بعد التحولات الإيجابية في مصر وميانمار وملاوي

العالم يحتاج إلى تجسيد الديمقراطية في ‬2013

المتظاهرون في ميدان التحرير نجحوا في إسقاط ستة عقود من الدكتاتورية. أ.ف.ب ــ أرشيفية

يواجه العالم تحديات كبيرة في ‬2013، منها ظاهرة الاحتباس الحراري وانتشار الأسلحة النووية ومشكلات أخرى تنتظر الحل، ويبدو العالم في حاجة ماسة إلى الاستقرار ودفع عجلة التقدم الإنساني، كما تتوق الشعوب المنتفضة ضد حكامها الظالمين، في أنحاء مختلفة من العالم، إلى تجسيد أحلامها وآمالها على أرض الواقع.

يواجه الشرق الأوسط معضلات متفاقمة وتزايداً في عدد الشباب، وليس لدى الديمقراطيات الصاعدة هامش كبير للخطأ، وتعتبر ظاهرة الجماعات المسلحة أكبر تهديد للديمقراطية في المنطقة، وللأمن العالمي.

وتمخض عن محاولة الغرب لجلب الديمقراطية إلى المنطقة العربية، دروساً مهمة، كما أثارت تساؤلات كثيرة، لا يستيقظ الناس في الصباح ثم يجدون أنفسهم ديمقراطيين، لأن قواعد وممارسات الديمقراطية واستيعاب الحقوق الأساسية ومعرفة الدفاع عنها، يجب أن تزرع في المجتمع، لكي تعطي ثمارها بعد فترة من العمل الجاد، ويتضمن ذلك الثقة، التي تبنى شيئاً فشيئاً، بين الحاكم والمحكوم، ويجب أن تغرس الثقة في أرضية ديمقراطية جيدة، ويشمل ذلك دستور يمثل الجميع، وصحافة حرة، وقضاء نزيه، ويجب أن يتزامن ذلك مع توعية اجتماعية مستمرة.

وتبين التجارب الثلاث، في مصر وميانمار وملاوي، أهمية الحصول على الأرضية الجيدة وتغذيتها بطريقة صحيحة، الأمر الذي بدا صعباً بسبب التناقضات التي تعيشها البلدان الثلاثة، وإذا أخفقت الثورة في أكبر البلدان العربية (من حيث السكان)، فالسبب يعود إلى عدم إقبال الجماهير بشكل كافٍ.

بعد ستة عقود من الدكتاتورية بدا المشهد صاخباً في ميدان التحرير، أكثر مما هو متوقع، إلا أن الكفة رجحت إلى الحزب الحاكم حالياً وحلفائه، بشكل غير متكافئ، وقامت المحكمة الإدارية العليا بحل اللجنة المكلفة صياغة الدستور، لأنها لا تمثل أطياف الشعب المصري، وعندما أعيد تشكيل اللجنة من جديد وجهت لها اتهامات أخرى، وفي النهاية وافق المصريون على الدستور، لكن نسبة المشاركة كانت متدنية، وتواصلت المسيرات والاحتجاجات في الشوارع، ويبدو أن فرصة ثمينة لتحقيق الصدقية قد تم إهدارها في مصر، من خلال العزوف غير المبرر عن التصويت.

