مخاوف أميركية من إقدام إسرائيل على جرها إلى مواجهة مع طهران
ضرب إيران يدفعها إلى اقتناء القنبلة النووية
نتنياهو يرغب في ابتزاز أوباما قبيل الانتخابات لإلزامه إجهاض «النووي الإيراني». غيتي
ليس هناك من طريقة تزيد من تصميم إيران على مواصلة برنامجها النووي وتجعلها أكثر تصميماً على اقتناء القنبلة النووية من ضربها، سواء من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة أو من كليهما، وهذا ما ينبغي على إسرائيل ان تستوعبه.
وأعتقد أن الرئيس الاميركي السابق، جورج بوش، ورئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، ارتكبا خطأ فادحاً عندما اتفقا على قرار غزو العراق، لأنهما لم يدرسا العواقب الوخيمة الناجمة عن هذا الغزو، وأظن أن الولايات المتحدة ستكرر هذا الخطأ إذا ساندت ضربة إسرائيلية لإيران.
وليست لدى الاميركيين على الارجح فكرة عما اذا كان لدى اسرائيل خطة واضحة لضرب المنشآت النووية الايرانية قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية المقررة في نوفمبر المقبل، حيث تسيطر مخاوف على إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما من احتمال جرها الى هذا الصراع قبل موعد تلك الانتخابات. وينقسم كبار المسؤولين في أجهزة الامن والاستخبارات، والجيش في إسرائيل بين معارض ومتخوف ومحذر من مغبة الاقدام على ضرب ايران، بينما يبدو رئيس الوزرا ء الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مغرورا وغير مبال في التعامل معهم. ولا يخفي نتنياهو انحيازه للمرشح الجمهوري (للانتخابات الأميركية)، ميت رومني، الذي زار اسرائيل وأبدى تأييدا لضرب ايران، والذي سيبدي على الارجح ابتهاجا كبيرا اذا ما تم توجيه مثل هذه الضربة قبل نوفمبر.
وحينما سألت مسؤولاً في الادارة الاميركية قبل اسابيع عن احتمالات شن هجوم على ايران، قال ان المسؤولين في الاستخبارات الاسرائيلية والاميركية لديهم وجهة نظر واحدة مشتركة تجاه البرنامج النووي الإيراني، وهي انه مازال هناك متسع للمزيد من الجهود الدبلوماسية التي لابد من القيام بها، وان هناك احباطاً اميركياً واضحاً ازاء احتمالات إقدام اسرائيل على اتخاذ قرار من جانب واحد بمهاجمة ايران دون الرجوع الى واشنطن اوابلاغها مسبقاً.
ومع استمرار علاقات القلق الاميركي وازديادها يبدو أن نتنياهو يرغب في ابتزاز ادارة أوباما، فهو يريد ان يبعث إليها برسالة مفادها أن تراجع اسرائيل عن اتخاذ قرار احادي الجانب بمهاجمة ايران يقابله ثمن ما، وهو انه لابد لأوباما من إلزام نفسه بموعد نهائي حازم للمفاوضات والمحاولات الدبلوماسية قبل اطلاق القوة العسكرية الاميركية القصوى ضد ايران. فإدارة أوباما ترغب بشدة في استبعاد المسألة النوية الايرانية من اجندة حملة الانتخابات الرئاسية، لحرمان الجمهوري رومني من أية مكاسب انتخابية. وما يبدو مهماً ولافتاً بالنسبة للاوروبيين هو ان نتنياهو يمكنه ان يواصل تدخله في السياسة الخارجية الاميركية، واملاء ما يريده عليها من غير أي اعتبار لمصالح الامن القومي الاميركي او أمن العالم واستقراره.
