تقاعس الرئيس وضع الولايات المتحدة موضع «العاجز»

حذر أوباما تجاه سورية يظهر نقاط ضعـــفه

أوباما صم أذنيه عن نصائح كبار قادته ودبلوماسييه بضرورة تسليح الثوار السوريين. أ.ف.ب

خلال الأسابيع المقبلة ستتزايد الضغوط على (الرئيس الأميركي) باراك أوباما لكي يفعل شيئاً ملموساً حيال سورية. ويجادل المحافظون الجدد من جهة اليمين و«التدخليون» الليبراليون من جهة اليسار، بأن تقاعس الرئيس قد جعل الولايات المتحدة تبدو عاجزة ومن دون رحمة، وأنه حتى لم يحذ حذو الرؤساء الآخرين في مثل هذه الأمور - كما يقولون - ناهيك عن مشاركته من خلف الكواليس كما فعل في ليبيا، جالساً مكتوف اليدين في حين تتصاعد وتيرة المذابح هناك لتصل الى ‬70 ألف ضحية، والزيادة على الطريق.

وسيحمَى الجدال أكثر ويصبح أقوى عندما تكتسب خطوط المواجهة في سورية طبيعة طائفية واضحة المعالم، إلا أن مثل هذا الجدل من غير المرجح أن يدفع نحو تغيير المسار طالما فشلنا في قراءة أي نوع من الرؤساء أصبح أوباما في ولايته الثانية، ففي خطابه عن حالة الاتحاد في الأسبوع الماضي، لم يخصص أوباما لسورية سوى نصف جملة فقط من حديثه، وجملة واحدة فقط لإيران، لكنه ركز مطولاً على انسحاب القوات الاميركية من أفغانستان، وهناك تتضح المفارقة، فقد يكون أوباما نظم حملاته الانتخابية باعتباره رئيسا اخلاقيا، إلا أنه صرف الأمور بعد ان أصبح رئيساً بشكل واقعي، والفرق الأساسي بين أوائل عام ‬2009 عندما أمر بزيادة القوات في أفغانستان وبين هذا اليوم هو أنه أصبح الآن إلى حد كبير أكثر خبرة، فإذا كان قرار زيادة القوات الأميركية في أفغانستان أكبر قرار أصدره أوباما بوصفه القائد الأعلى، فإن القرار كان أيضاً الأكثر تخييباً للآمال، وهناك ثلاثة أسباب تدفعنا للاعتقاد بأنه سيستمر في مقاومة أي توجه نحو التدخل في سورية:

أولاً: كشفت حرب أفغانستان الحد الاقصى لقدرات القوات الأميركية، فبعد ما يقرب من ‬12 عاماً من بدء أطول حروب أميركا، كان قلق وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) يتلخص في محاولتها معرفة كيفية حماية الجنود الأميركيين المتقهقرين، وحماية المعدات كي لا تقع في أيدي حركة طالبان. وخلافاً لتوقعات جنرالاته، فإن زيادة أوباما للقوات الأميركية بما يصل الى ‬100 ألف جندي لم تحقق سوى القليل جداً. ولم يحقق إنفاق أكثر من تريليون دولار على الجهود العسكرية والمدنية سوى القليل جداً في تطور دولة يصل تعدادها الى ‬30 مليون نسمة.

وحتى في العراق، حيث أحرزت زيادة القوات التي أمر بها (الرئيس الاميركي السابق) جورج بوش نجاحاً كما يبدو، فإن الوضع ينحرف هناك بشكل خطر نحو الحرب الأهلية - الطائفية، التي تغذيها مواجهات مشابهة لتلك التي تسود في الوقت الراهن في سورية.

ويريد منتقدو أوباما منه إرسال الأسلحة إلى ثوار سورية، والبعض الآخر منهم يحثه على إقامة منطقة حظر طيران، وهذا المطلب الأخير يلزم أوباما بتصعيد عسكري مفتوح، بل حتى ان إرسال اسلحة خفية لجيش متشرذم من الثوار يدق ناقوس الخطر الأفغاني، فقد تسربت معظم صواريخ «ستينغر» التي أرسلتها الادارة الاميركية للمناهضين للغزو السوفييتي في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي الى أيدي المجاهدين المتشددين المناهضين لأميركا. فمن الصعب أن نصدق أن أوباما سيخاطر بوضع أسلحة خطرة في أيدي ثوار سورية الذين يسيطر على بعضهم تنظيم القاعدة.

