لن يغلق قريبا.. وظروف السجناء أقسى من حياة زملائهم في السجون الفيدرالية

‬5 خرافات حول سجن غوانتانامو

لا يبدو أن غوانتانامو سيغلق قريباً بسبب عدم تملك أوباما الإرادة لاتخاذ القرار. غيتي

كل يوم يزداد فيه عدد المعتقلين المضربين عن الطعام في معتقل غوانتانامو، احتجاجاً على ظروف الحياة اليومية في ذلك السجن، وعلى استمرار اعتقالهم من غير اتهام أو محاكمة. وإذا انتهى الإضراب دون تعرض احد للموت، فإن من الممكن، بل والمرجح، اجراء بعض التغييرات في ظروف السجن والمعتقلين، لتصبح السلطات الاميركية اكثر مرونة وانفتاحاً، على ما يتم طرحه من افكار ومقترحات.

وعلى الرغم من ان الرئيس الأميركي باراك اوباما تعهد خلال حملته الانتخابية في ‬2008 بإغلاق غوانتانامو، وأن يكون اتخاذ قرار بهذا الشأن احد اهم اولوياته فور دخوله البيت الابيض، الا أنه لم يتخذ مثل هذا القرار حتى الآن. وفي معرض تعليقه على ظروف المعتقلين في السجن المذكور اخيراً، تعهد اوباما بالعمل على دفع الامور للأحسن وتهيئة الظروف لإغلاقه. ويقول منتقدون لأوباما ان السجن يسيء كثيرا الى صورة الولايات المتحدة في العالم، وإن وجوده مناقض لقيمها، ويشجع على مزيد من الإرهاب.

وهناك خمسة أفكار خاطئة عن هذا السجن السيئ الذكر الذي ألحق اضراراً كبيرة بصورة الولايات المتحدة في العالم، بحيث يجعل المرء يعيد التفكير في ما يعتقد أنه معروف وواضح له.

 

أولاً: غوانتانامو مفتوح للتجارة والصفقات

يعتبر هذا السجن منفى لأنه يقع في خليج غوانتانامو في البحر الكاريبي، بعيداً عن الاراضي الأميركية، لذا يمكن القول انه ليس مغلقاً تماماً وليس مفتوحاً تماماً.

ولم تتم اضافة أي سجين فيه منذ ان اودعت السلطات فيه محمد رحيم الافغاني في مارس ‬2008، بعد اسابيع من اعلان الرئيس الاميركي آنذاك جورج بوش رغبته في اغلاق المعتقل. بل تم في الاشهر الاخيرة ترحيل عدد من السجناء- رغم انهم ليسوا مواطنين اميركيين- منه الى بعض السجون الفيدرالية، داخل الولايات المتحدة منهم ‬12 سجيناً موجودون الآن في منهاتن وبروكلين بانتظار محاكمتهم. ومن بين نزلاء غوانتانامو البالغ عددهم ‬166 سجينا هناك ‬86 تمت تصفيه حالاتهم واغلاق ملفاتهم، وستتم اعادتهم الى بلدانهم بعد تذليل العقبات السياسية والدبلوماسية القائمة بين الحكومة الاميركية ودولهم. وعلى سبيل المثال فقد عرقلت لجنة برلمانية يمنية تسيطر عليها المعارضة عملية نقل وتسليم بعض السجناء اليمنيين الى اليمن. ومنذ افتتاح غونتانامو في ‬2002 اعتمدت الحكومة الاميركية سياسة الاعتقال المفتوح بلا مدة زمنية أو نهاية.

ثانياً: يستحيل إغلاق السجن

إن تسوية اوضاع سجناء غوانتانامو مرهونة بالإرادة السياسية لإدارة اوباما، وحكومات الدول الاخرى المعنية بهؤلاء، ومدى تحلي الكونغرس الاميركي بالواقعية، التي تدفعه الى الثقة بأن قدرة الولايات المتحدة على محاربة الارهاب مستمرة، وإنها قادرة على اتخاذ تدابير واجراءات عملية قابلة للتنفيذ. وقد طلب اوباما أخيراً، من الكونغرس الموافقة على تخفيف القيود المفروضة على ترحيل المعتقلين ونقلهم. ويمكن لوزير الدفاع تشاك هاغل ممارسة السلطة الممنوحة له من قبل الكونغرس على اساس قانون التفويض الدفاعي لعام ‬2012 لإلغاء القيود على ترحيل السجناء الى بلدانهم. واستناداً الى تقديرات الحكومة فإن نسبة ضئيلة من السجناء الذين تم الافراج عنهم عادوا الى العنف. ولكن أجهزة الاستخبارات الأميركية ووكالات الدول الأخرى، قادرة وقت الضرورة على متابعة ورصد تحركات وانشطة السجناء بعد اطلاق سراحهم، أي انه يمكن رصد التهديدات الارهابية والتعامل معها من غير الاستمرار في اعتقال السجناء، ولا سيما اذا لم تتوافر معلومات تكفي لتوجيه اتهامات لهم، او ادانتهم بجرائم معينة.

