الخلايا النائمة ونقص السلاح أسهما في إضعافها

العشائر العراقية السنية تـدفـــــع ثمن وقوفها ضد «داعش»

صورة

لاتزال الحرب مستمرة في العراق ضد المجموعات المتطرفة، إلا أن المعركة لم تحسم بعد، ولم تتمكن الضربات الجوية التي تقوم بها الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها في القضاء على تنظيم «داعش» حتى الآن. ويقول زعماء العشائر السنية التي انضمت إلى المعركة ضد التنظيم، إن الأخير زرع خلايا في كل مكان، الأمر الذي أعاق جهودهم.

ويقول شيوخ قبائل في الأنبار إن الخلايا النائمة داخل العشائر تتواصل مع التنظيم، وتجعل مهمة محاربته صعبة. واستفاق قائد عشيرة البونمر، الشيخ نعيم الكعود، قبل الفجر، الأسبوع الماضي، على أنباء هجوم لعناصر «داعش» على المناطق التي تسيطر عليها عشيرته على بعد 120 كيلومترا شمال بغداد، ولأن عناصر التنظيم كانوا متفوقين من حيث العتاد والسلاح، فقد تمكنوا من السيطرة على 15 قرية وأسر العشرات من أفراد العشيرة. وبمقتل خمسة من أفرادها، ارتفع عدد ضحايا القتال ضد التنظيم إلى 744، حسب الكعود، جميعهم من قبيلة البونمر.

جدل

مع استمرار المعارك في الأنبار، وسيطرة «داعش» على مساحات واسعة من المحافظة، لايزال الاتجاه لتسليح عشائر العراق السنة يثير الكثير من الجدل. ويرفض البعض الاتجاه إلى تسليح العشائر لمواجهة التنظيم، ويرون أن مثل هذه الخطوة تؤدي إلى تعميق الانقسام في العراق، ووجود مجموعة من القوى المسلحة بدلاً من وجود جيش عراقي واحد. وفي ذلك يقول خبراء قانونيون، إن تسليح العشائر يعني تكوين ميليشيات مسلحة تعود تبعيتها إلى شيوخ العشائر، وتأتمر بأوامرهم وتنفذ رغباتهم ومواقفهم، وفقاً لعلاقاتهم ومواقفهم الشخصية، وهذا يخالف المنطق الدستوري في حصر السلاح بيد الدولة.

وقد ارتكب التنظيم مذبحة في حق العشيرة في أواخر أكتوبر الماضي وبداية نوفمبر، إذ أعدم نحو 500 شخص، في رسالة واضحة إلى العشائر العراقية للتفكير جيداً قبل الانضمام إلى التحالف ضد «داعش»، الذي يسعى للحفاظ على مكتسباته على الأرض. وفي رسالة نصية على الهاتف، هدد زعيم في التنظيم المتطرف شيخ عشيرة البونمر، بأنه سيرفع راية «داعش» رغم أنوف أبناء العشيرة وفي معاقلهم، بينما اضطرت العشائر السنية لاختيار أحد الجانبين، إما أن توالي «داعش» أو أن تكون في صف محاربيه، فيما جلبت انقسامات جديدة واقعا جديدا مع تراكم العداوات في محافظة الأنبار، التي تمزق النسيج الاجتماعي العراقي السني، الأمر الذي لم يحدث من قبل. ويقول القادة المحليون ان التنظيم يمارس سياسة التخويف لتقويض قدرة أي عشيرة على الرد، وذلك باستخدام الخلايا النائمة والتطهير المنهجي للأشخاص المناهضين له داخل العشيرة.

والنتيجة أن «داعش» أثبت للعشائر أنه أصعب بكثير من تنظيم «القاعدة في العراق» الذي تمت محاربته من قبل مجموعات سنية (الصحوات) خلال الفترة ما بين 2006 و2008، بدعم من الولايات المتحدة. ويقول الكعود، «يعتبرنا التنظيم عملاء للأميركيين، لأننا نرفض جميع الإرهابيين»، موضحاً «نحن ننزف ونموت بشكل يومي، ونحتاج إلى دعم بالسلاح، لأنه إذا توقف الدعم فلن نتمكن من القتال». ويؤكد شيخ العشيرة أنه لا يوجد عتاد أو سلاح لمعركة قادمة، كما أن هناك نقصاً كبيراً في الغذاء أيضاً.

وفي السياق ذاته، صرح وزير الخارجية الأميركي جون كيري قبل أيام أن أكثر من 1000 ضربة جوية نفذتها الطائرات الأميركية أسهمت في «وقف» زخم التنظيم في العراق وسورية. وفي الواقع، قتل 10 من عناصر «داعش» الأسبوع الماضي بعد غارتين قام بهما الطيران الأميركي على جبهة عشيرة البونمر، حسب الكعود، الذي يؤكد أن الطائرات تحلق في السماء «في كل وقت». ولكن ذلك لم يكن كافياً لإنقاذ القرى أو 40 فردا من أبناء العشيرة الذين وقعوا في الأسر، ويخشى شيخ القبيلة أن يتم إعدامهم. ولم تجلب مكالمة من مكتب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلا «الوعود»، ولم تبدد مخاوف الكعود وأبناء العشيرة.