ويقول مسؤولون مقربون من إدارة اوباما، ان الرئيس الاميركي يكرر تأكيده أن التزامه بمنع ايران من حيازة القنبلة النووية صلب ولا يتزعزع، فهو وإن مضى قدما في الجهود الدبلوماسية اكثر من سلفه بوش، إلا انه يبدو أشد قوة واكثر حزما في موقفه من القوة النووية لإيران. وحتى تكون ادارة اوباما فعالة فإن الاستراتيجية القائمة على توازي العقوبات مع المفاوضات والجهود الدبلوماسية، تعتمد في بعض عناصرها على مواصلة التهديد باستخدام القوة ضد ايران. وقد يكون هناك في أوروبا دبلوماسي اوسياسي يعتقد أن ضرب ايران فكرة جيدة، من دون ان يأخذ في اعتباره الرد الايراني المتوقع على أي هجوم، والذي قد يتضمن وقف او تعطيل شحنات النفط من الخليج الى العالم، وهجمات قوية بالصواريخ من «حزب الله» اللبناني على اسرائيل، وتنفيذ سلسلة واسعة من الهجمات على اهداف اميركية واسرائيلية في العالم، إضافة الى إلقاء إيران بكل ثقلها لدعم حركة طالبان في افغانستان.
ويطرح دبلوماسيون في مجالسهم الخاصة ثلاثة احتمالات بالنسبة للمسألة النووية الايرانية، الاول: ان أي ضربة لإيران ستزيد من صلابة قيادتها السياسية وقوتها، وتضعف القوى المعتدلة والمعارضين، وتعطي رجال الدين الحجة القوية ليجادلوا غيرهم بالقول انهم كانوا على حق وصواب في كل ما كانوا يقولونه ويعتقدونه عن الولايات المتحدة. والثاني: أن النظام الايراني سيسحب إيران من عضوية المعاهدة الدولية لحظر الانتشار النووي مجادلاً بأن الحصول على الاسلحة النووية هو الطريق الوحيد للحيلولة دون تعرض ايران للمزيد من الهجمات، كما ان الهجمات الجوية قد تعوق ايران عامين او اكثر قليلا عن مسيرتها النووية، لكنها ستزيدها تصميما وصلابة بشأن الاصرار على الاستمرار. والثالث: أن تعرض ايران للهجوم سيزيد من شعبية النظام وشرعيته امام الشعب الايراني ويعطيه حجة للبقاء، ما يعني خروجه من عزلته بحجة انه دفع الثمن دفاعا عن السيادة الايرانية، وهذه الافكار لا تعكس موقف دعاة السلام او المتعقلين الاوروبيين، بل ان كثيرا من الاسرائيليين يؤيدونها ويتبنونها، فعلى سبيل المثال حسم مائير داغان، الذي كان رئيسا للاستخبارات الاسرائيلية حتى نهاية العام الماضي، في مقابلة مع مجلة «نيويوركر»، النقاش حول هذه المسألة فقال «لو انني كنت حاسما وواثقا في اعتقادي بأن القوة العسكرية الساحقة تدمر البرنامج النووي الايراني تماما وتمنع ايران من حيازة سلاح نووي نهائيا لما ترددت لحظة في تأييد استخدام كل قوة ممكنة لذلك وفورا». وبدلا من ذلك يخلص داغان الى ان ضرب اسرائيل لإيران سيشعل حربا اقليمية، ويحل مشكلات داخلية لإيران، وسيزيد من قوة جبهتها الداخلية بدفع الشعب الايراني الى الوقوف خلف قيادته في المطالبة بحق ايران في الامكانات والقدرات النووية، ويزيد من تصميم الايرانيين على اعادة بناء المنشآت النووية قائلين للعالم: «انظروا اننا نتعرض للهجوم من اعدائنا الصهاينة، وبات من الواضح اننا بحاجة الى القوة النووية».
وختاماً فإن المرشد الايراني الاعلى علي خامنئي، يمكن ان يقتنع بضرورة اكتفاء ايران ببرنامج نووي سلمي، اذا ما تم اقناعه بأن احدا لن يتعرض لنظامه لإسقاطه او تغييره، وانه سيبقى آمنا ضد أي هجوم أو تدخل خارجي لتغييره، مقابل تخليه عن حيازة اسلحة نووية، كما أن ضرب ايران الآن سيفضي الى عكس هذا كله ويأتي بنتائج عكسية تماما.
فيليب ستيفنز - صحافي ومحلل في «الفايننشال تايمز»
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news