«سد النهضة» الإثيوبي يُربك القاهرة ويثير ذعرها

صورة

أثار إعلان أديس أبابا قبل أيام عن إنشاء سد النهضة الذي سيحتجز ‬74 مليار متر مكعب من المياه المتدفقة لنهر النيل ردود فعل غاضبة من قبل القاهرة، التي رأت في الخطوة الإثيوبية تعدياً على مصالحها القومية، وضربة لمشروعاتها التنموية، ومؤامرة لتجفيف مياه النيل التي تزود مصر بنحو ‬90٪ من احتياجاتها المائية.

ورأى بعض الخبراء أنه لابد من رد مصري حاسم على الخطوة الإثيوبية حتى وإن وصل الامر الى شن حرب ضدها، بينما رأى فريق آخر ان لإثيوبيا الحق في اقامة مشروعات توليد الكهرباء من مياه النيل، وان التفاهم القائم على روح التعاون وتعزيز المصالح المشتركة هو الأساس الذي لابد ان ينطلق منه التحرك المصري.

وهنا نعرض لوجهتي نظر مختلفتين تجاه المسألة تعميماً للفائدة:


حذّر من إبادة الشعب المصري إذا انهار السد الإثيوبي

بهجت الشيمي: المياه ستغرق القاهرة بعد ‬6 ساعات من انهيار السد العالي

حذّر الباحث في شؤون المياه والسدود، الدكتور بهجت الشيمي، من تعرض الشعب المصري للإبادة التامة، في حال أنشئ سد النهضة الإثيوبي وانهار بفعل تدني معدلات الأمان الخاصة به.

اتفاقات المياه

كانت الدول المتشاطئة على نهر النيل في السابق مستعمرات لدول أجنبية، ثم حصلت هذه الدول على استقلالها.

وظهر أول الاتفاقات لتقسيم مياه النيل عام ‬1902 في أديس أبابا، وعقدت بين بريطانيا بصفتها ممثلة لمصر والسودان وإثيوبيا، ونصَّت على عدم إقامة أي مشروعات، سواء على النيل الأزرق، أو بحيرة تانا ونهر السوباط، ثم اتفاقية بين بريطانيا وفرنسا عام ‬1906. وظهرت عام ‬1929 اتفاقية أخرى، وهذه الاتفاقية تتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، وأن لمصر الحق في الاعتراض في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده.

وهذه الاتفاقية كانت بين مصر وبريطانيا (التي كانت تمثل كينيا وتنزانيا والسودان وأوغندا) لتنظيم استفادة مصر من بحيرة فيكتوريا. وتم تخصيص نسبة ‬7.7٪ من تدفق المياه للسودان و‬92.3٪ لمصر.


«النهضة» في سطور

سد النهضة أو سد الألفية الكبير، هو سد إثيوبي قيد البناء يقع على النيل الأزرق بولاية بني شنقول - قماز بالقرب من الحدود الإثيوبية -السودانية، ويبعد عنها نحو ‬20 - ‬40 كيلومتراً. وعند اكتمال إنشائه يصبح أكبر سد كهرومائي في القارة الإفريقية، والعاشر عالمياً في قائمة أكبر السدود إنتاجاً للكهرباء، وتتجاوز كلفته أربعة مليارات دولار. وهو واحد من ثلاثة سدود تُشيد لغرض توليد الطاقة الكهرومائية في إثيوبيا. ويوجد قلق لدى خبراء مصريين بخصوص تأثيره في تدفق مياه النيل وحصة مصر منها.

وقال الشيمي لـ«الإمارات اليوم»، لن يكون هناك مصريون حال انهيار سد النهضة بسبب زلزال، أو زيادة غير طبيعية في معدل تدافع المياه خلفه نتيجة هطول أمطار كثيفة، او قيام إسرائيل بنسف السد عسكرياً.

