجارية من باب مواجهتها للفساد على أي صورة، اعتبرها البعض الآخر صراعاً بين أجنحة متنفذة في السلطة.

وقال مدير البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان، المساهم في برنامج الشفافية الدولية، حجاج نايل، لـ«الإمارات اليوم» إن وجود حملات على الفساد وكشفه ومحاسبته في قلب الجهاز التنفيذي، هو أمر جيد، ولابد من تشجيعه، لكن الاعتراض على هذا النوع من الحملات يتأتى من موسميتها، و«تسييسها» بالمعنى السلبي للكلمة، وعدم منهجيتها، وغموض دوافعها.

تويتر