أفراد الطائفة السنية انصرفوا إلى العمل بالتجارة

لبنان يفتقر إلى زعامة بوزن الحريري

دوريات للجيش اللبناني في أحد شوارع طرابلس. رويترز

شكلت استفزازات الزعيم الديني السني السلفي لـ«حزب الله» والجيش اللبناني، جنوب لبنان، تهديدا بتصعيد انتشار الحرب الطائفية في الشرق الأوسط، لكنّ القادة السلفيين في لبنان لا يستطيعون الادعاء أنهم يتحدثون باسم جميع الطائفة السنية المنقسمة بصورة عميقة، والتي لاتزال تبحث عن نوع من قيادة تتسم بالكفاءة السياسية والميلشيوية، ما يسمح لها بتحدي «حزب الله» بصورة حقيقية.

ومن الواضح أن الشيخ السلفي أحمد الأسير لديه مهمة، تتجلى في تأجيج الحرب الأهلية في سورية المجاورة، وإنتاج ما يكفي من التوتر الطائفي في لبنان، لإجبار اللبنانيين السنة على الوقوف في وجه سيطرة «حزب الله». وجاء الاستفزاز الأخير للشيخ الأسير، هذا الأسبوع، عندما منح أعضاء «حزب الله» تاريخا محددا، لإخلاء شققهم التي يقيمون بها في مدينة صيدا، حيث يسيطر الأسير وأتباعه على مجمع بالقرب من مسجد بلال بن رباح في حي ابرا. وعندما تحرك الجيش اللبناني إلى معقل الأسير، مساء الأحد الماضي، تعرض أفراده لرصاص القنص من رجال الأسير المسلحين، ونشبت الاشتباكات خلال الليل واليوم التالي، وأصبح تهديد انتشار الاشتباكات واضحا بالنظر إلى وجود الميليشيات من «جند الشام» و«فتح الاسلام»، في منطقة التعمير بالقرب من مخيم عين الحلوة، الذين بدأوا بإطلاق النار على جنود الجيش. ومع نهاية يوم الاثنين قتل ‬16 جندياً من الجيش و‬20 من المسلحين، وتمكن الأسير من الفرار، ولا يدري أحد مكان وجوده بالضبط.

ولم تكن خطة الأسير ينقصها الطموح، فقد جرى توقيت هذه العملية بعد دور «حزب الله» في تغيير موازين القوى، في معركة القوى بين النظام السوري والمعارضة، لذلك أراد الأسير لفت انتباه «حزب الله» إلى الخلف أي إلى الداخل اللبناني، كي ينشر قواته على نحو واسع في لبنان، الأمر الذي يمنح السنة فرصة أفضل لمقاتلتهم، وتقول الشائعات إن رجال الأسير هم نحو ‬1000 رجل يتدربون في قرية وادي بيسري، وهي معقل للدروز شرق صيدا، ووادي عيون السمك في تلال دينيا، شمال لبنان.

وكانت محاولة الأسير لجذب القوات الامنية إلى المسجد مقصودة لإثارة الحساسيات الدينية، وتقويض صدقية الجيش اللبناني. وعلى الرغم من أن الجيش منقسم على نحو عميق من الناحية العرقية والطائفية، إلا أن «حزب الله» تمكن ـ خلال العقود الثلاثة الماضية ـ من بناء نفوذ كبير داخل الأجهزة الامنية، ونجح في إدخال العديد من المتعاطفين مع الطائفة الشيعية إلى المراتب العليا بالجيش، وكان هدف الأسير تحطيم الجيش، ودفع الجنود السنة إلى الانضمام إلى دعوته في الجهاد ضد «حزب الله»، وكان الأسير قد ظهر على موقع «يوتيوب» مرتديا ملابس سوداء، وإلى جانبه بندقية وهو يحث الجنود السنة على ترك الجيش، الذي اتهمه بأنه يدار من قبل الشيعة بصورة شاملة، خصوصا إيران، و«حزب الله»، وحركة «أمل»، التي يرأسها نبيه بري. لكن العملية التي قام بها الأسير لم تنتج الآثار المرجوة، مثل انقسام الجيش، وتشكيل انتفاضة سنية شاملة، وإنما على العكس، فإن الجيش اللبناني لايزال متماسكا في محاولته احتواء الأسير وأتباعه. وفي هذه الأثناء، فإن دول الجامعة العربية، والسياسيين اللبنانيين من مختلف الطوائف يؤكدون دعمهم للجيش، ضد الأسير، الذي يرون خطوته متطرفة ومتهورة، ويبدو أن السنة اللبنانيين ومؤيديهم من خارج لبنان غير مستعدين للوثوق بقائد مثل الأسير، في هذا الميدان الذي يزداد طائفية.