وقال الباحث المتخصص في تأمين السدود، إن إثيوبيا اختارت منطقة ملاصقة لشرق السودان لاقامة سد النهضة واحتجاز ‬74 مليار متر مكعب خلفه، وهو ما يعني انه بانهيار السد ستنهار سدود السودان الثلاثة الروصيرص، ومروي، وسنار، وستختفي مدينة الخرطوم عن الوجود تماماً، كما ستندفع المياه بسرعة جنونية لتصل السد العالي بجنوب مصر في أقل من ثمانية عشر يوماً.

وأوضح الشيمي، أن أكثر من ‬100 مليار متر مكعب ستضاف الى ‬182 مليار في بحيرة ناصر، لتضرب السد العالي وتدمره.

وقال الباحث إن جميع الدراسات الهندسية والفنية أجمعت على ان انهيار السد العالي سيغرق مصر تماماً، وان المياه سوف تصل الى القاهرة بارتفاع تسعة امتار خلال ست ساعات فقط.

وأشار الشيمي إلى أنه لو تضافرت جهود العالم أجمع لإنقاذ المصريين فلن تفلح في ذلك إلا مع بضعة آلاف من بين ‬93 مليون مصري، موضحاً أن الدراسات الاثيوبية لسد النهضة والمستندة الى بيوت خبرة عالمية، تقول إن معدل أمان سد النهضة فقط ‬1،‬8 درجة مقارنة بالسد العالي، وهي ثماني درجات، منوهاً الى ان سرعة تدفق المياه أمام سد مصر نهاية مصب النهر، هي اقل بعشرات المرات من سرعة تدفقها من المنبع أمام السد الإثيوبي.

وأكد الشيمي أن تدمير مصر وإغراق شعبها هدف إسرائيلي استراتيجي، أفصح عنه وزير الخارجية السابق، أفيغدور ليبرمان، علانية عندما هدد بضرب السد العالي اكثر من مرة، وقال إن اسرائيل سوف تدمر السد اذا لم تدمره الطبيعة للتخلص من مصر والسودان في آن واحد.

وكشف الشيمي عن التعنت الاثيوبي مع الجانب المصري، اذ رفضت أديس أبابا ‬58 مشروعاً مصرياً لدول حوض النيل تتضمن تنمية دول الحوض، واقامة مشروعات لتوليد الطاقة والمياه العذبة.

وقال إن إثيوبيا تعتمد على الامطار بنسبة ‬98٪ من احتياجاتها المائية، وتبرر إقدامها على انشاء السد بحاجتها الى الكهرباء، لكنها رفضت جميع المشروعات المصرية في هذا الشأن، ومن بينها إقامة سدود صغيرة لتوليد الكهرباء لا تحتجز المياه عن مصر والسودان.

وقال الباحث إن مصر لن تقوم لها قائمة، حال إتمام سد النهضة، حتى اذا لم ينهَر، لانه يعني تلوث مياه بحيرة ناصر خلف السد العالي، وتوقف السد عن ضخ المياه، وبالتالي توقف الزراعة والسياحة، وهجرة المصريين الى خارج بلادهم.


العلاقات مع دول حوض النيل يجب أن تعتـــمد على التعاون

رئيس المجلس العربي للمياه: لا خيـار إلا التفـاوض مـع إثيوبيا

في تصريحات، خالفت رد الفعل المصري الغاضب على سد النهضة، التي تطرفت في بعضها الى ضرورة اعلان الحرب على إثيوبيا بعد اعلانها البدء في تشييد سد النهضة، شدد رئيس المجلس العربي للمياه ووزير الري السابق، محمود أبوزيد، على رفضه مجرد الحديث عن الحرب وضرورة اعتماد واعلان مصر طريق التفاوض مع إثيوبيا، للوصول الى اتفاق حول السد الذي سيحتجز ‬74 مليار متر مكعب من المياه المتدفقة لنهر النيل.

