التزام أميركي مفتوح لمحاربــــة «داعش» ومطاردته إلى «أبواب الجحيـــم»

هل تستطيع الولايات المتحدة أن تفكك تنظيم «داعش» وتدمره بالكامل، كما وعد الرئيس الأميركي باراك أوباما، الأربعاء الماضي، من دون الانجرار إلى صراع مفتوح آخر في المنطقة؟ نأمل أن يتم ذلك من دون أن تطارد أميركا «داعش» إلى «أبواب الجحيم»، كما قال نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأسبوع الماضي، لأن مثل هذا الالتزام المفتوح من قبل أميركا لمطاردة «داعش»من شأنه أن يعفي بعض دول المنطقة من مسألة حل مشكلاتها الخاصة بنفسها، ويصبح بالتالي خطأً استراتيجياً ترتكبه أميركا، إذ لا يتوجب على أميركا أن تتحمل وحدها التكلفة من حيث النفقات والخسائر البشرية، بل ينبغي أن تتحمل دول المنطقة مثل هذه التكلفة، لأن السياسة المعطوبة لبعض هذه الدول هي التي جعلت «داعش» يطل إلى الوجود، ولكن مع ذلك فإن هذه الدول ليس من المتوقع أن تهزم «داعش»عسكرياً من دون مساعدة الولايات المتحدة.

 

حدود أخلاقية للحرب ضد «داعش»

هناك حدود أخلاقية للدعم الذي يمكن أن يقدمه الرأي العام الغربي لأي عملية من هذه العمليات. وعلينا أن نتذكر قول المؤرخ الروماني، كورنيليوس تاسيتوس، الذي وصف جهود مكافحة التمرد الروماني في بريطانيا

«خلقوا أرضاً قفراً وأطلقوا عليها السلام»، ولهذا فإن إبادة «داعش» هي زلة من زلات اللسان، ولكنها ستكون ندبة في العينين في وقت لاحق، عندما نرى مدى الانتقام من المدنيين الذين كانوا يعيشون في مناطق «داعش» بعد تحريرها، الذين قد يتهمون بالتواطؤ مع «داعش» وتقديم الدعم له، ولهذا فهناك احتمال كبير في أن ترتكب القوات المحلية الكثير من الفظائع، ونتيجة لذلك سيتبخر الدعم الشعبي الغربي لهذه العمليات.

تردّد أوباما

يتساءل معارضو أوباما، سواء من اليمين أو اليسار، لماذا لا يكون واضحاً في خططه لمحاربة «داعش»؟ فإذا كانت إدارته أعلنت الحرب على «داعش» فلماذا هذا التردد؟ العام الماضي، دعا أوباما الكونغرس لإلغاء قانون يجيز العمل العسكري ضد «القاعدة» تمت إجازته بعد أحداث9/11، ويبرر ذلك بقوله: «إذا لم نفكر بشكل سليم فسوف ننجر إلى المزيد من حروب لسنا بحاجة إلى خوضها»، والآن صار أوباما عرضة بالفعل إلى ما حذر منه، إذ إن إدارته تعتمد في مبرراتها في الهجوم على «داعش» على قانون محاربة القاعدة نفسه الذي لم يتم إلغاؤه بعد.

عندما خاضت القوات الغربية الحرب في أفغانستان عام 2001، وفي العراق عام 2003، استطاعت أن تهزم بسرعة قوات تلك الدول. ولكن في ما بعد أخذ الغرب على عاتقه مسؤولية محاربة الجماعات المسلحة في تلك المناطق. وعمليات المتابعة هذه، التي عشتها كضابط مشاة في جنوب أفغانستان، لم تكن تختلف عن السياسة المحلية، لأن ذلك يتضمن معالجة جميع المشكلات التي أدت إلى ظهور هذه الحركات المسلحة، مثل سوء الإدارة والفساد، وحقوق الأراضي، والتمييز العرقي.

ولهذا نرى أن الهدف العسكري المتمثل في هزيمة العدو يتطور إلى التزام مفتوح لتحقيق الاستقرار في السياسة والمجتمع المدني.

 

مشهد أفغانستان

ساعد أوباما في عام 2011 دون قصد منه في وضع الأساس لحالة الفوضى الموجودة حالياً في العراق بسبب سحبه القوات الأميركية من هذه الدولة العربية في وقت غير ملائم، ما خلق فراغاً أطلق عليه أوباما «السلام». الآن عاد مرة أخرى خجلاً عاقداً إصبعيه، هذا التردد يعيد نفسه في أفغانستان، فقد ذكر أوباما، الأسبوع الماضي، أن الحملة على «داعش» في الشرق الأوسط لن يكون لها أي تأثير في الجدول الزمني لإنهاء المهمة القتالية الأميركية في أفغانستان. والفرق الوحيد بين العراق في عام 2011 وأفغانستان اليوم هو مشهد عودة طالبان.

