التطبيع الأميركي للعلاقات مع كوبا يغيّر نظامها

لم يكن إعلان الولايات المتحدة بدء إجراءات تطبيع العلاقات مع كوبا ورفع الحصار عنها اختراقاً دبلوماسياً، أو تغييراً جوهرياً في موقف واشنطن، وإنما كان نتيجة لضغوط شركات أميركية تسعى الى الاستثمار وتحقيق الأرباح والاستفادة من الفرص في هذا المجال الى أبعد مدى ممكن. وعلى الرغم مما حققته كوبا من خطوات تقدم في مختلف المجالات في العقود الأخيرة، فإن نظامها السياسي المستند الى الفلسفة الاشتراكية، ومبدأ تدخل الدولة وكثير من الأفكار الشيوعية، مازال عقبة في طريق التطور، كما يعتقد كثير من المحللين، ولاسيما في الغرب.

وينبغي على الكوبيين أن يدركوا أن التطبيع الأميركي لن يأتي بإعادة السفارة الأميركية في هافانا فحسب، بل سيجلب معه الأموال الأميركية الضخمة أيضاً، التي سيكون لها تاثيرها القوي في الاقتصاد الكوبي الهش. كما يتعين علينا ان نعي أن السفارة الاميركية ستكون بيتاً طبيعياً لعناصر الاستخبارات المركزية الأميركية، الذين سينهمكون في جمع المعلومات بما تشمله من تفاصيل عن كل شيء في كوبا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. كما سيكون للسفارة الأميركية دور رائد وحاسم في ظهور المنظمات والجماعات غير الحكومية، التي سيكون أعضاؤها على أهبة الاستعداد للاستجابة لأي دعوة للخروج في تظاهرات الى الشوارع كما حدث في العاصمة الأوكرانية كييف. كما ستساعد هذه الجماعات من خلال نشاطها واشنطن على إبراز وتلميع جيل جديد من القيادات السياسية التي تقود عملية التغيير في كوبا، لكن على الطريقة الأميركية وليس غيرها.

وبكلمات أخرى فإن تطبيع العلاقات الأميركية الكوبية يعني تغيير النظام في هافانا لتصبح كوبا خلال فترة قصيرة من الدول التي تدور في فلك النفوذ الأميركي. ويقول عضو «الكونغرس»، الجمهوري ماركو روبيو وغيره من الجمهوريين والمحافظين، إن الرئيس الكوبي السابق فيديل كاسترو كان رجلاً سيئاً، لأنه حول قطعة من الجنة الى سجن وسط البحر الكاريبي، وإن تطبيع العلاقات بين البلدين لا يعطي الشرعية لنظام كاسترو.

ويتجاهل روبيو والمحافظون الحديث عن وجود معتقل غوانتامو السيئ الذكر، الذي أساء كثيراً إلى صورة الولايات المتحدة في العالم، والذي أقامته واشنطن في 2001 على طرف جزيرة كوبا، ليتعرض فيه المئات من الأشخاص ــ ومعظمهم أبرياء ــ لأبشع أنواع التعذيب وانتهاك الحقوق الأساسية للإنسان.

وفي المقابل، فإن الثورة الكوبية تعهدت منذ اليوم الأول من انطلاقها بتحرير الكوبيين من نظام الديكتاتور باتيستا ومن أي شكل من أشكال السيطرة الاجنبية، الأمر الذي دفع الحكومات الأميركية المتعاقبة الى مناصبتها العداء ورفض رفع الحصار عن كوبا، على الرغم من اعتراف كثير من المسؤولين وأعضاء «الكونغرس» بأن تأثير هذا الحصار تراجع كثيراً في العقدين الأخيرين.

واعتبر مؤيدو الرئيس الأميركي باراك أوباما إعلانه بدء إجراءات التطبيع مع كوبا ورفع الحصار عنها أنه انتصار وإنجاز له، في الوقت الذي أبدى الجمهوريون تحفظاتهم. غير أن السيناتور راند بول العضو الجمهوري في «الكونغرس»، والمرجح أن يرشح نفسه لانتخابات الرئاسة، كان له موقف مختلف، إذ رحب بالخطوة وقال إن «التطبيع الأميركي مع هافانا ربما كان فكرة جيدة، وإن الحصار الأميركي على كوبا الذي استمر أكثر من خمسة عقود لم يحقق النتائج المرجوة، وكان فاشلاً الى حد كبير». وأضاف أنه إذا كان الهدف تغيير النظام الكوبي فإن إجراءات التطبيع لن تفلح في ذلك وستكون عقاباً للشعب الكوبي وليس النظام، وأن الكثير من الشباب الأميركيين من اصل كوبي يدعمون تعزيز التجارة مع كوبا، وأن المزارعين الأميركيين يرون فيها سوقاً لمنتجاتهم. من جانبها، قالت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، إنها «تدعم خطوة الرئيس أوباما باعتماد التغيير تجاه كوبا، وطموحات الشعب الكوبي في الحرية».

ويرى منتقدو إعلان أوباما أن نظام كاسترو مازال يعتمد فلسفة الفكر الشمولي، وينتهج سياسة بوليسية ويشجعه في ذلك صلاته مع روسيا، وإيران، وكوريا الشمالية، وفنزويلا.

روبرت كريغ روبرتس كاتب ومحلل صحافي أميركي.. والمقال منشور في موقع «فورن بوليسي جورنال».

 

الأكثر مشاركة