مخاوف من امتداد رقعة النار إلى المنطقة واشتعال حرب عالمية ثالثة
انقسامات أميركية حول الضربة المحتملة ضد سورية
على الرغم مما قاله وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأسبوع الماضي بأن لدى الإدارة الأميركية أدلة ثابتة «لا يمكن دحضها» على استخدام نظام الرئيس السوري بشار الأسد أسلحة كيماوية ضد المدنيين، إلا أنه لم يتم الكشف أو الإعلان عن أي من هذه الأدلة. وأفضل ما يستطيع البيت الأبيض القيام به هو التأكيد على «ثقة واشنطن» في ما تقول بشأن استخدام تلك الأسلحة في سورية. وسواء أكان هناك دليلاً أم لم يكن، فإنه من الواضح أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يعمل على تضخيم الأزمة في سورية وتعميقها لتوجيه ضربة للقوة العسكرية لنظام الأسد. واستناداً إلى تقرير لـ«نيويورك تايمز»، فإن أوباما أصدر توجيهاته للبنتاغون (وزارة الدفاع)، بوضع قائمة بالأهداف الأساسية والمهمة في سورية التي يمكن توجيه الضربات إليها، وأن عدد المواقع التي تقع فيها هذه الأهداف يزيد على 50 موقعاً. ويقول البيت الأبيض إن القوات البرية الأميركية لن تدخل الأراضي السورية بشكل أو بآخر، وإن الهجمات الأميركية ستقتصر على القاذفات والمقاتلات والصواريخ على الرغم من أن كيري أشار إلى أن دخول قوات برية أميركية إلى سورية أمر وارد وغير مستبعد. ومنذ بدء الأزمة في سورية قبل أكثر من عامين ونصف العام تقدم الولايات المتحدة دعماً مادياً وعسكرياً ومساعدات فنية وأخرى في مجال التدريب للثوار المعارضين لنظام الأسد، ولا تخفي تأييدها القوي لأي خطط للإطاحة بهذا النظام وتشكيل قيادة معارضة موحدة قوية لإدارة دفة الصراع مع هذا النظام. ويعتقد المسؤولون في واشنطن وعواصم غربية أخرى أن ارتباط بعض فصائل المعارضة السورية المسلحة بـ«تنظيم القاعدة» يزيد الأمور تعقيداً ويزيد من حساسية موقف الغرب في العمل للإطاحة بنظام الأسد.
وتعارض روسيا والصين بكل قوة وصراحة أي خطط أميركية للاشتراك في معادلة الصراع في سورية باعتبار أن ذلك سيكون سبباً في اتساع شرارة ما يجري إلى بقية المنطقة، وتهددان باستخدام حق الفيتو ضد أي هجوم يشنه أوباما مهما كانت طبيعته وحجمه. وتسعى الولايات المتحدة بشتى السبل إلى شيطنة روسيا لتنفيذ أهدافها في سورية. غير أن دمشق وموسكو المتحالفتين منذ عقود تعتقدان أن أهداف واشنطن هي تغيير النظام وليس تحقيق الديمقراطية. ولا يمكن تصنيف الحروب في العراق وأفغانستان وليبيا إلا في إطار هذه الأهداف. وثمة سبب آخر لمعارضة أي هجوم أميركي هو أن الأمم المتحدة التي انطلت عليها أكاذيب إدارة الرئيس السابق جورج بوش بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية، ستسعى إلى استيضاح كل شيء بشأن العدد الحقيقي لضحايا استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية الذين يراوح عددهم بين 350 و1400 بحسب تقديرات كيري. وطبقاً لاستطلاعات الرأي فإن أغلبية الأميركيين يعارضون خطط واشنطن لشن هجوم على سورية، بمن فيهم الليبراليون والنساء والأميركيون من أصل إفريقي، وقسم كبير من الجمهوريين الذين اختاروا العزلة والاستقلالية في الموقف. غير أن مشكلة أوباما هي مع الديمقراطيين. ويقول المنسق العام لحركة «أنسر» (جواب) الشعبية التي تدعو إلى تنظيم تظاهرات عارمة في كبريات المدن الأميركية تعبيراً عن رفض الهجوم على سورية، بريان بيكر «يجتهد أوباما وكيري في الإعلام الأميركي لتعميم الصورة العامة بأنه لا يمكن تجنب أمر أصبح حتمياً، وهدفهم في حقيقة الأمر نزع الطابع الأخلاقي عن كل حركة شعبية تناهض الحرب».
ويضيف بيكر «نرفض بشدة فكرة أن الهجوم على سورية أصبح حتمياً ولا مفر منه، ونعتقد أن صانعي الحرب والمروجين لها ليست لديهم كل أسباب القوة وعناصرها وأن غالبية الشعب الأميركي ترفض أي حرب جديدة ». وهناك انقسامات عميقة في أوساط النخب والمؤسسات السياسية والاقتصادية الأميركية حول الخطط لشن هجوم على بلد في قلب الشرق الأوسط، انطلاقاً من مخاوف تقول إنه من اليسير بدء أي حرب لكن لا يمكن التحكم في حجمها ومداها، إضافة إلى أنه لا يمكن لمشعل شرارتها أن ينهيها وقتما يريد. وفي حال الهجوم على سورية، فإن الاحتمالات كبيرة لامتداد رقعة النار إلى المنطقة واشتعال حرب عالمية ثالثة. صحيح ومؤلم أن استخدام الاسلحة الكيماوية جريمة نكراء، لكن هنا مساحة كبيرة للجدل والشكوك حول الطرف الذي ارتكب هذه الجريمة، وهناك قطاع كبير من الرأي العام العالمي مقتنع بأن الأسد أو أي مسؤول في نظامه لم يصدر أي أمر باستخدام تلك الأسلحة، ولا يستبعد ان يكون أحد الفصائل أو جزء ضئيل ساخط من القوات الحكومية السورية أخذ هذا الامر على عاتقه ومسؤوليته بهدف الإساءة إلى الأسد وزيادة الشبهات حوله.