ولا يحتاج الأمر لمزيد من التفكير في إمكانية زعزعتهم استقرار باكستان. وبالمقارنة مع «داعش»، فمن السهل أن نتصور حجم الأزمة التي ستحيق بأفغانستان وباكستان بسبب طالبان.

 

دول المنطقة

ومن المنطقي بالنسبة للولايات المتحدة أن تقود المرحلة الأولى من العمل العسكري، لمنع «داعش» من السيطرة على مزيد من المناطق، وذلك عن طريق ضرب قواته عند ظهورها في العراء، وضرب قياداتها من الجو. ومع ذلك، إذا كانت المهمة ستظل ضمن حدود واضحة، فإن ذلك لا يلزم أميركا تحمل مسؤولية ضرب «داعش» بشكل مستديم، وينبغي أن تقع هذه المسؤولية على الجهات المحلية والدول الإقليمية، لأن أمنهم في المقام الأول على المحك، ويتطلب تحقيق استقرار طويل الأجل لهزيمة التمرد، يتطلب منهم إصلاح سياساتهم.

وستواجه أي مهمة غربية، مهما كانت محدودة، العديد من الصعاب، لأن العديد من المناطق لا توجد بها قوى محلية مناسبة يمكنها أن تتلقى الدعم الغربي. وفي هذه الأماكن قد يضطر «داعش» الى العمل سراً، ولكن تحركاته ستستمر ويمكن رصدها.

وتبدو هذه المشكلة بشكل أكثر وضوحاً في سورية خارج حزام الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد في شمال البلاد، لكنها تمثل صعوبة أيضاً في المناطق العراقية غير الكردية، حيث انتفاضة القبائل السنية ضد «داعش» هي مجرد «تمنيات طيبة» لا يسندها الواقع لأسباب ليس أقلها تعرض السنة هناك للتعذيب بشكل سيئ خلال حكم رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي. والمشكلة الرئيسة هنا هي السياسة التي تنتهجها بغداد نفسها، والتي لا يمكن لأي عمل عسكري غربي إصلاحها. حتى في المناطق التي تتفوق فيها القوات المحلية على «داعش» هناك القليل جداً الذي يستطيع الغرب القيام به لصياغة السياسة على أرض الواقع، لاسيما إذا كانت هذه القوات تتحرك في مناطق لا تتمتع بالديمقراطية. وهذا يعني أن هذا العدو المشترك لا يمكن محاربته ضمن أهداف سياسية مشتركة.

 

الحالة الليبية

يطالب البعض الغرب بالقيام بدور أكبر في المنطقة، ويدللون على ذلك بالدرس الليبي عندما لم يسعَ الغرب إلى إعادة تشكيل السياسة المحلية بعد هزيمة العدو المشترك، وهو العقيد القذافي، فقد دعم الغرب فصائل الثوار، التي انشطرت في ما بعد، وكانت النتيجة هي الفوضى. إلا أن أوجه الخلاف بين الوضع في سورية والعراق من ناحية وبين ليبيا من ناحية أخرى هو أنه على الرغم من الخلافات بين الفصائل، فلايزال الأكراد يشكلون كياناً سياسياً متماسكاً في المنطقة التي تتمتع بحكم ذاتي شمال العراق، وإلى حد أقل في سورية. وقد تستطيع بغداد أن تسيطر على غرب العراق إذا تمكنت من الوصول إلى تسوية مع القبائل السنية.

ولكن في المناطق غير الكردية في سورية فإن الأمور تبدو أكثر صعوبة هناك، حيث إن نظام الرئيس السوري بشار الأسد هو القوة السياسية الوحيدة المتماسكة.

أما الثوار المعتدلون «الجيش السوري الحر» فهم في حالة من الفوضى، وكثير من أسلحتهم انتهى بها المطاف في أيدي الإسلاميين المتشددين، وسيتمخض دعمهم عن الوضع الفاشل نفسه في ليبيا.

 

دروس

دروس العقد الماضي تدل على أن مثل العمليات العسكرية المحددة بوضوح تعني أن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية على الأكثر خلال المرحلة الأولى، وليس التعامل الدائم مع «داعش»، وهي المرحلة التي يستطيع فيها الرأي الغربي مساندة هذه القوات.

ويتمثل البديل في الالتزام بالدخول في معركة طويلة لإزالة الضغوط على دول المنطقة، لكن كل من يدعو لمثل هذا الخيار عليه أن يضع في اعتباره أن الرأي العام الغربي ليس على استعداد لتحمل التكلفة، وأن الحقيقة ليست كذلك.

أميل سيمثون الكاتب زميل في مدرسة هارفارد كينيدي للإدارة الحكومية، ومؤلف كتاب «الحرب من الأرض فما فوق».

 

الأكثر مشاركة