مثل هذه الخطوة أيضاً قد تحذر أوباما مما حدث في مالي، إذ إن العديد من المسلحين الاسلاميين الذين أججوا الصراع في مالي تم تدريبهم من قبل الغرب وتزويدهم بأسلحة من هناك. وكما ألمح أوباما إلى صحيفة «نيو ريبوبلك» الشهر الماضي، فإن المأساة الإنسانية في سورية ليست كافية في حد ذاتها لتبرير التدخل العسكري الأميركي، «كيف يمكنني أن أوازن بين عشرات الآلاف الذين قتلوا في سورية وبين عشرات الآلاف الذين يجري قتلهم حالياً في الكونغو؟».. يقول أوباما.

ثانياً: يبدو أوباما الآن أكثر ثقة بنفسه مما كان عليه الحال عندما كان في ذروة انشغاله بزيادة القوات في أفغانستان، إذ إن مزيجاً من السياسة والوضع العسكري كان يدفع الرئيس نحو تصعيد مكافحة المسلحين في أفغانستان، وكان أحد مستشاريه في هذا الشأن هو بطل العراق، الجنرال ديفيد بترايوس. وكما اتضح في ما بعد فإن القليل من العوامل التي ساعدت في العراق تم تطبيقها على أفغانستان، ويخبرنا التاريخ بأن (الرئيس الأميركي الراحل) الشاب جون كينيدي شعر بأنه كان مدفوعاً من قبل جنرالات الولايات المتحدة للموافقة على المواجهة على خليج الخنازير في كوبا عام ‬1961، بعد أن كان أكثر تشككاً في المشورة العسكرية، وبالمثل فقد اكتسب أوباما عدم ثقة مماثلة بالنصيحة العسكرية.

تجاهل أوباما في أغسطس الماضي المشورة المشتركة لبترايوس، الذي كان آنذاك رئيساً لوكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه)، ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، لتسليح السوريين، وفقاً لما ذكرته صحيفة «نيويورك تايمز». كما رفض نصيحة مماثلة من وزير دفاعه ليون بانيتا، ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارتن ديمبسي، وعليه فإن الرئيس الواثق بنفسه فقط هو الذي يرفض توصية بالإجماع من قبل أربعة من كبار مستشاري الأمن القومي.

ثالثاً: لنتصور النصيحة نفسها صادرة عن وزير خارجيته الجديد جون كيري، الذي حل محل كلينتون، أو من وزير الدفاع المحتمل تشاك هاغل، وكلاهما لا يثق بالحلول العسكرية، وبعد رفضه نصيحة بترايوس، فإنه من الصعب ان نتصور أن أوباما سيخضع لنصيحة رئيس الـ(سي آي ايه) الجديد جون برينان، الذي كان من بين أكثر المستشارين الذين يثق بهم في البيت الأبيض.

لقد كانت السياسة الخارجية، على نحو غير عادي، من أكثر اهتمامات فترة أوباما الأولى، وقارنها البعض بفترة (الرئيس السابق ريتشارد نيكسون) و(ووزير الخارجية السابق هنري كيسنجر).

ومن المرجح أن يركز البيت الأبيض أكثر على السياسية الخارجية في الولاية الثانية، وسيلبس أوباما اكثر من أي وقت مضى جلباب كيسنجر.

وهنا يكمن الضعف الحقيقي للرئيس والمتمثل في رفضه اتخاذ خطوات محفوفة بالمخاطر - مثل مناطق حظر طيران لا تدعمها الأمم المتحدة - والفشل في التخطيط للمستقبل أيضاً.

ومع اهتمام العالم بما تتجه إليه الأمور في سورية، سرب حلفاء كلينتون أخباراً بأنها كانت قد نصحت أوباما بتسليح الثوار. ويبدو أنها تشعر بخيبة أمل بسبب عدم تركيز البيت الأبيض.

وتعتبر هذه هي أضعف نقطة في أوباما، فكونك واقعياً لا يعني ان تكون ايضاً سلبياً، فإذا كان هناك منطقة وسطى بين عدم القيام بأي شيء أو القيام بعمل عسكري، فيمكنك ممارسة ذلك على غرار دبلوماسية كيسنجر.

إن افتقار الرئيس للإبداع الدبلوماسي، بدلاً عن شعوره بالحذر، هو «كعب أخيل» الحقيقي للرئيس أو نقطة الضعف الحقيقة لديه، ولعل هذا هو أحد المجالات التي يمكن لكيري أن يساعد فيها.

إدوارد لوس مدير مكتب «فايننشال تايمز» بواشنطن

 

تويتر