فقدت اهتمامها التاريخي بالسياسة الخارجية
أهمية بريطانيا تتراجع على الساحة الدولية
لاتزال الحافلات المؤلفة من طابقين تجول شوارع لندن، والحراس يقفون بتيقظ أمام قصر باكنغهام، والملكة تركب عربتها التي تجرها الخيول لافتتاح جلسة البرلمان في كل عام، لكن تحت هذا السطح الذي يبدو أنه لا يتغير، تتغير بريطانيا بسرعة مذهلة.
فالسخط من المؤسسة السياسية الذي يعصف بعدد من الدول الأوروبية وصل أخيراً إلى الجزر البريطانية، ولا يوجد هناك مسيرات حاشدة كما هي الحال في إسبانيا، ولا اضطرابات فوضوية كما في اليونان، وإنما يوجد أعداد كبيرة من البريطانيين الذين يبلغون استطلاعات الرأي بابتهاج أنهم لا يخططون للتصويت لحزب المحافظين في انتخابات شهر مايو المقبل، وأنهم لا يحبون حزب العمل أو الحزب الليبرالي الديمقراطي أيضاً. وإذا كانوا اسكتلنديين، فإنهم ربما يخططون للتصويت للحزب الاسكتلندي القومي. وإذا كانوا بريطانيين فإنهم ربما يصوتون لـ«حزب المملكة المتحدة المستقلة» المناهض للهجرة ولأوروبا، وربما يصوتون لـ«حزب الخضر».
ولا ضير في ذلك من حيث المبدأ، لكن يصعب تخيل كيف لهذه الانقسامات أن تنتج حكومة مستقرة، خصوصاً في بلد جرى حكمه من قبل حزبي العمل والمحافظين معظم القرن الماضي. ويمكن أن تتغير الأولويات بصورة سريعة، ففي حفل إفطار أقيم في لندن أخيراً، ثمة غرفة عجت بالخبراء قدموا كل السيناريوهات المحتملة للانتخابات، مثل ائتلاف بين المحافظين والمملكة المتحدة المستقلة. أو العمال والديمقراطي الليبرالي والوطني الاسكتلندي، أو حكومة أقلية، وحاول الخبراء أن يوضحوا ما سيعنيه كل احتمال. وتم التوصل إلى نتيجة تفيد بأن بريطانيا يمكن أن تتخذ خطوة راديكالية نحو اليسار، وربما تتخذ خطوة نحو اليمين، وربما تترك الاتحاد الأوروبي، وربما تنفصل عن أوروبا نهائياً. وبعبارة أخرى لا يمكن لأحد توقع أي شيء باستثناء أن بريطانيا ستظل مشغولة بجدلها الداخلي فترة طويلة.
كما يبدو أن بريطانيا، وهي قوة عسكرية نووية وتقليدية، وحليف قوي للولايات المتحدة وأحد أعمدة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فقدت اهتمامها التاريخي بالسياسة الخارجية. وبدأ هذا التحول في عام 2009 عندما سحب رئيس الحكومة ديفيد كاميرون حزبه المحافظ من التيار الديمقراطي المسيحي في البرلمان الأوروبي، وهو قرار أبعده في الحال عن أهم قائد في أوروبا هو المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. وتلا ذلك إعلان كاميرون عن نيته إجراء استطلاع للرأي حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي دمر فوراً صدقيته في أوروبا. وكانت ميركل قالت إنه إذا كان البريطانيون قد وصلوا إلى منتصف الطريق للخروج من الاتحاد الاوروبي فلماذا تحمل عناء التحدث معهم أصلاً؟
لكن التلاشي البريطاني التدريجي على المسرح الدولي تسارع عام 2013، عندما أعلن كاميرون أنه سيدعم ضربات جوية تقوم بها الولايات المتحدة على سورية، ودعا البرلمان للتصويت على الدعم، وخسر. واضطر إلى إلغاء الفكرة، ونجم عن ذلك شعور الرئيس الاميركي باراك أوباما بالخوف، وتالياً فإنه ألغى الفكرة أيضاً. وأجبر الرجلان على إعادة النظر في هذا الأمر بعد استيلاء تنظيم «داعش» على أجزاء كبيرة من الأراضي السورية والعراقية. وكان إسهام بريطانيا ضمن التحالف الدولي ضد «داعش» يتمثل في ثماني طائرات، وهو أمر لا يذكر. ومن المتوقع أن يتم تجميد الإنفاق على الدفاع في العام المقبل.
وعندما ذهبت ميركل إلى مينسك وبيلاروسيا للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشهر الماضي، أخذت معها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند كـ«ورقة توت»، متجاهلة البريطانيين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news