ينتظرون مساعدات أميركية ويرفضون الوصاية السياسية
استراتيجية واشنطن لمحاربة «الإرهــــاب» تثير سخط اليمنيين
القوات الأميركية الخاصة تنتشر في أماكن متفرقة من اليمن. أرشيفية
يبدو الفندق الدولي في صنعاء أشبه بثكنة عسكرية، فالأسلاك الشائكة المحيطة به والمتاريس التي وضعت لمنع الاقتراب منه توحي بأن المكان لم يعد كما كان في السابق. والواقع أن الولايات المتحدة استأجرت الفندق منذ أشهر ليكون مقراً لإدارة عملياتها ضد ما تسميه «الإرهاب»، ويقيم في الفندق الذي تحول إلى ثكنة عسكرية الدبلوماسيون وضباط المخابرات الأميركيون تحت حماية مشددة تؤمنها كتيبة من القوات الخاصة (المارينز). وغير بعيد عن السفارة الأميركية في صنعاء، أعلن الفندق «منطقة خضراء» من قبل السلطات اليمنية، ولكن بالتأكيد هي أقل مساحة وسكاناً من نظيرتها في بغداد. ويدل إقامة منطقة معزولة في صنعاء على تنامي الوجود الأميركي في الأشهر الأخيرة، في هذا البلد الذي يعاني الفوضى من سنوات.
وتظل الأرقام الرسمية طي الكتمان من قبل الأميركيين واليمنيين، إلا أنه من الواضح أن أعداد العسكريين والمدنيين الأميركيين في اليمن ارتفعت خمس مرات منذ بداية المساعدات الأميركية في 2007. وتقدم واشنطن مساعدة عسكرية ولوجستية مهمة ويوجد في البلاد قوات خاصة أميركية تنتشر في أماكن متفرقة من اليمن بما في ذلك قاعدة «الند» الجوية. وأشار استطلاع أجري في ربيع 2012 لمصلحة وزارة الخارجية الأميركية إلى أن أغلبية اليمنيين عبروا عن دعمهم للمشروعات التي تقوم بها أميركا من أجل تحسين الخدمات الأساسية، وكذا بناء المستشفيات والمدارس. في المقابل أعرب 46٪ من المستطلعة آراؤهم عن رفضهم التعاون مع الأميركيين في مكافحة المجموعات الإرهابية. في حين عارض 60٪ تقديم الدعم لأحزاب المعارضة. وخلصت نتائج الاستطلاع إلى أن اليمنيين ينتظرون مساعدات أميركية، ولكن يرفضون الوصاية السياسية.
يسعى السياسيون والمنظمات المدنية في اليمن بعد رحيل الرئيس علي عبدالله صالح، لوضع أسس ليمن جديد في إطار حوار وطني موسع من المتوقع أن يستمر ستة أشهر، وفي هذا السياق بدا اهتمام اليمنيين بالسياسة الأميركية في بلادهم لافت في النقاشات. ولم يتردد أحد كتاب الأعمدة في وصف السفير الأميركي في اليمن، جيرارد فيرشتاين، بأنه «دكتاتور جديد».
وتكافئ القوات الأميركية الجندي من المارينز الذي يقضي أو يقبض على عنصر في تنظيم القاعدة بثلاثة كيلوغرامات من الذهب (ما يعادل 23 ألف دولار). ويستهدف المسلحون القواعد العسكرية اليمنية التي يشتبه في أن تستضيف قوات أميركية بشكل دائم. في غضون ذلك ندد سياسيون وأعضاء في البرلمان ومدافعون عن حقوق الإنسان بالوضع الأمني المتردي و«السياسة المهووسة» التي تتجاهل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها المواطن اليمني. وفي هذا السياق تكثف المنظمات غير الحكومية التظاهرات والاحتجاجات للتنديد بـ«سياسة الطائرات من دون طيار»، ولفت انتباه الرأي العام المحلي والدولي إلى ضحايا القصف من المدنيين بهذا النوع من الطائرات.