بعد مقتل المئات من عشيرة البونمر، شكلت عشائر سنية تحالفاً للثأر من «داعش»، حسب زعيم عشيرة أبوفهد، الشيخ جبار الفهداوي. ومازالت آثار الحرب التي خاضها ضد «القاعدة» في 2007 واضحة على جسد شيخ القبيلة، كما أنه أصيب برصاصة عندما كان يقود هجوماً ضد التنظيم في أغسطس الماضي. ويقول فهداوي «هذا التحالف من أجل معركة البقاء، أو إنها معركة الموت»، مضيفاً «الأشخاص الذين يقاتلون الآن فقدوا أبناءهم أو آباءهم أو أعمامهم أو أبناء عمومتهم، إذاً فهم مستمرون في القتال». ويقول شيخ العشيرة الغاضب، «مجزرة البونمر رسالة للعشائر الأخرى تقول: إذا أصررتم على قتالنا فإننا نفعل بأبنائكم الشيء نفسه»، مستدركاً «حتى لو استسلم مقاتلون من داعش بعد هذه المجزرة فإننا سنقتلهم؛ لنبعث برسالة إلى التنظيم أننا نستطيع قتلهم أيضاً دون رحمة». ومنذ أواسط نوفمبر، يقول فهداوي، خسر «داعش» 10 من مقاتليه يومياً في معارك ضد العشائر، كما أن عدد القتلى بين عناصره قد يصل إلى 200 في بعض المعارك. يحتفظ الفهداوي بصور جثث مقاتلين، على هاتفه النقال، يقول إنها لعناصر في التنظيم المتطرف، ويلاحظ في الصورة جثة شخص بملامح آسيوية قتل بالرصاص وقد غطى التراب جسمه.

ويعترف رجال العشائر بأن المعركة ضد التنظيم المتطرف أصعب بكثير من المعركة التي خاضوها قبل سنوات ضد تنظيم «القاعدة» في العراق، إذ إن معظم عناصر الأخير كانوا من جنسيات غير عراقية جاءوا «للجهاد» ضد القوات الأميركية، وكانوا يستخدمون أسلحة خفيفة وقنابل محلية الصنع. ونظراً لتصرفات «القاعدة» الشنيعة، التي تمثلت في قطع الرؤوس، والاستفزاز والخطف، فقد ثارت عشائر المنطقة السنية ضدهم، ما شجع القوات الأميركية على الدخول على الخط، والمساعدة الفعالة من خلال الإمداد بالسلاح، ودفع الرواتب للمقاتلين. في المقابل، يمتلك تنظيم «داعش» اليوم ترسانة كبيرة من الأسلحة، تتضمن معدات ثقيلة وعربات مصفحة، كان قد استولى عليها بعد فرار الجنود العراقيين من ثكناتهم. كما أن العديد من العراقيين السنة انضموا إلى «داعش». ويعرف هؤلاء ثغرات عشائرهم، ونقاط الضعف العسكرية، ما يساعد على استغلالها بشكل فعال في المعارك.

يقول الكعود، «سلاحنا الرئيس هو الرشاش الروسي (أ.ك. 47)، وهذا يعد لا شيء في مثل هذه المعارك». ويوضح شيخ قبيلة البونمر «لا تريد الحكومة تقديم الدعم لنا، وتقول إن الأسلحة ستذهب إلى مقاتلي داعش، لكن التنظيم ليس بحاجة إليها، لأنه يملك بالفعل ترسانة أكبر بكثير». كما استفاد «داعش» من الخلايا النائمة ضمن العشائر، التي نشطت بقوة في الآونة الأخيرة في جمع معلومات مهمة حول مناطق العشائر، وحيازة قاعدة بيانات رقمية تستخدم عند الحاجة. وعند نقاط التفتيش، يقول شيوخ القبائل، يتأكد عناصر التنظيم من أي شخص بواسطة الكمبيوتر، ويكشفون عن ماضيه العسكري وما إن كان قد انضم إلى الجيش العراقي، أو خدم في أي جهة حكومية، أو تعاون مع القوات الأميركية؛ وذلك بفضل المعلومات التي جمعتها الخلايا النائمة.

يقول الفهداوي إن أفراد من العشائر (الخلايا النائمة) يقومون باغتيال رجال في هذه العشيرة، أو تلك، ويزرعون قنابل محلية الصنع على جانب الطرقات دون أن يعرف بهم أحد. ويقول شيخ القبيلة إن الخلايا النائمة بدأت في الظهور مع إحكام «داعش» سيطرته على مناطق في العراق.

تويتر