وتقوم الشكوك في ما وصفه كيري بالأدلة غير القابلة للدحض والتفنيد على فرضية أن الأسد لا يفتقد لحس المنطق، أي انه يدرك أن إصداره الأوامر باستخدام الأسلحة الكيماوية يعني اختراق «الخط الأحمر» الذي وضعه أوباما وأن هزيمته القاتلة قد تكمن في خطوة أي قرارغير ضروري.
وعلى الرغم من عدم وضوح أسباب قرار أوباما بمهاجمة سورية إلا أنه أخذ أمرين في الاعتبار، الاول: خشيته من اعتبار الآخرين له بأنه زعيم ضعيف سياسياً داخلياً وخارجياً ما يكرس صورة سلبية للولايات المتحدة «كعملاق عاجز عن مد يد المساعدة»، بعد أن كان قد توعد بالرد بقوة وعنف على أي اختراق للخطوط الحمراء التي سبق له تحديدها، منها استخدام الأسلحة الكيماوية. والثاني: أنه وجد نفسه مدفوعاً لاتخاذ عمل عسكري ضد القوات الحكومية في سورية التي كانت تحقق تقدما وانتصارات واضحة وتقترب من حسم الصراع لمصلحتها، على الرغم مما قاله كيري من ان المعارضة تزداد قوة ويتدفق عليها مقاتلون من مختلف أنحاء العالم، لكن مع ميل كفة الصراع لمصلحتها بوضوح ما الذي يدفع القوات الحكومية إلى خطوة تعطي الولايات المتحدة مبررا قويا لمهاجمتها وإلحاق ضرر كبير بقوتها العسكرية؟ وفي واقع الحال فإن أوباما يحسب حساب ما يقوم به مقاتلو الفصائل السلفية المتطرفة في حال وقعت أيديهم على أسلحة كيماوية أكثر بكثير مما تقوم به القوات الحكومية، فقد أشار أخيراً أكثر من مرة إلى ما تشكله أسلحة سورية من خطورة بالنسبة للولايات المتحدة. ويعتقد أوباما أن باستطاعته استبدال الأسد بزعيم معتدل تختاره المعارضة السورية الموحدة، غير أن المسلحين السلفيين المتطرفين لا يتناغمون معه في هذه الرغبة ولا يشاركون في اللعبة، ولا يبدون أي اهتمام بالاعتدال والتسامح والديمقراطية والحوار مع الطوائف والاديان الأخرى.
وبعد أن خذل الاتحاد الأوروبي والفاتيكان إدارة أوباما في تأييد قرارها مهاجمة سورية، توجهت تلك الادارة إلى الكونغرس الاميركي للحصول على مباركته لخطوتها ثم يعلن أوباما في نهاية المطاف أن الشعب الاميركي هو الذي اتخذ القرار من خلال ممثليه لمعاقبة نظام مستبد يقتل شعبه بالغازات السامة.
وبدلاً من تشجيع الحرب يتعين على دول العالم التحرك من خلال الأمم المتحدة لتشجيع الأطراف المعنية في سورية على التوصل لوقف لإطلاق النار والدخول في مفاوضات للخروج من الأزمة، فمازال من الممكن تجنب الحرب وأهوالها، لكن عنصر الوقت له أهميته الكبيرة. وفي حين يرغب معظم الأميركيين في السلام مازال معظمهم غير مدرك بعمق لعناصرالأزمة وحقائقها ومتأثراً بالإعلام الذي يحرض على الحرب، ويستغرق الأمر جهداً جباراً ومكثفاً ومتواصلاً من القوى والجماعات المناهضة للحرب لإبعاد شبح هذه الحرب.
جاك سميث كاتب ومحلل سياسي أميركي، والمقال منشور في موقع «فورن بوليسي جورنال»
روسيا وأميركا
تسعى الولايات المتحدة بشتى السبل إلى شيطنة روسيا لتنفيذ أهدافها في سورية، غير أن دمشق وموسكو المتحالفتين منذ عقود تعتقدان أن أهداف واشنطن هي تغيير النظام وليس تحقيق الديمقراطية.
تردد أوباما
على الرغم من عدم وضوح أسباب قرارأوباما بمهاجمة سورية إلا أنه أخذ أمرين في الاعتبار، الأول: خشيته من اعتبار الآخرين له بأنه زعيم ضعيف سياسياً داخلياً وخارجياً ما يكرس صورة سلبية للولايات المتحدة اكعملاق عاجز عن مد يد المساعدةب، بعد أن كان قد توعد بالرد بقوة وعنف على أي اختراق للخطوط الحمراء التي سبق له تحديدها منها استخدام الأسلحة الكيماوية، والثاني: أنه وجد نفسه مدفوعاً لاتخاذ عمل عسكري ضد القوات الحكومية في سورية التي كانت تحقق تقدماً وانتصارات واضحة وتقترب من حسم الصراع لمصلحتها، على الرغم مما قاله كيري من أن المعارضة تزداد قوة ويتدفق عليها مقاتلون من مختلف أنحاء العالم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news