في ميانمار، التي تعتبر إحدى الدول الأكثر انغلاقاً في العالم، بدأت الخطوات الأولى نحو الديمقراطية، بعد عقود من حكم العسكر المطلق، وتم انتخاب المعارضة البورمية الشهيرة، أونغ سان سو تشي، لتكون عضوا في الهيئة التشريعية، بعد أن قضت نحو ‬15 عاما تحت الإقامة الجبرية، إلى أن أطلق سراحها في ‬2010. وأجريت الانتخابات العامة بحضور مراقبين دوليين، ووجود لافت لوسائل الإعلام المحلية والأجنبية، وهو سابقة في تاريخ ميانمار الحديث. إلا أن أساس الديمقراطية في البلاد لم يوجد بعد، على الرغم من حدوث تغيير مهم يتمثل في تعديل وزاري، استبدل خلاله الحرس القديم بشخصيات تكنوقراط، وشهدت الحكومة انضمام أول امرأة إلى الطاقم الوزاري، إلا أن الشركاء السياسيين مازالوا مختلفين حول الأدوار الجديدة في اللعبة السياسية، وكيفية تقسيم السلطة وصياغة دستور جديد، تماما كما يحدث في مصر. وفي الوقت الذي يسمع فيها أصوات أطياف النسيج السياسي في ميانمار يتم تهميش شريحة واسعة من الشعب، وتستمر انتهاكات حقوق الإنسان في مناطق حساسة من البلاد، ولعل المأساة التي يعيشها مسلمو الروهينغا دليل على هشاشة التجربة الديمقراطية، وعلى الحاجة إلى ترسيخ مفاهيم الديمقراطية هناك. وتعتبر المصالحة الوطنية من أهم الأوليات التي يجب على الجميع أن يعمل لتحقيقها، ومن الممكن أن تستعين ميانمار بلجنة تقصي الحقائق كما فعلت جنوب افريقيا غداة انتهاء حقبة التمييز العنصري «الأبارتهايد»، للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان والتمهيد لصياغة دستور جديد.

وفي القارة السمراء، تعتبر ملاوي من البلدان الأكثر فقراً في العالم، ولا تحظى بأي اهتمام إعلامي دولي، إلا أن أبريل الماضي شهد تحولاً مهماً، فبعد وفاة الرئيس بينغو وا موتريكا، المفاجئ، وهو خبير اقتصادي، وثالث شخصية تتولى رئاسة البلاد منذ الاستقلال، باءت محاولة شقيق الرئيس الراحل ومناصريه للاستيلاء على السلطة بالفشل، واستطاع الجيش أن يجهض المحاولة، وعملت المؤسسة العسكرية على تأمين انتقال سلس للسلطة وتولى جويس بندا مقاليد الحكم في البلاد. ومن بين الخبراء القلائل الذين اهتموا بشؤون ملاوي، الباحثان السياسيان غريغ ميلز وجيفري هيربست، اللذان يعتقدان أن محاولات صياغة دستور جديد يبعث على الأمل في قارة انهكتها الانقلابات العسكرية، ويقول الخبيران ان الانتقال الناجح للسلطة في ملاوي، في هذه الظروف السياسية الصعبة، يظهر أن ما حدث هو بكل المقاييس تطور مهم، في «قارة تحرر أغلب بلدانها جزئياً من الاستعمار، ولاتزال تفتقر إلى ديمقراطية دستورية».

في غضون الأشهر المقبلة، ستكون بلدان، مثل سورية وفنزويلا وزيمبابوي، على أعتاب الإصلاحات الديمقراطية، وستتأثر اختياراتها والطرق التي ستسلكها لحل مشكلاتها، على الأحداث الجارية في البلدان المجاورة، وستستفيد من الدروس الآتية من بلدان بعيدة.

إن تشييد بلد ديمقراطي مهمة تحتاج إلى وقت طويل، والمشروع الديمقراطي ليس مثالي، في كل الأحوال. وقبل ‬25 عاما، خضعت افريقيا إلى حكم رجال أقوياء، لم يسمحوا لشعوبهم بهامش للحرية، أما اليوم فمن الصعب للقائد في القارة الافريقية أن يتفادى الحراك الديمقراطية بشكل كامل، وفي منطقة الشرق الأوسط، هل ستتقدم الأمور نحو الأمام؟ فاختصار الطرق لا تجدي، لأن الشمولية في بناء دساتير دائمة يعتبر أمراً حيوياً لضمان النجاح.

كيرت شيلنجر مراسل «ساينس مونيتور» و«بوستن غلوب»

 

تويتر