وقال أبوزيد، لـ«الإمارات اليوم»، إن العلاقات مع دول حوض النيل التي تنبع منها مياه نهر النيل، يجب ان تكون علاقات تعاون ومصالح مشتركة، رافضاً تماماً الحديث عن حلول عسكرية تزيد الامر تعقيداً، وقال إن محاولة استبدال نهر المياه الذي يمد المصريين بالحياة الى نهر من الدماء، لا يمكن ان يكون عملاً وطنياً، مشدداً على ان مخطط تحريك الكراهية والعداء من دولة محتلة في الشرق الى دول تمدنا بـ‬85٪ من احتياجاتنا المائية في الجنوب، لا يجب السماح به تحت اي ظرف من الظروف، وقال أبوزيد، من حق اثيوبيا ودول حوض النيل تنمية شعوبها، وتنمية هذه الشعوب تعتمد بشكل رئيس على توليد الطاقة، موضحاً أن سد النهضة الإثيوبي ينتج خمسة أضعاف السد العالي من الكهرباء، وتابع من السهل للغاية الوصول إلى اتفاق مع إثيوبيا يتضمن حقها في التنمية واقامة السدود، مع الحفاظ على حصتنا المائية، خصوصاً أن توليد الطاقة من سد النهضة لن يتم الا عبر تدفق المياه الى مصر، وقال يجب أن توضع الموارد المائية على قمة العمل السياسي في مصر. ودعا أبوزيد الى قمة افريقية بالقاهرة تشمل جميع رؤساء دول حوض النيل، للاتفاق حول بند واحد، وهو تأمين حق المصريين في الوجود عبر تدفق المياه، والحفاظ على حصتهم، وفي الوقت نفسه تأمين حق الافارقة في التنمية، وتلبية حاجات شعوبهم، وقال أبوزيد، انه نجح في الاتفاق مع دول حوض النيل على ‬43 بندا من ‬44 بنداً تضمنتها مبادرة دول حوض النيل التي تأسست عام ‬1999، موضحا ان بنداً وحيداً خاصاً بتأمين حق مصر والسودان لم يتفق عليه، وتم تحويله الى رؤساء دول حوض النيل، الذين فشلوا في الاجتماع والاتفاق عليه، واضاف ان فرص نجاح الاتفاق كبيرة، خصوصاً ان موارد حوض النيل من المياه تبلغ ‬1660 مليار متر مكعب تذهب كلها الى البرك والمستنقعات، ماعدا ‬84 مليار متر مكعب لدولتي المصب مصر والسودان، متسائلاً كيف يكون البحث والحديث والضجة الاعلامية عن ‬84 مليار متر، ويتم اغفال الحديث عن ‬1660 مليار، موضحاً أن لا بديل لمصر عن مياه نهر النيل، إذ إنها تعتمد على تأمين ‬85٪ من احتياجاتها المائية من النهر في الوقت الذي لا تحتاج فيه إثيوبيا الى مياه النيل، إذ إنها تستوفي ‬98٪ من احتياجاتها المائية من المطر، مشيراً الى دخول مصر في موقف حرج مائيا بعد تناقص نصيب الفرد الى ‬650 متراً مكعباً سنوياً، والمطلوب وصوله الى ‬1000 متر مكعب سنوياً لعبور خط الفقر، واضاف في عام ‬1959 كان عدد المصريين ‬20 مليوناً وحصتنا من المياه ‬55 مليار متر مكعب سنوياً، والان تجاوزنا الـ‬90 مليوناً والحصة لاتزال ثابتة.

ولم يستبعد أبوزيد دور إسرائيل في تشويه العلاقات مع دول حوض النيل، موضحاً أن اسرائيل تعتمد على ‬2 مليار متر مكعب من المياه، معظمها من مياه الصرف الصحي، وتحاول الحصول على حصة من نهر النيل عبر ترعة السلام من ناحية، إضافة الى سحب الجيش المصري من الشرق على حدودها إلى الجنوب.

تويتر