الأسباب تعود بشكل مباشر إلى انهيار النظام التعليمي قبل ربع قرن

موريتانيا أكثر عُرضة لمدّ «التــــــطرف» المتعاظم على الساحل الإفـريــقي

صورة

على الرغم من الحملة الأمنية المكثفة، التي ساعدت على كبح سلسلة من الاغتيالات ومحاولات التفجيرات الانتحارية، التي عانتها موريتانيا حتى عام 2011، فإن هناك مخاوف متزايدة من أن عدم الاستقرار في الجزائر ومالي المجاورتين قد يمتد عبر الحدود إلى هذه البلاد، ويقول الخبراء إن الموريتانيين من أعضاء مجموعات تنظيم «القاعدة» الإقليميين المنشقين، يواصلون التحرك داخل البلاد وخارجها.

وقبل فترة قصيرة اندمجت مجموعة موريتانية قيادية، هي حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، مع المجموعة التي نفذت الهجوم على منشأة للغاز في عين إميناس، والذي أدى بدوره إلى مقتل 39 في الجزائر المجاورة العام الماضي. ويروي تقرير صادر عن لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم البريطاني، الشهر الماضي، أن «جبهة جديدة من العنف الأصولي انفتحت على ساحل الصحراء الغربية»، وحذر التقرير من أن موريتانيا من المحتمل أن تكون عرضة لما حدث في مالي المجاورة نفسه، والتي استولى الجهاديون على شمالها عام 2012، وكوّنوا دويلة صغيرة خضعت أشهراً عدة لأحكام تنظيم «القاعدة».

ونجحت الحكومة الموريتانية في القضاء على الهجمات العنيفة في الوقت الراهن، إلا أن مسؤولين ودبلوماسيين يعتقدون أن هذا المجتمع المحافظ يوفر - على نحو متزايد - تربة خصبة لتجنيد المتشددين. وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة 6.8% هذا العام، إلا أن نحو 42% من مجموع السكان البالغ تعدادهم أربعة ملايين نسمة يعيشون تحت خط الفقر، وأن خُمس السكان على الأقل يعانون نقص الوزن، وأكثر من 40% من البالغين أميون، ويصف أحد كبار المسؤولين في الحكومة التعليم بأنه «فاشل تماما، أو كارثي».

وقد حاولت حكومة محمد ولد عبدالعزيز - وهو ضابط سابق، قاد انقلابا على الحكومة وتم انتخابه رئيسا عام 2009 - معالجة تهديد التطرف بمزيج من إجراءات أمنية صارمة، ومنهج أكثر مرونة وابتكارا. واستطاع الجيش الموريتاني أن يهاجم منتسبي «القاعدة» عبر الحدود مع مالي، ويقيم منطقة عسكرية عازلة مع سلسلة من الحاميات المأهولة في الصحراء الموريتانية الشمالية الشرقية الشاسعة. لكن على الرغم من هذه التدابير الأمنية فإن تعليمات الشركات لا تسمح للأجانب بمغادرة سياراتهم، خوفا من الاختطاف في مدن التعدين الواقعة في الصحراء، ويتهم نشطاء حقوق الإنسان الحكومة بتعذيب السجناء المحتجزين بتهم تتعلق بالإرهاب لانتزاع الاعترافات منهم.

وفي محاولة استكمالية، للحيلولة دون انضمام الشباب الساخطين إلى الجماعات المتطرفة، نظمت الحكومة حوارا تداوليا بين الجهاديين المسجونين وعلماء الدين الإسلامي المعتدلين، من بينهم السيد رجل الدين المعروف حمدين التاه، وتأمل أن يساعد «الحوار الروحي» على تحويل الناس بعيدا عن ممارسة العنف. ويقول الإمام التاه إن «الأذكياء منهم عبروا عن أسفهم لما ارتكبوه من عنف، غير أن الآخرين لم يفعلوا ذلك»، ويكمل الإمام إن هذا الفكر السلفي، الذي يفسر الدين تفسيرا حرفيا، الذي يتبعه العديد من الجهاديين، هو أمر جديد على البلاد، وانتشر عن طريق التعليم الأجنبي، والكتب، ووسائل الإعلام والبضائع المستوردة.

إلا أن خبراء مكافحة الإرهاب يحذرون من أن جهود الحكومة في علاج التشدد تركز فقط على الأعراض دون الأسباب، ويعتقد دبلوماسي غربي أن «الكثير من أسباب التطرف تعود بشكل مباشر إلى انهيار النظام التعليمي قبل 20 إلى 25 عاما، ويمكن أن ينطبق هذا الوضع على كل بلد إفريقي، إنها قضية كبيرة»، ويعتقد أن معظم من ينضمون إلى الحركات الجهادية لا تحركهم دوافع دينية، وإنما خيارات الحياة المحدودة، والتهميش، والرغبة في أن يصبحوا جزءا من حركة أكبر. ويضيف «يصبح الشخص أكثر عرضة للانضمام لهذه الحركات، ليس بسبب تطرفه ولكن بسبب الباب الموصد في وجهه لفترة طويلة».

وجود منظمات إسلامية ممولة جيدا يشكل أيضا تهديدا سياسيا، فقد أغلقت الحكومة الشهر الماضي منظمة المستقبل، الجمعية الخيرية الإسلامية التي يرأسها عالم أكاديمي مشهور. ويتهم مسؤولون المنظمة بان لها ارتباطاً بجماعة الإخوان المسلمين، وحزب التواصل، وهو حزب إسلامي محلي أحرز العام الماضي المركز الثاني في استطلاعات الرأي على الصعيد الوطني، مستفيدا من مقاطعة أحزاب معارضة أخرى لهذا الاستطلاع.

ويقول وزير الدفاع، أحمدو ولد عيدي ولد محمد راضي «أغلقنا منظمة المستقبل وصادرنا أملاكها، لأننا نعتقد أن أموالها تأتي من الخارج، وتدعي المنظمة أن أنشطتها تتمثل في مستقبل الدعوة والثقافة والتعليم». وأقر حزب التواصل بأنه يحتفظ بروابط مع جماعة الإخوان المسلمين في شمال إفريقيا وتركيا وفلسطين والخليج، لكنه ينفي الاستفادة من أي تمويل أجنبي أو أنه يريد فرض قواعد صارمة، مثل أن ترتدي النساء الحجاب. ويقول رئيس التواصل، محمد جميل ولد منصور «صحيح أننا نفضل أن يكون المجتمع بهذه الطريقة، لكننا نريد أن تعتقد النساء بصحة هذه الممارسات».

وتبرهن احتجاجات الشوارع، أخيرا، والتي قتل فيها شخص واحد - على تزايد تسييس الإسلام، ففي مارس خرجت الناس إلى الشوارع، بعد شائعات بأن شخصا ما مزق القرآن في مسجد. وفي يناير الماضي طالب الناس بإعدام شاب دين بالردة.

ويقول دبلوماسي غربي في نواكشوط «تتجه البلاد ببطء ولكن بثبات، لتصبح أكثر تدينا ومحافظة»، «وتتمثل المشكلة في احتكار حزب التواصل الدعوة إلى العمل بالدين الإسلامي». ولهذا السبب سعى ولد عبدالعزيز إلى إطلاق حوار ديني، وبرنامج إذاعي إسلامي جديد، ويتعاطف علنا مع المتظاهرين ويتواصل مع الشباب.

تويتر