دعمه غير المشروط لبوش قوّض نفوذ بريطانيا في عملية اتخاذ القرار الأميركي

بلير مازال يواجه نفس الأسئلة عن دوره في غزو العراق

بلير أعطى الانطباع أن الحرب في العراق كانت أمراً لا مفر منه. غيتي

بعد ‬10 سنوات على غزو العراق فإن رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، مازال يواجه نفس التساؤلات الصعبة والمحرجة بشأن الدور الذي قام به مع حكومته في ذلك الغزو. ويواجه بلير، الذي أمضى ‬10 سنوات في السلطة، اتهاما بأنه كان محافظاً للغاية في تعاطيه مع العالم بشأن رغبته القوية في إسقاط الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، ونظامه، إضافة الى ارتكاب أخطاء أظهرت عيوباً ونقاط ضعف في مدى الاستعداد العسكري للقوات البريطانية للمشاركة في غزو العراق، ومفاجأتها بمدى عنف المقاومة عقب استكمال احتلال العراق. كما كان تأييد بلير للرئيس الأميركي آنذاك، جورج بوش، قوياً وغير مشروط في خططه لغزو العراق، وأكد له استعداد بريطانيا للذهاب سوياً مع الولايات المتحدة في ذلك الغزو حتى النهاية. واستناداً الى مسؤول في البيت الأبيض في ادارة بوش فإن المسؤولين الأميركيين كانوا متأكدين من تأييد بلير بلا أدنى تحفظ لأي خطة اميركية لغزو العراق، والزج ببريطانيا، الى جانب الولايات المتحدة، في هذه المعركة، وان تأييده السياسة الأميركية تجاه العراق كان حاسماً قبل عام من غزو العراق خلال زيارته لبوش في مزرعته بكراوفورد في تكساس. وهذا يتناقض جذرياً مع ما أكدته حكومة بلير وقتها، من انها لن تشارك في عمل عسكري ضد العراق إلا في حال استنفاد جميع الخيارات الأخرى بما فيها عمليات التفتيش الدولية عن اسلحة الدمار الشامل. ويقول ديفيد ميليباند من قادة حزب العمال البريطاني «إن ظهور جورج بوش ووجوده في حياة بلير، هو أسوأ شيء يمكن ان يحدث لهذا الأخير». ويقول السفير البريطاني في واشنطن في ذلك الحين، كريستوفر ماير، ان أخطاء بلير بشأن العراق كانت تتدفق من نظرة محافظة ومتزمتة «أسود وأبيض» يحملها بلير في تعامله مع القوى العالمية، وهي نظرة تفوق في تشددها نظرة اليمين المسيحي الأميركي. ويضيف ماير ان الدعم غير المشروط الذي قدمه بلير للرئيس بوش، قوض ما كانت تتمتع به بريطانيا من تأثير ونفوذ في عملية اتخاذ القرار الأميركي، بعد أن أصبح بلير واحداً من تلك المجموعة المحدودة من المحافظين الجدد وصقور الحرب من العسكريين الأميركيين الذين كانوا يبلورون اجندة خاصة بهم. كما لاحظ هذا الدبلوماسي البريطاني أن هناك فشلاً في التخطيط الدقيق لمرحلة ما بعد اسقاط صدام حسين، ما أدى الى موجات من العنف والتفجيرات والفوضى استمرت عقداً كاملاً، تخللته عمليات إذلال للقوات البريطانية. من جانبه يصف قائد القوات المسلحة البريطانية في ذلك الوقت، الجنرال مايك جاكسون، كيف أن التصرفات العصبية والتخبط السياسي للحكومة أديا الى تأخير الاستعدادات العسكرية البريطانية للمشاركة في غزو العراق، ويقول«أرادت حكومة بلير ان تتجنب إعطاء الانطباع ان الحرب في العراق كانت أمراً لا مفر منه».

ويكشف الميجور جنرال غراهام بنز، أحد ابرز القادة الميدانيين للقوات البريطانية في العراق اثناء الغزو، ان القيود المالية انعكست سلباً على أداء تلك القوات «وأظهرت نقصاً ملحوظاً في تجهيزاتها الحساسة ومعداتها المهمة، هذا بالإضافة الى انه لم تكن هناك جاهزية عسكرية بريطانية كافية، واستعداد عقلي ونفسي للتعامل مع مرحلة ما بعد استكمال الغزو والحفاظ على الاستقرار».