 

ثالثاً: سجناء غوانتانامو يلقون معاملة أقسى من زملائهم في السجون الأميركية

تقول السلطات الأميركية إنه حتى بعد المواجهات الاخيرة بين الحراس والمعتقلين، فإنها اختارت ظروفاً حياتية يسيرة معقولة لهم، وكانت متسامحة معهم مقارنة بظروف السجون الاتحادية داخل الاراضي الاميركية، التي تم تحديد الاتصالات فيها في اضيق الحدود، ويقضي السجناء فيها ساعة واحدة من كل ‬24 ساعة في ضوء النهار، في حين يستمتع سجناء غوانتانامو بخدمات بعض جوانب الانترنت والتلفزيون، ويمارسون لعبة كرة القدم.

ولكن بعد الاضراب عن الطعام، الذي بدأ في فبراير الماضي وزيادة عنف المواجهات بين السجناء والحراس، تم تشديد القيود ولجأت سلطات السجن الى اطعامهم قسراً وبالإكراه، عن طريق الأنابيب التي يتم ادخالها في الانف، لتزيد معاناة المعتقلين في ظل ايام وأشهر تمضي من اعمارهم، بلا ادنى أمل في الافراج عنهم. ويقصد هؤلاء من اضرابهم عن الطعام، دفع الحكومة الاميركية الى القبول بموقفهم القائل ان تسوية اوضاعهم اما بالمحاكمة المختصة والعادلة، او التبرئة من الاتهامات، قد اصبح امراً ملحاً وضرورياً، ولا يمكن القبول بمواصلة اعتقالهم دون اتهام أو محاكمة.

رابعاً: اللجان العسكرية للمحاكمة توفر أفضل فرصة للإدانة

لم يأتِ قرار ادارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بتشكيل اللجان العسكرية لمحاكمة معتقلي غوانتانامو من فراغ، ولم يكن عبثاً، وإنما كان بهدف الوصول الى توجيه اتهامات معينة لهم، وادانتهم بجرائم معينة ضمن اطار الحرب على الارهاب. ولكن عمل هذه اللجان الذي بدأ في ‬2006 لم يسفر الا عن تجريم وادانة سبعة سجناء، بينما أظهر بقية السجناء تحديا لشرعية تلك اللجان وعملها، ورفضوا التعاون معها، في حين اعترف العشرات بجرائم تتصل بالإرهاب، وتمت ادانتهم امام محاكم فيدرالية اميركية.

وشهدت الاشهر الأخيرة جملة من الاعمال والمخالفات من جانب الحكومة، من شأنها إضعاف مشروعية عمل لجان المحاكمة، مثل اكتشاف أجهزة تصنت في غرف المحامين وكلاء الدفاع عن السجناء، لتسجيل ورصد ما يدور بينهم، والتجسس على البريد الالكتروني للسجناء، الذي اتاح للحكومة الاطلاع على ‬540 الف رسالة للسجناء ومحاميهم. كما أن قضاة فيدراليين رفيعي المستوى وخبراء في القانون، شككوا وطعنوا في قانونية وشرعية صلاحية اللجان، في محاكمة اولئك المعتقلين.

 

خامساً: غوانتانامو يضر كثيراً بسمعة أميركا

إذا انتهى اضراب السجناء بموتهم أو عدد منهم، فإن غوانتانامو سيصبح اداة اقوى وآلية اكثر فاعلية لتجنيد الارهابيين. وقد خسر اوباما الفرصة عندما لم يبدأ رئاسته الاولى بتوضيح كيفية وجوب معاملة السجناء، بقدر اكبر من العدل والانصاف والانسانية، مما كانوا يتلقونه من معاملة في عهد سلفه بوش، كما أن اوباما لم يوضح، ان أي تغيير ايجابي في معاملة السجناء وظروف حياتهم، قد يساعد على البدء في اصلاح وترميم سمعة الولايات المتحدة التي تضررت كثيراً بسبب غوانتانامو. ويتعين ان يتم تسريع اجراءات نقل المعتقلين وترحيلهم الى بلدانهم، كما أن دفع تعويضات مالية معقولة للسجناء لمساعدتهم في بدء حياة جديدة بعد عودتهم الى اوطانهم، سيسهم بشكل ملموس في مسح الصورة السيئة التي رسمها غوانتانامو، ويبدو أن واحداً من افضل الخيارات هو الإفراج عن السجناء الذين لا يمكن محاكمتهم، ووضع حد لسياسة الاعتقال المفتوح بلا نهاية وبلا اتهام.

كارين غرينبيرغ - مؤلفة كتاب «المكان الأقل سوءاً في العالم: أول ‬100 يوم في غوانتانامو»، مديرة مركز جامعة فوردهام للأمن القومي

تويتر