الطريق ممهد أمام مستشارة أوباما للأمن القومي

رايس ستعيد جسور التفاهم مع الفريق المحيط بأوباما. غيتي

التحاليل الصحافية الأولية، التي صاحبت استعدادات سفيرة أميركا في الأمم المتحدة المنتهية ولايتها، سوزان رايس، لخلافة مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي، توم دونيلون، لم يحالفها الصواب، حيث ركز المحللون السياسيون على مواجهتها العام الماضي مع الجمهوريين في الكونغرس، بشأن الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي، الذي قلل من حظوظها على نحو فعال كمرشحة لخلافة وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون.

وهذا يعني بالنسبة لهؤلاء المحللون أن تلك الحادثة سوف تنتقص بشدة من قدرتها على إنجاز الأمور في واشنطن، إلا أن رايس ستتخذ دون شك خطوات لرأب الصدع، مع منتقديها في الكابيتول هيل، وما يحدد فاعليتها في النهاية ليس بالطبع تعاملها مع أعضاء مجلس الشيوخ (إذ لا يحتاج مستشار الأمن القومي إلى دعم منهم، ونادرا ما يظهر أمام لجان الكونغرس»، وإنما كيفية إدارة العلاقات داخل السلطة التنفيذية.

وسوف تنضم رايس إلى عملية تسير على ما يرام، وعلى النقيض من ذلك، عندما حل دونيلون محل جيمس جونز مستشارا للأمن القومي في خريف عام ‬2010، تنفس الكثير في مجتمع السياسة الخارجية الأميركية الصعداء، فقد كان جونز الرجل غير المناسب لهذا المنصب، أما دونيلون فقد كان يتمتع بالخبرة اللازمة، ويقدم خدماته الجيدة للرئيس بوصفه نائب مستشار الأمن القومي، وجاء تعيينه قرارا صائبا، ولم يكن دونيلون ذلك المفكر السياسي الكبير، كما هي الحال مع هنري كيسنجر في عهد الرئيس الأميركي السابق، ريتشارد نيكسون، أو في وزن زبيغنيو بريجنسكي، الذي خدم الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر.

وكان البعض يعتقد أن أوباما بحاجة إلى كيسنجر أو بريجنسكي جديد ليقودا خطاه، إلا أن هذا الرئيس دائما ما يتمتع بشعور واضح على نحو غير عادي بما يريد القيام به، وما لا يريد للقيام به في العالم، كما أنه ولدرجة لافتة للنظر، يعمل بنفسه مديرا للعمليات الخاصة به. وظل دونيلون يعمل دون كلل ضمن هذه القيود الموضوعية والإجرائية، ويرى أن دوره يتمثل في دعم أوباما وربطه بالمصادر الرئيسة للمعلومات والمشورة، ولهذا ظل على رأس القضايا، واحتفظ بسجل يبين من الذي يعمل داخل الإدارة الأميركية، وإلى أي شيء يدعو. وبشأن المسائل الشائكة، مثل الحرب الدامية بسورية، فقد كان يطالب من يدعو الادارة بالاهتمام المتعمق بالحرب الأهلية بسورية، أن يقدم خطة موثوقاً بها للخروج من تلك الأزمة قبل أن تمضي بلاده عميقا داخل المعمعة، ولم يفعل أحد ذلك، وظلت الولايات المتحدة بعيدة عن هذه النقطة الساخنة، وبسبب هذا النهج العملي الشامل والمؤثر الذي انتهجه دونيلون يحتمل أن يبتسم التاريخ للفترة التي قضاها في هذا المنصب.

خيارات أمام رايس

وباختياره رايس لخلافة دونيلون، فإن أوباما قدم الدعم لمسؤولة كبيرة موهوبة في الادارة، تربطه معها علاقة شخصية راسخة، وهذا أمر جيد طالما أنها ستعمل بشكل وثيق مع الرئيس، يوما بيوم، بشكل أكثر من أي مستشار سياسة خارجية آخر، كما أن صيانة وتعميق هذه العلاقة سيظلان المسؤولية الأساسية لرايس، طالما أن تلك العلاقة ستمثل الأساس في كل ما ستحققه من أهداف. وما وراء ذلك فإنها ستواجه خيارا أساسيا: هل ستعطي أولوية للدور الأساسي لمجلس الأمن القومي، المتمثل في الإشراف والادارة للعملية السياسة الخارجية؟ أم أنها مثلها مثل بعضا من أسلافها البارزين، ستعمل للتأكيد على مكانتها كمستشارة سياسية مؤثرة، مستغلة قربها من الرئيس لدفع السياسة في الاتجاه المفضل لها؟

ونعتقد بأنها ستمزج حتما بين كل هذه الخيارات، إذ إن أوباما يريد أن يتعرف إلى آرائها، وستقدم له ذلك، إلا أنها لكي تنجح في مثل هذا الاختبار عليها أن تسير على خطى دونيلون أكثر من سيرها خلف أفكار بريجنسكي، أي أن تقلل من ميولها السياسة الخاصة، وتركز على بناء علاقات، أو بعبارة أخرى أن تكسب ليس فقط ثقة الرئيس، لكن أيضا ثقة اللاعبين الكبار في السياسة الخارجية.

