المجتمع التركي استوعب الديمقراطية الانتخابية

ما بعد الانقلاب فرصة للوحدة الوطنية والمصالحة فــــي تركيا

أردوغان لطالما كان يحذر من خطر غولين ولم يكن ذلك بلا مبرر. أ.ب

هناك العديد من الدروس التي يمكن استخلاصها من هذا الانقلاب الفاشل، وأولها أنه مختلف تماماً عن الانقلابات التركية المعهودة، حيث تنتشر الدبابات في الشوارع، ويعمل الجيش على إرعاب الشعب واخضاعه، لكن هذه المرة اندفع الشعب إلى الشوارع، في وقفة تحد للجيش، بل إن غالبية الجيش وقوات الأمن لم تشارك في الانقلاب.

وفي حقيقة الأمر، فإن قناة «سي إن إن» التركية المملوكة لمجموعة إعلامية، والتي كان أنصار أردوغان قد هاجموها قبل عامين، بحجة أنها «أهانت الرئيس»، هي التي لعبت دوراً مهماً في مساعدته، فخلال أحلك اللحظات بثت صورة أردوغان وهو يتحدث من مكان غير محدد، على برنامج «فيس تايم»، حيث دعا الشعب من خلالها لمقاومة الانقلابيين.

ويظهر كل ذلك أن المجتمع التركي استوعب الديمقراطية الانتخابية، وأن العلمانيين الأتراك، على الرغم من معارضتهم لحكومة أردوغان، ينشدون الحلول من خلال الديمقراطية. واتضح أيضاً من خلال ليلة الجمعة الماضية أن قلق اردوغان من الكيان الموازي (حركة فتح الله غولين)، الذي لطالما تحدث عنه، لم يكن بلا مبرر. وعلى الرغم من أن زعيم الحركة غولين انكر علاقته بالانقلاب، إلا أنه اعترف بأنه ليس واثقاً مما إذا كان اتباعه متورطين فيه.

بالطبع فإن الحكومة لها الحق في ملاحقة المتورطين في هذا الهجوم على تركيا، وجلبهم إلى العدالة، لكن يجب أن يكون ذلك في سياق تحقيق العدالة وليس الانتقام. وإضافة إلى ذلك، وخلال تنظيف الحكومة من العناصر التي شاركت في الانقلاب، يجب ألا يكون ذلك ذريعة لأردوغان لتسليم المؤسسات الحكومية، خصوصاً القضائية، لأعضاء حزبه.

وثمة أمر مؤكد، مفاده أن أردوغان سيخرج من هذه التجربة قوياً وأكثر شعبية، إذ ظهر باعتباره المحامي عن الأمة المنتصر ضد المؤامرات، كما أن علاقاته مع الناخبين تعززت بصورة كبيرة جداً، لكن ما هو غير مؤكد كيفية استخدام الرئيس كل هذه السلطة.

وإذا كان أردوغان شخصاً حصيفاً، فإنه سيقدر موقف خصومه السياسيين، بمن فيهم المعارضة، ويتوقف عن رؤيتهم كأعداء، وربما تكون هذه فرصة لا تعوض للوحدة الوطنية والمصالحة، بعد سنوات من حكم الانقسام. وكانت حكومته قد اتخذت خطوات براغماتية عدة، حيث أعادت علاقاتها مع إسرائيل وروسيا. وإذا واصلت الحكومة خطواتها البراغماتية في الداخل التركي، فإن البلاد ستذهب إلى مستقبل أفضل.

مصطفى أكيول

تويتر