إحساس المسلمين بالظلم يؤجج التظاهرات

بماذا ابدأ حديثي؟ ربما بالكلام عن صورة لافتة لطفل ضمن جموع المتظاهرين يرفع فوق رأسه لافتة كبيرة كتب عليها «اقطعوا رأس كل من يسيء الى النبي »، أو يمكنني ان استهل الحديث بالقول إن قاطرة التظاهرات والاحتجاجات التي عمت دولا عربية وإسلامية ضد فيلم «براءة المسلمين» المسيء للرسول محمد صلى الله عليه وسلم تحظى بإقبال كبير، وتحقق مكاسب متزايدة لشركات وجهات غربية مثل شركة يوتيوب الخاصة بعرض الصور ومشاهد الفيديو ومقاطع الافلام التي تلقت ملايين برقيات الطلبات لمواصلة عرض الفيلم، ومعها عبارات الشكر للمتظاهرين والمحتجين ضده في العالم، الذين يعتقدون بأن أحداً يجب ألا يشاهد هذا الفيلم، أو ربما يمكن ان ابدأ بالحديث عن متظاهرين في سيدني بأستراليا تجمعوا بعد ما شاهد معظمهم الفيلم على ما يبدو. ورداً على سؤال لها من أحد الصحافيين قالت إحدى المتظاهرات إنها «ترفض مشاهدة أي شيء هجومي ومسيء».

صحيح أن مثل هذه الاشياء تعكس غباءً شديداً، لكنها تنويرية وتعلم من يشاهدها. ولا يعرف المتظاهرون غالباً شيئاً آخر غير إدراك مدى حجم الاساءة التي لحقت بهم وبنبيهم ودينهم، هكذا تبدو الامور ظاهرياً، لكن التظاهر والاحتجاج ليس من أجل الفيلم، وإنما لسبب وعذر آخر، يمكن فهمه من خلال شعارات وهتافات معينة رددها متظاهرون مثل «قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار». عفواً ما هذا؟ إننا نتحدث عن فيلم لا يجوز أن نردد مثل هذا، ومن يفعل فإن سلوكه غير مناسب وغير محسوب أو دقيق. عند البعض ليس مهما كل شيء، لكن المهم هو استمرار التظاهر وترديد شعارات قد تستفز المسيحيين في العالم. حقاً إن هذا مسبب للحيرة حتى ندرك انا وانت أن المتظاهرين لا يتظاهرون لسبب حقيقي أو من أجل هدف أو قضية وأنهم يتظاهرون من أجل التظاهر فحسب. يعبر المتظاهرون عن احتجاجهم، ويصرخون غاضبين، ويرددون شعارات وهتافات، ويهدمون الجدران والاسوار تعبيراً عن استيائهم، وهذا كله إنما هو في واقع الامر تنفيس عما في صدور المتظاهرين الضعفاء ونفوسهم، فهم يتلمسون القوة في قيامهم بمثل هذه الامور لأنها تعطيهم شيئاً من الشعور بالقوة وتضعهم في بؤرة الاهتمام.

ومن أجل هذا فإن مؤسسة غالبو لاستطلاعات الرأي حينما اجرت مسحاً للآراء في 35 دولة مسلمة، خلصت الى أن جميع الوان الآلام والضيق التي يشعر بها العرب والمسلمون من الغرب تعود الى «عدم احترامه للاسلام»، الذي يسبب شعورهم بالاستياء العميق والظلم، ويمكن ان نلقي بكثير من الامور في هذه السلة، مثل حظر بناء مآذن المساجد في سويسرا، وحظر النقاب في فرنسا، والتدخل العسكرية وشن الحروب، والغارات المدمرة والقاتلة التي تقوم بها طائرات بلا طيار، والتمييز العنصري والديني النمطي والممنهج، وصولاً الى الافلام السيئة والسخيفة. وبالتالي فإنه يمكن فهم فيلم «براءة المسلمين» من خلال هذا المفهوم.

وقد سارعت إدارة اوباما الى إدانة الفيلم بأشد العبارات، واتخذت خطوة غير مسبوقة بأن طلبت من شركة البحث والانترنت العملاقة (غوغل) سحب شريط الفيلم. المشكلة أنه في عالمنا الرقمي (الديجيتال) لايزال يمكنك الاجبار على شيء ما او انتزاع التزام، وهناك دائماً وجود لاخبار مثيرة للغضب وتتبادلها مجموعات على الانترنت، فتنتعش ثقافات ثانوية قائمة على تبادل الاثارة والأنباء المسيئة للآخرين. بكل صراحة ينبغي على المسلمين إيجاد تلك العناصر الهدامة والمظاهر الكارثية التي تفرغ الهوية الإسلامية من مضمونها، وتجعلها خاوية، والتي تجعل من الاسلام والمسلمين «مخلوقاً عملاقاً، لكنه مسخ مشوه يشبه الهيكل الجبار» الذي لن تكون له اية فاعلية او تأثير إلا بعد استثارته واستفزازه، كما يرى الاكاديمي البريطاني المسلم عبدالحكيم مراد، فأحياناً قد يحتاج الواحد منا الى فضيحة أو أمر مثير للغاية حتى يخرج مرضاً دفيناً بداخله.

إن المجمل العام للتظاهرات التي جرت في الايام الاخير ضد الفيلم المسيء كان سلمياً، وكثير من المنظمات والمجموعات الإسلامية استنكرت العنف غير المبرر، والتصرفات الخارجة على القانون، لكن ما نحتاجه بشدة الآن هو نقاش جدي.

وليد علي - محاضر في العلوم السياسية في جامعة موناش والمقال منشور في موقع «ذي إيج» دوت كوم.إيه يو

تويتر