بعد الاعتداءات ومحاولة الانقلاب

جادة الاستقلال في إسطنبول تتبدل ملامحها

صورة

شهدت إسطنبول مرحلة تحول مع تبدل ملامح جادة الاستقلال، أشهر جادة تجارية في تركيا، إذ تهجر المحال شيئاً فشيئاً هذا المركز الحيوي للثقافة والسياحة.

وتصطف متاجر فاخرة ومكتبات، ودور عرض فنية ومقاهٍ وحانات على طول الشارع الخاص بالمشاة، الممتد على نحو 1.5 كلم في حي بيوغلو، كما تقع في وسط الجادة المؤدية الى ساحة تقسيم ثانوية غلطة سراي، اقدم مدرسة فرنكوفونية في تركيا تعود الى الحقبة العثمانية.

غير أن العديد من المتاجر أغلقت في اعقاب الاعتداء الدامي الذي وقع في مارس، وأدى الى مقتل ثلاثة سياح اسرائيليين وإيراني، ونسبته السلطات الى تنظيم «داعش» المتطرف، وتلاه في يونيو اعتداء أوقع 45 قتيلاً في مطار اتاتورك.

• تحتل جادة الاستقلال مكانة خاصة في تاريخ إسطنبول، وظلت حتى انهيار الإمبراطورية العثمانية في عشرينات القرن الماضي، قلب ما كان يعتبر الحي الأوروبي والمتنوع الثقافات في المدينة.

وتحتل جادة الاستقلال مكانة خاصة في تاريخ إسطنبول، وظلت حتى انهيار الإمبراطورية العثمانية في عشرينات القرن الماضي، قلب ما كان يعتبر الحي الأوروبي والمتنوع الثقافات في المدينة. وكانت في ذلك الحين تعرف بشارع بيرا، وشكلت المحور الرئيس لمنطقة يسكنها بشكل شبه حصري أوروبيون ومسيحيون.

وظلت الجادة على مدى قرون مركزاً للتجار الأجانب والدبلوماسيين في القسطنطينية سابقاً، وكانت متشبعة بثقافة أوروبية وتنتشر فيها المسارح والمقاهي التي كانت تقدم الكحول في قلب العاصمة العثمانية. ولاتزال الكنائس والسفارات التي شيدت في تلك الفترة، تحيط الى اليوم بشارع الاستقلال.

غير أن وجه الجادة تبدل بعد الحرب العالمية الأولى مع تدفق «الروس البيض» المعارضين للنظام الشيوعي بعد الثورة البولشفية، ثم رحيل العديد من الدبلوماسيين، حين انتقلت العاصمة الى انقرة مع تأسيس الجمهورية التركية عام 1923.

وتغير اسم الشارع ليعرف بجادة الاستقلال، وأصبحت المنطقة مسلمة وتركية بصورة شبه حصرية، مع طرد معظم الأقليات المسيحية خلال الاضطرابات التي شهدتها اسطنبول عام 1955 ضد الأقلية اليونانية.

غير أن الشارع نجح رغم ذلك في الاحتفاظ بمتاجر ومقاهٍ يرتادها المتنزهون، والتواقون الى اجواء اسطنبول «القديمة». واستفادت الجادة من النمو الاقتصادي الكبير الذي شهدته تركيا في العقد الماضي، فغزتها سلسلة المتاجر الكبرى فيما هجرتها تدريجياً المحال الصغيرة هرباً من الايجارات المرتفعة. وجذبت جادة الاستقلال السياح، خصوصاً القادمين منهم من الدول العربية. لكن مع تراجع السياحة، بات مصيرها مجهولاً.

ويرفض رئيس بلدية منطقة بيوغلو احمد مصباح دميرجان من حزب العدالة والتنمية الحاكم، أي تشاؤم، وقال معلقاً «إننا مدركون للأجواء السلبية. هذا طبيعي بعد كل ما جرى، لكنني لا أرى شخصياً أي مؤشر يفيد بأن التأثير سيكون دائماً».

وقال «ان انقلاب 15 يوليو الذي سبقته الاعتداءات الإرهابية، كانت اعمالاً تهدف الى الاضرار باقتصاد تركيا»، معتبراً ان من الظلم ترويج «سيناريوهات كارثية» عن جادة الاستقلال.

ويرى السكان أن الإيجارات الباهظة هي التي تسببت في اغلاق العديد من المتاجر، مشيرين الى عرض اعداد كبيرة من المحال للإيجار.

وقال مالك احد هذه المحال احسان ايدوغان، إنه «خلال العقد الماضي، سجلت الإيجارات ارتفاعاً غير منطقي»، متحدثاً عن ايجارات تراوح بين 40 و400 ألف دولار في الشهر.

غير أن الهجمات الارهابية والإيجارات المرتفعة ليست العامل الوحيد خلف تراجع الجادة. فشعبية الجادة بدأت بالتراجع مع تظاهرات 2013 احتجاجاً على «تسلط» النظام التركي، والتي انطلقت من منتزه جيزي في ساحة تقسيم وجابهتها الشرطة بقمع شديد.

وقامت شرطة مكافحة الشغب في ذلك الحين بمطاردة المتظاهرين وإطلاق قنابل مسيلة للدموع ضدهم في الشوارع المؤدية الى ساحة الاستقلال. وبعدما كان الشارع العريض يغص في ما مضى بعشرات آلاف المارة، يبدو الآن وكأن السياح الوحيدين الذين يقصدونه هم العرب، مع تراجع اقبال الغربيين عليه.

وقال رئيس غرفة المرشدين السياحيين في إسطنبول هاكان اغينلي اوغلو، إن جادة الاستقلال كان يرتادها في الماضي الأتراك العلمانيون والسياح الأوروبيون، غير ان وجه المدينة تبدل على مر السنين وبات يجذب سكان الأحياء المحافظة والسياح العرب.

وقال «إن الوجه الإنساني يتبدل في (جادة) الاستقلال، على غرار الأجواء المخيمة فيها».

تويتر