وبالنسبة للسياسي البارز إبراهيم المثنى، فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما «خذل» اليمنيين باستمراره في السياسة نفسها التي تبناها سلفه جورج بوش الابن. وخلال فترة حكم أوباما أصبح اليمن أول مسرح للعمليات العسكرية التي تنفذها الطائرات الأميركية من دون طيار، ليفوق بذلك باكستان. ويعتبر مراقبون أن سياسة واشنطن في المنطقة تمخضت عن نتائج عكسية، وفي ذلك يقول المثنى، في مقال بعنوان «كيف ساعدت الطائرات من دون طيار تنظيم القاعدة»، «تقول البيانات الرسمية ان قوة القاعدة تضاعفت ثلاث مرات، منذ 2009»، موضحا، أن «المشكلات التي يعانيها اليمن تحمل أعراض أخرى، تتعلق بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، وإذا لم يتم التعاطي مع هذه العوامل، فإن محاولات الأميركيين لاجتثاث الإرهاب ستبقى مجرد وهم».
ويقول دبلوماسي غربي، فضل عدم الكشف عن اسمه، ان «بعض المسؤولين الأميركيين يعتقد أن حل مشكلة التطرف يكمن في الحملات العسكرية والضربات بالطائرات من دون طيار، إلا أن الأمر يتعلق بسياسة إصلاحات اقتصادية وسياسية واجتماعية». ويبقى المسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) منقسمين حيال هذه المسألة، المحلل السياسي منير مرعي، وهو مواطن أميركي من أصل يمني على اطلاع بما يجري في «البنتاغون»، ويقول مرعي، الذي عاد إلى بلده الأصلي بعد 23 عاما من المنفى الاختياري، إن «بعض المسؤولين في واشنطن يدعمون الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ومرحلة الانتقال السياسي، بشكل مطلق، من أمثال وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون والحالي جون كيري، وعبر المسؤولان عن قلقهما إزاء حالة عدم الاستقرار في هذا البلد. إلا أن آخرين، بعضهم موجود في الحكومة الحالية، لا يريدون الاعتراف بأنهم أخطأوا بدعمهم لعلي عبدالله صالح»، ويضيف «كانوا يعتقدون بأن صالح يعمل لصالحهم، في حين كان يعمل لصالحه»، وقد أعلن هذا الأخير نفسه حليفاً ثابتاً للولايات المتحدة لسنوات في حربها ضد الإرهاب. ويتهم يمنيون الرئيس السابق بتحريك «فزاعة» القاعدة ليستفيد من مساعدات أميركية مستمرة. ويرى مرعي، الذي عاد إلى اليمن للمشاركة في الحوار الوطني، ان العلاقات الأميركية اليمنية تأثرت بالصلات القديمة التي كان تربط النظام السابق بوكالات الاستخبارات الأميركية. ويوضح أن مستشار أوباما السابق لشؤون مكافحة الإرهاب والمدير الجديد لوكالة الاستخبارات المركزية جون برينان، يحتفظ بعلاقات شخصية مع صالح منذ 1990، ويعتقد مرعي انه «إذا لم يرَ الناس التغيير فسيلتفتون إلى إيران أو (القاعدة)، يجب أن تغير الولايات المتحدة طرحها، وإلا شككت في أهدافها الحقيقية». أما الشخصية الثورية البارزة، مناع المثيري، فيرى ان «أميركا تعلم أن صالح أصبح من الماضي، لكنها ترفض قطع الاتصالات مع النظام السابق من أجل التحكم في القوى الإسلامية، بشكل أفضل، وأيضا الحركة التي نشأت عن التغيير». ويتساءل مرعي، إلى متى ستتحمل واشنطن نفاد صبر اليمنيين، ويذكر بمقولة لرئيس الوزراء البريطاني، ونستون تشرشل، «يمكنكم الاعتماد على الأميركيين للقيام بالأشياء كما ينبغي، بعد استنفاد جميع الخيارات الأخرى».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news