وقال نائب مستشار بوش للأمن القومي ستيفن هادلي «قال بلير في ذلك الاجتماع الخاص والمشهور مع الرئيس بوش، قبل عام من غزو العراق، انه اذا كان لابد من عمل عسكري ضد العراق فإنه سيمضي مع الأميركيين في هذا الطريق حتى النهاية ضد صدام حسين». ويقول رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض في ادارة بوش، اندرو كارد «لا أتذكر انه تمت مناقشة أي شروط او مطالب في الاجتماع لأنه كان واضحاً ان الجانبين كانا يتشاطران القيم ذاتها، وقفا معاً ليساند أحدهما الآخر». وبدوره يقول مسؤول وزارة الخارجية، مارك إثرينغتون، الذي كان مسؤولاً عن العراق لمدة ستة أشهر بعد غزوه «لم يكن هناك عدد كافٍ من القوات الأميركية والبريطانية للحفاظ على الأمن والاستقرار والنظام، ولم يكن لدى البريطانيين استراتيجية موحدة ينطلقون منها في تعاملهم مع الوضع بعد انتهاء غزو العراق». وتأتي هذه الشهادات بعد سنوات حول مدى صواب مشاركة بريطانيا في ذلك الغزو، والفشل في العثور على أي من أسلحة الدمار الشامل، التي كان من المفترض ان المسوغ الرئيس والمبرر الأول للحرب في العراق. وذهب فريق من منتقدي بلير الى حد اتهامه بأنه «مجرم حرب» لدوره في غزو العراق الذي قتل فيه ‬179 جندياً بريطانياً واكثر من ‬100 ألف من المدنيين. واعترف بلير الشهر الماضي بأنه أمضى وقتاً طويلاً وهو يحاول إقناع البريطانيين بأن قراره بالمشاركة في غزو العراق كان صائباً وصحيحاً. وجاء القرار الأميركي البريطاني بغزو العراق بعد انسحاب المفتشين الدوليين عن اسلحة الدمار الشامل من العراق، ومن غير قرار صريح من الأمم المتحدة يفوض الأميركيين والبريطانيين القيام بعمل عسكري، وأدى انقسام الرأي في بريطانيا الى استقالات من حكومة بلير. وفي تحقيق مطول بقيادة جون تشيلكوت، أجري في ‬2009 عن ظروف غزو العراق، تم الاستماع لشهادات المئات من الشهود، وفحص وتحليل آلاف الوثائق، بما فيها وثائق عن مراسلات بين بلير وبوش. وزعم بلير انه ألقى بكل ثقله باتجاه دفع الولايات المتحدة باتجاه ايجاد تسوية سلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وانه شجع واشنطن على ان تجرب سلوك طريق الأمم المتحدة. لكن عقب هجمات ‬11 سبتمبر ‬2001، كان هناك اعتقاد على نطاق واسع لدى المحافظين الجدد في ادارة بوش، بقيادة نائب الرئيس ديك تشيني، ان النظام العراقي يشكل تهديداً لا يقل في خطورته عن تهديد تنظيم القاعدة، وبالتالي لابد من التعامل معه عسكرياً. ويعدد ماير، السفير البريطاني السابق في واشنطن، العديد من الخطوات الخاطئة التي قام بها القادة البريطانيون والأميركيون يقول ان اكبر الأخطاء كان الخلط بين صدام حسين واسامة بن لادن، والمساواة بينهما وكأنهما من الطبيعة ذاتها.

وحينما سأل قائد البحرية الأميركية، الجنرال جيمس كونواي، قائد الكتيبة البريطانية الأولى، الجنرال روبن بريمز، عن امكاناته قال «لدينا دبابات عظيمة وليس لدينا أي امداد لوجستي خاص بها، فلا يمكنها الذهاب بعيداً». وعبر قادة ميدانيون أميركيون وبريطانيون عن صدمتهم لعدم العثور على أسلحة دمار شامل، الأمر الذي دفع كثيرين في لندن وواشنطن وعواصم اخرى الى التساؤل بصوت عالٍ: لماذا الأميركيون والبريطانيون في العراق إذن؟ وما مبرر ذلك؟

فيليب شيرويل - محرر الشؤون الأميركية

تويتر