وقفة ملايين المسلمين في لحظة واحـدة على عرفات تخطف أبصار العالم

الحج في عيون غربـية: مستعمرون حاربوا الحجيج.. ومستشـرقون انبهروا به

رحلة الحج جذبت انتباه غير المسلمين في العالم منذ القدم. أرشيفية

رغم مضي 14 قرناً على ظهور الرسالة المحمدية مبشرة بالإسلام خاتم الأديان السماوية، إلا أن الدراسات وجهود الباحثين لم تتوقف لسبر أغوار هذا الدين الحنيف. ولا يختلف الباحثون في شؤون الإسلام من غير العرب والمسلمين على أن الحج لايزال يشكل لغزاً مبهراً وكبيراً أمامهم، يغريهم بالمزيد من الغوص والبحث، لاسيما في العقود الاخيرة، مع تقدم تقنيات الصوت والصورة والتواصل، إذ يخطف هذا المشهد الجليل لوقوف أكثر من ثلاثة ملايين مسلم من مختلف أرجاء المعمورة على صعيد عرفات في زي موحد أبصارهم وعقولهم.

اعترافات عالمية بقيمة الإسلام

 

اهتم المستشرقون قديماً وحديثاً بدراسة فريضة الحج وأثرها في الشعوب الإسلامية من ناحية، وفي مواجهة الهيمنة الاستعمارية على البلاد الإسلامية من ناحية أخرى؛ فنشط المستشرقون الهولنديون في إندونيسيا، والإنجليز في الهند، والفرنسيون في إفريقيا في بحوثهم عن الحج، انطلاقاً من إدراكهم أنه مظهر رمزي قوي لوحدة المسلمين، وأمر خطر ضد التطلعات الأوروبية، ومن أشهر هؤلاء المستشرق الهولندي «سنوك» الذي سافر إلى مكة وأعد رسالة للدكتوراه عن «الحج»، وعلى أساسها وضعت هولندا استراتيجيتها في جنوب شرق آسيا، لاسيما ما يخص سيطرتها الاستعمارية على إندونيسيا وما حولها. لقد اتبع المستعمر حرباً نفسية للحد من إقبال الناس على الحج، فعمد إلى تخويفهم من الأمراض، وبث الشائعات عن انتشارها في مكة، والتخويف من خطورة الطريق إلى الحج، بل وتشجيع القرصنة وقطع الطريق على الحجاج، ما دفع البعض إلى الإفتاء بتوقف الفريضة، بسبب الأضرار التي يصاب بها الحجاج، حتى إنها توقفت بالفعل في بعض المناطق.

يقول الباحث خالد الطويلي إن« أول من ادّعى الوصول إلى مكة المكرمة من المستشرقين هو جون كابوت عام 1480م، أي قبل 12 عاماً من سقوط الأندلس واكتشاف أميركا، أما أول سجلّ وصلنا حول رحلة مستشرق إلى الحج فكان حول رجل إيطالي يدعى لودفيجودي فارتيما عام 1503م، دخل مكة بوصفه جندياً في حرس المماليك، وانتحل اسم يونس المصري». ويذكر فارتيما أن مكة المكرمة لم تكن مسوّرة، لأن أسوارها هي الجبال الطبيعية التي تحيط بها، ولها أربعة مداخل، ويقول عن كثرة الحجاج إنّه لم يجد مطلقاً، من قبل، مثل هذا العدد من الناس يجتمع في بقعة واحدة من الأرض. وعن المسجد الحرام يقول: «إن مركز مكة المكرمة يوجد فيه (معبد) جميل جداً، مبني من اللبن المشوي، وله مائة باب».

لويس بيركهارت

وهناك الرحالة السويسري جون لويس بيركهارت، الذي يعد من أشهر رحالي القرن التاسع عشر، والذي شارك في موسم الحج، متخفياً تحت اسم مستعار وهو «الشيخ إبراهيم»، وقد وصل الى جدة عام 1814م. وسار منها إلى الطائف لمقابلة الخديوي محمد علي باشا، ثم قصد مكة المكرمة لأداء فريضة الحج.

الحاج عبدالله

في يوليو 1853م، وصل إلى المدينة المنورة البريطاني السير ريتشارد فرنسيس بيرتون متنكراً باسم «الحاج عبداللّه»، ليعد هو الآخر أحد أبرز الرحّالة الأوروبيين الذين قدموا الى الشرق ودرسوا عادات أهله وثقافتهم. وفي طريقه كان بيرتون يعمل على إتقان دوره كمسلم في تفاصيل الحياة اليومية، منتحلاً شخصية نبيل فارسي بداية الأمر، ثمّ شخصية درويش متجوّل، وكتب الكثير بانبهار عن تشكيلات خدم الحرم النبوي في المدينة المنورة، وقال عن مكة المكرمة حينما وصلها لأول مرة إنه على الرغم من أنه لم يجد فيها ذلك الجمال الرشيق المتناسق الذي يتجلّى في آثار اليونان وإيطاليا، ولا الفخامة المعروفة في أبنية الهند، إلا أنه «لم ير مثل هذه المهابة في أي مكان آخر».

عبدالله بن البشير

جاء الفنان التصويري جيل جرفيه كورتلمون(1894) تحت اسم مستعار هو «عبدالله بن البشير»، في مهمة يرى البعض أنه قد تم تكليفه بها من قِبَل الحكومة الفرنسية، وتتعلق بدراسة الأثر الروحي الذي يُحدثه الحج في نفوس الحجاج المغاربة القادمين من مناطق السيطرة الفرنسية.

بدأت رحلة كورتلمون بعد أن تعرف إلى رجل جزائري اسمه (الحاج آكلي) اصطحبه في الرحلة، وذلك عام .1894

يقول في كتابه «رحلتي إلى مكة» واصفاً صلاة المغرب بالحرم: «عشرون ألف مؤمن يتراصون في صفوف منتظمة، يقفون في ثبات وسكون: «بسم الله...» فعمّ الحرم الشريف صمت مطبق، وامتلأت القلوب بالإيمان في صمت، «الله أكبر...» فيرد الجميع بصوت واحد، وبصوت خافت: الله أكبر.

تويتر