برنت سكوكروفت، الذي عمل مع الرئيسين جيرالد فورد، وجورج بوش الأب، يعتبر على نطاق واسع من أنجح مستشاري الأمن القومي، لماذا؟ لأنه شخص يلهم الثقة بوضوح، كما وصفته صحيفة «نيويورك تايمز» في ‬1988، عندما عينه بوش لهذا المنصب، لكن سرعان ما أدرك سكوكروفت أن هذا الإلهام لا يكفي، وأن الثقة شيء يجب اكتسابه مع هذه المجموعة الجديدة من الزملاء، وعلى وجه الخصوص وزير الخارجية جيمس بيكر. واكتشف أن الأمر سيستغرق سنة على الأقل لإخضاع تفضيلاته الخاصة، بينما يكسب ثقة اللاعبين الكبار بنقل وجهات نظرهم بدقة وبأمانة إلى الرئيس؛ والثقة بإبقائهم «في الصورة وإبلاغهم عند اتخاذ القرارات الرئيسة، وأعلن بعد سنوات لاحقة، أنه «إذا لم تكتسب ثقتهم، فهذا يعني أن النظام لا يعمل، لأنهم سوف يتجاوزونك للوصول إلى الرئيس، وبهذا تكون قد تسببت في كسر النظام». وبمجرد أن حصل على تلك الثقة أصبح سكوكروفت، بشكل انتقائي، من أكثر المدافعين الداعمين لحملة عسكرية لغزو العراق بعد غزوه للكويت.

لقد أحسنت رايس صنعا بأخذها بنصيحة سكوكروفت، لاسيما أنها ستحتاج إلى بناء علاقة مثمرة، مع رجل يمسك الآن بزمام الوظيفة التي كانت تطمح إليها ذات مرة، وهو وزير الخارجية، جون كيري، وبدا كيري في أيامه الأولى في هذه الوظيفة، على أنه رجل يفكر بعقل متزن ويضع أولوياته بنفسه، وأنه سيتعامل مباشرة مع الرئيس، وكما ينبغي أن يكون في الواقع، لكن بدا أن هناك الكثير من الأوقات، التي يتطلب فيها الأمر من الاثنين الاتصال مع بعضهما بعضا، ولكنهما لا يفعلان ذلك، وربما لا يستطيعان حتى التحدث على الهاتف.

وفي مثل هذه المناسبات، ينبغي من رايس أن تجعل من نفسها همزة الوصل بين الاثنين، حاملة المعلومات والنصائح من الوزير، والتوجيهات من الرئيس. وعندما تشعر بأن كيري يتحرك في اتجاه لا يرغب فيه أوباما، يتطلب الأمر، منها أن تخبره بذلك، وعليه أن يصدقها.

وعلى العكس من ذلك، ففي المجالات التي لديه فيها خبرة خاصة، فإنها تحتاج إلى التعرف إلى تلك الخبرة والاستفادة منها، على سبيل المثال، عندما تحتاج إلى قراءة جيدة لـ«الكابيتول هيل»، حيث عمل هناك لمدة ‬28 عاما، فربما عليه أن يمدها بتلك الخبرة.

كل مستشار أمن قومي يختلف عن الآخر، ولا توجد وسيلة واحدة لأداء هذه المهمة، فقد كان دونيلون يركز بشدة على الاجتماعات والأوراق، ونظرا لاختلاف أسلوب رايس، فإنها قد تحتاج إلى قدر قليل من الاثنين، وهذا في حد ذاته أمر جيد، إلا أن بناء الثقة بين الرئيس وفريقه من كبار المسؤولين، سيكون أفضل بالنسبة لها، فإذا استطاعت خليفة دونيلون تحقيق ذلك، والمحافظة عليه، فمن غير المرجح أن تتعرض للخطأ.

آي إم دستلر  أستاذ في كلية مريلاند للسياسة العامة والمؤلف المشارك، مع إيفو اتش دالدر، لكتاب «في ظل المكتب البيضاوي.. لمحات من مستشاري الأمن القومي والرؤساء الذين خدموهم».

 

تويتر