فرنسا تراهن على المعارضين السوريين مع اقتراب قرار تسليحهم

الجيش السوري الحر بحاجة إلى أسلحة نوعية لهزيمة الأسد. رويترز

كان يوما دافئا على الحدود التركية السورية، وكان سفير فرنسا لدى سورية، إريك شوفالييه، الذي استدعته في الآونة الأخيرة من دمشق، متخفيا هو ونائبه وضابط أمن.

وبعد التأكد من أن المنطقة آمنة، يخرج الدبلوماسي الفرنسي كمية من الأظرف البنية اللون محشوة بآلاف الدولارات، كان المتلقون هم مقاتلون من المعارضة، يعملون في مناطق لم تعد تحت سيطرة الرئيس السوري بشار الأسد.

هذا المشهد الذي حدث في سبتمبر من العام الماضي، ورواه مسؤولون فرنسيون يصلح لأن يكون مشهدا في فيلم جاسوسية، والآن تستعيد قوات الأسد ـ في ما يبدو ـ اليد العليا على ميدان المعركة، ويسبب التغير في ميزان القوى انزعاجا في العواصم الغربية والعربية، وبعد أن طالبوا الأسد بالتنحي لا يوجد أحد بين أعدائه مستعد للمغامرة بتقديم أسلحة مضادة للطائرات أو الدبابات يمكن أن تغير التوازن.

ومع انقسام المعارضة يخشى الغرب إمكانية سقوط الأسلحة في اليد الخطأ، خصوصا المتشددين المدعومين من «القاعدة»، و«جبهة النصرة» الاسلامية، ويريد «ضمانات» من مقاتلي المعارضة قبل تقديم أسلحة.

ولأنه من غير المرجح تقديم ضمانات مؤكدة، ونظراً لنفاد الوقت، فإن الطريقة التي طورت بها فرنسا شبكاتها في سورية منذ بدء الانتفاضة قبل أكثر من عامين تعطي فكرة عن الكيفية التي ستقيم بها القوى الغربية المساعدات العسكرية في المستقبل.

وقال دبلوماسي غربي «ليس من الممكن القول إننا واثقون بنسبة ‬100٪، إلى أين تذهب الأسلحة». وأضاف «لكن مخاطر وجود ثغرات، أقل من مخاطر أن نقف مكتوفي الأيدي».

وتأييد فرنسا النشط في مستعمرتها السابقة يرجع جزئيا إلى الرغبة في تأمين مصالحها التجارية، وهي تخشى تقلص فرص توحيد المعارضة، وكلما سادت الانقسامات لفترة أطول كلما طفت على السطح العناصر الاسلامية والتابعة لـ«القاعدة» المعارضة للغرب، والتي تشارك الآن بقوة في قتال قوات الأسد.

ومن الناحية النظرية، يمكن لفرنسا وبريطانيا تسليح المعارضة، بعد أن بذلت الدولتان مساعي لرفع الحظر على صادرات الأسلحة الأوروبية. وتقدم السعودية وقطر وتركيا بالفعل أسلحة خفيفة.

ومنذ بداية الانتفاضة تقريبا، حاولت باريس تطوير شبكات داخلية وكسب ثقة ناشطي المعارضة، وقبل استدعاء سفيرها من دمشق في مارس ‬2012، كانت السفارة تقوم بتهريب أدوية إلى مستشفيات مؤقتة وأغذية إلى المحتاجين، وبعد ستة أشهر أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس خطة لمساعدة ما سماه «المناطق المحررة» بشمال سورية، وكان الهدف بصفة أساسية هو الوصول الى المجتمعات المحلية التي لم تعد تحت سيطرة الأسد، ومساعدتها في تنشيط الادارة المحلية وعودة الاحتياجات الأساسية مثل المخابز.

وتمسكت باريس بنظام صارم، يتتبع كيفية إنفاق الاموال التي تقدمها، ولزم تقديم إيصالات وصور ما أمكن ذلك ولقطات مصورة لكل دولار ينفق، كما اعتمدت على مخبرين كانوا يبعثون بتقارير، وكان لمعظم «المجالس الثورية» فروع مدنية وعسكرية، وكانت الأجنحة العسكرية بمثابة أجنحة للجيش السوري الحر المعارض، ومكن ذلك باريس من رسم خريطة للمقاتلين.

وقال مسؤول فرنسي «لم تكن مشورات فنية، كانت في المقام الأول تطويرا لروابط اتصال بين المعارضة السياسية والمنشقين ومقاتلي المعارضة، حتى يمكنهم التحدث إلى بعضهم بعضاً، والموافقة على العمل معاً». وكان موضوع تقديم مدفعية لحماية تلك المناطق موضع بحث فعلي، وإن كانت العواقب اعتبرت بالغة التعقيد، وشعرت باريس بأنه إلى أن يتم تشكيل حكومة معارضة مشروعة، سيكون من غير الممكن تقديم دعم عسكري.

