وفاة 100 شخص بسبب الجوع والعطش والمرض

حصار مخيم اليرموك أصبح مرعباً حدّ الموت

صورة

في السفارة الفلسطينية في بيروت أتاحت لي امرأة فلسطينية الاطلاع على شريط فيديو يصور فلسطينياً من أبناء مخيم اليرموك المحاصر في سورية، وهو يذبح قطة ويأكلها. لا حاجة للتأكيد أن المواد الغذائية نفدت من المخيم، وأنه لا يوجد فيه ما يمكن أن يؤكل، وأن 18 ألفاً من سكانه يواجهون الموت جوعاً، وأن الحصار الذي يمسك بخناق المخيم منذ يوليو الماضي، تشتد قبضته ساعة بعد أخرى، حتى أصبح وحشياً وقاتلاً ومرعباً حد الموت. وأصبح الفلسطينيون في هذا المخيم مستهدفين في سياق الصراع الطائفي، حيث أغرقهم الحصار في سراديب الجوع والعطش والمرض لينتقص الموت منهم حصة يومية، وليس هذا بمستهجن في صراع يشاع فيه استخدام حصار المدنيين وتجويعهم واحداً من الأسلحة الفتاكة كالصراع في سورية، حيث يعاني سكان المدن والتجمعات والضواحي نفاد الامدادات الغذائية وصعوبة الحصول على الخدمات الاساسية، كما هو الحال في أحياء الزهراء في حلب والبلدة القديمة في حمص، والغوطة الشرقية وداريا، ومعظمية الشام في ريف دمشق. وقتل اثنان من أبناء مخيم اليرموك بعد احتجاجهما على استمرار محاصرة المخيم، بينما تعرض اثنان آخران للتعذيب قبل قتلهما. واصدر المفوض العام لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فيليبو غراندي، الشهر الماضي، بياناً عبر فيه عن قلقه المتزايد إزاء الوضع العام الناجم عن استمرار حصار المخيم، وقال فيه: «منذ سبتمبر الماضي لم نتمكن من دخول المخيم لتوصيل وتوزيع الامدادات الغذائية والتموينية». ووضعت القوانين والمواثيق الدولية لحقوق الانسان في المقام الأول وبصورة خاصة لمنع استهداف المدنيين بالقتل والاختطاف والتعذيب والتجويع والتعطيش. كما أن مبادئ هذه القوانين ولوائحها وأحكامها تشدد على حماية المدنيين، وتدعو إلى ملاحقة مرتكبي التجاوزات والجرائم بحقهم جنائياً وقضائياً. وبغض النظر عن الطرف المسؤول عن حصار مخيم اليرموك، فإن المطلوب من كل الأطراف المتصارعة إبداء الاحترام لمواثيق جنيف، والمبادرة إلى رفع الحصار، وفي حال الرفض فإنها تخاطر بملاحقة قادتها قانونياً، لتقديمهم إلى محكمة جنائية دولية خاصة بسورية. ومن المفترض أن يدفع مجرد التلويح بتشكيل مثل هذه المحكمة بالأطراف المعنية إلى المبادرة برفع الحصار فوراً عن المخيم. وعلى الرغم مما أعلنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس والتصريحات والمواقف التي سجلها مسؤولون وممثلو الفصائل الفلسطينية، لاسيما تلك الوفود التي زارت سورية بشأن حيادية الموقف الفلسطيني من مجريات الصراع في سورية، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لوقف استهداف أحياء المخيم بالقصف، وتأمين السماح بدخول قوافل المساعدات الانسانية. ولكن تبقى هناك نافذة الامل، بعد موجة الاستنكار العربي والدولي لما يتعرض له مخيم اليرموك، في أن تتحرك روسيا في الضغط على الحكومة السورية لتحمل مسؤولياتها بشأن نصيبها من مسألة رفع الحصار. وفي هذا الشأن يقول رئيس تحرير صحيفة الاخبار اللبنانية، ابراهيم الأمين، إن الفلسطينيين يتحملون مسؤولية ما يعانيه مخيم اليرموك، لأنهم كانوا يتمتعون بمجال أوسع من حقوق الحياة، وغيرها من الحقوق المدنية، أكثر مما يتمتعون به في لبنان، ويتساءل أمين: ما الذي يدفع الفلسطينيين أو يضطرهم إلى تأييد الاطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد ونظامه. إن الموقف الفلسطيني الواضح والمعلن وغير المعلن رسمياً وشعبياً من الازمة السورية، والذي يؤكد الحرص الفلسطيني على عدم التدخل بأي حال من الأحوال في هذه الازمة، يجعل ما يقوله رئيس تحرير «الأخبار» اللبنانية ليس إلا هراء وسخافات بعيدة عن الحقيقة، وتفتقد إلى دليل.

وعلى مدى الأشهر الأربعة الاخيرة بلغ عدد الوفيات من أبناء المخيم بسبب الجوع والعطش والأمراض 100 شخص. ويقول الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إن لجنة تحقيق تابعة لمجلس حقوق الانسان التابع لها خلصت الى انه كانت هناك انتهاكات يومية خطيرة لحقوق الانسان وجرائم حرب، واخرى ضد الانسانية، وأن جميع الاطراف المتصارعة متورطة في هذه التجاوزات والجرائم، ولم تُبدِ أي اهتمام او جدية بشأن مسؤولياتها في ما يتعلق بالقوانين المتصلة بحقوق الإنسان.

فرانكلين لامب - كاتب ومحلل سياسي أميركي

تويتر