ولطالما كان الافتقار للقيادة القوية والموثوقة هو نقطة ضعف الطائفة السنية في لبنان، ومنذ مقتل رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري عام ‬2005، أصبح السنة مشتتين بين السياسيين غير الملهمين، والقادة السلفيين من الدرجة الثانية، بحثا عن التوجه الذي يمكن أن يتخذوه، لكن الشيعة والمسيحيين المارونيين والدروز يحتفظون بميليشيات محترفة، ومسلحة جيدا، في حين أن السنة يفتقدون امتلاك مثل هذه الميليشيات المسلحة، وعلى الرغم من أن الأقليات المضطهدة في لبنان أنشات ميليشيات من مناطقهم الجبلية، إلا أن «حزب الله»، وحركة «أمل»، حصلا على شرعية ميليشياتهما من الغزو الإسرائيلي للبنان عام ‬1982. ومن ناحية أخرى، فإن السنة ظلوا أكثر اهتماما بالانخراط في التجارة من معاقلهم الساحلية، تاركين أمر الميليشيات إلى العديد من الجماعات الفلسطينية والسلفيين الأجانب، الذين استخدموا مخيمات اللاجئين الكبيرة قاعدة لعملياتهم. ويمثل فراغ السلطة في المناطق اللبنانية السنية مشكلة لحركة المقاومة الاسلامية (حماس)، التي لها وجود مهم في المخيمات الفلسطينية، وهي مثل «حزب الله» حصلت على شرعيتها من تقديم نفسها باعتبارها المقاومة الرئيسة ضد إسرائيل. وفي الماضي، كان العدو المشترك مثل إسرائيل يسمح للمنظمات بتجاوز الانقسامات الطائفية، وتستطيع «حماس» الحصول على شحنات السلاح من إيران و«حزب الله» وتدريب مقاتليها، من دون أن يظهروا خونة لطائفتهم.

ولكن الأزمة السورية أسهمت في تأجيج المشاعر الطائفية، وعلى الرغم من أن «حزب الله» اعترف علنا بإرسال آلاف المقاتلين إلى سورية، إلا أن ثمة شائعات تقول إن «حماس» أسهمت في حرب القصير لتقوية السنة الموجودين هناك، ونشرت «حماس» أيضا بيانا دعت فيه «حزب الله» إلى «سحب قواته من سورية، وإبقاء أسلحته موجهة ضد العدو الصهيوني». وفي الوقت ذاته، أكد قادة «حماس» و«حزب الله»، أنهم سيسربون تفاصيل اجتماعاتهم «السرية»، ببيروت في ‬17 يونيو الجاري، حيث أنكر القادة من الطرفين وجود أي خلافات بين المنظمتين. وخلال الاشتباكات الأخيرة بين الجيش والميليشيات قرب عين الحلوة، لعبت «حماس» دورا رئيسا في محاولة التوصل إلى وقف لإطلاق النار عبر المفاوضات، بدلا من استفزازات الأسير.

وبالنظر إلى أنه من غير المحتمل أن تقوم الطائفة السنية برمتها بدعم أي من القوى الجهادية العاملة في المنطقة، فإن «حماس» ربما تكون حركة الميليشيا الأكثر كفاءة ووحدة في المنطقة، التي تشكل تحديا لـ«حزب الله» في سورية ولبنان، لكن قدرات «حماس» محدودة مقارنة بـ«حزب الله»، كما أن أولوية الحركة تظل مركزة في غزة. وبناء عليه ليس من المستغرب إحجام «حماس» عن الانخراط في صراع مفتوح مع ميليشيا «حزب الله» القوية. وفي هذه الأثناء فإن الطائفة السنية اللبنانية المنقسمة، ستظل تنتظر إلى حين ظهور قائد يمكن أن يقود الطائفة، ومن الواضح أن الأسير ليس هو الرجل المناسب لهذه المهمة.

 

تويتر