وكان هذا من الأسباب التي جعلت الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أول من يعترف بالائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية، في نوفمبر الماضي، فالائتلاف سيكون له جناح عسكري يمكن لباريس أن تتعامل معه.

واختفت الأظرف البنية اللون، وعلى الفور حولت فرنسا المساعدات التي تقدمها الى وحدة تنسيق المساعدات التابعة للائتلاف، التي تديرها نائبة الرئيس سهير الأتاسي. وبالتوازي مع ذلك حولت فرنسا أيضا مساعدات طبية وإنسانية بدرجة كبيرة الى الاتحاد السوري لمنظمات الاغاثة الطبية، وهو رابطة غير حكومية مقرها باريس تضم ‬14 منظمة.

وبينما يقول الاتحاد السوري لمنظمات الإغاثة الطبية، إنه لا ينحاز الى أي طرف، فإن لباريس رأيا في المكان الذي ترسل إليه تلك المساعدات، وهذا يمكنها من إجراء تحليل تفصيلي للتطورات على الأرض.

وقال عبيدة المفتي المسؤول بالاتحاد «أكبر تحدٍ، هو أن الدول الأخرى لا تريد أن تقدم أموالا الى منظمة غير حكومية ليست معروفة». وأضاف «الفرنسيون رسميون بدرجة كبيرة، نقدم مشروعنا والوثائق الخاصة به، وعلى الرغم من أنها أدوية فإنهم يطالبون بشروط تتبع شديدة القسوة».

ويصر الفرنسيون على ان هذه الشبكات الانسانية والطبية والمدنية، تم اختبارها «وتقدم خرائط» للمكان الذي يمكن أن تذهب إليه المساعدات في المستقبل.

وقال دبلوماسي فرنسي «يحتاج المرء الى الحصول على معلومات دقيقة عن هذه الجماعات المجزأة، لدينا ميزة صغيرة لأننا نجري منذ فترة طويلة اتصالات مباشرة في المناطق المحررة وسلمنا بالفعل مواد».

كان وسيطهم الرئيس خلال الشهور الستة الأخيرة هو رئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر اللواء سليم إدريس، الذي ينظر إليه المسؤولون الفرنسيون باحترام، وأرسلت من خلاله مساعدات غير فتاكة، راوحت بين سترات مقاومة للرصاص وأجهزة رؤية ليلية ومعدات اتصالات.

لكن هناك شكوك حول مدى صدقيته، ومن دون أموال وذخائر وأسلحة، فإنه يكافح لتأكيد سلطته على مجموعات مختلفة من المقاتلين، وصفه بعضها بأنه يشبه «مدرس المدرسة».

ويقول مسؤولون ان حل هذا الأمر يحتاج الى شيئين: الأول، هو ان الدول التي تقدم اسلحة للمعارضين يجب أن تنسق في ما بينها بدرجة أفضل، وتتأكد من أنها تعمل فقط من خلال إدريس. والثاني، هو أن الدول الغربية التي بقيت حذرة في تقديم أسلحة يجب أن توسع مجال مساعداتها، إما من حيث المعدات أو «المساعدة الفنية»، مثل تكتيكات المعارك، أو التدريب على الأسلحة.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية فيليب لاليو «اختبرنا عددا معينا من عناصر الجيش السوري الحر». وأضاف «بنينا ثقة وهذا هو النوع نفسه من الضمانات الذي نحبه بشأن الأسلحة». وفي نهاية الأمر، وحتى لا تسقط الأسلحة في اليد الخطأ يجب إيجاد سبل لتتبعها. وقال فابيوس الشهر الماضي، إن باريس تدرس سبل مراقبة وتحييد الأسلحة في ظل أحوال معينة. ووفقا لأحد المسؤولين فإن الخيارات تشمل برمجة استخدامها لفترة زمنية محددة، والحد من الذخيرة ووضع نظم عالمية لتحديد مواقعها وأيضا إبطال تشغيلها بالتحكم عن بعد.

وقال محرر شؤون الشرق الأوسط وإفريقيا بنشرة «جينز» العسكرية الأسبوعية جيريمي بيني «أتخيل أن يحدث هذا فقط مع الأسلحة الأكثر تقدما، مثل نظم الدفاع الجوي المحمولة، التي تطلق من على الكتف». وأضاف أنه «من الممكن فنيا أن تحصل على شيء لنزع أسلحتهم، لكن المهم هو ما هي التكاليف، وما هو الوقت الذي ستحتاج إليه».

تويتر