بدأت مسيرة مقاومتها بالانتقال إلى بلدة ذات كثافة عربية داخل إسرائيل

ناثان.. كاتبة إسرائيلية تعيش في «كيرلا» الهندية دفاعاً عن القضية الفلسـطينية

ناثان في شقتها ومن خلفها بلدة تمرا. أرشيفية

عندما انتقلت الكاتبة المولودة في بريطانيا سوزان ناثان، إلى بلدة تمرا الفلسطينية في إسرائيل عام ،2003 أقامت علاقات قوية هناك، على الرغم من أنها كانت اليهودية الوحيدة ضمن 25 ألف نسمة من العرب هم سكان البلدة ذات الكثافة العالية جداً، ومع مرور الزمن بدأ أصحاب الشقة التي استأجرتها يعاملونها كأنها أحد أفراد العائلة.

وتعيش هذه المرأة البالغ عمرها حالياً 62 عاماً في مدينة كوشيكودا الهندية بولاية كيرلا، منذ عام ،2010 كي تؤلف كتاباً وتعالج نفسها من آثار الاضطرابات والتوتر التي عانتها في إسرائيل، لكن يبدو أن هذه الكاتبة المخضرمة أعجبتها الاقامة في الهند، التي رفضت أن تمدد لها إقامتها. ولم توضع الكاتبة قيد الإقامة الجبرية فحسب، من قبل السلطات المحلية، بل إنها طلبت منها في 24 فبراير الماضي مغادرة الهند، وذلك لاتهامها بإقامة علاقات مع جماعات إسلامية متشددة، مثل حركة الطلبة الإسلامية في الهند، وجبهة التطوير الوطني، وهما محظورتان.

جنوب إفريقيا وإسرائيل

لم يولد بعد جيل إسرائيلي يشعر بمعاناة الفلسطينيين

أجرى الموقع الكندي للسلام حواراً مع ناثان عن كتابها «الجانب الآخر لإسرائيل».. وتاليًا مقتطفات من الحوار:

 

- كتبت «على الرغم من أنني اخترت العيش في تمرا يهودية، إلا أنني دائماً كنت حرة في اجتياز الحواجز العرقية»، ما الأسوأ برأيك الحواجز المادية أم النفسية؟

-- أعتقد أن النفسية هي الاسوأ، لأنها تأتي من كون المرء قد تعرض لغسل دماغ من خلال الايديولوجية والاساطير الصهيونية، وكيف تلجأ اليها الحكومة لنشر المخاوف. وقال العديد من اليهود إن لديهم اصدقاء من العرب، لكنهم لا يستطيعون القيام بما أقوم به.

- من يقرأ كتابك يشعر بمدى احترامك للثقافة المحلية، لماذا تعتبرين أن ذلك مهم؟

-- اخترت أن أعيش حياتي في عالم عربي، وهذه ليست تجربة إنسانية، إذ إنني اعيش حياة عربية، وإذا قدّر لي الذهاب الى الكويت أو المملكة العربية السعودية فإنني لن أواجه صعوبة في العيش هناك. وأنا اردت الاطلاع على الثقافة العربية كي اظهر مدى الشبه بينها وبين الثقافة اليهودية. والدول الغربية تعاني قضية دمج الاشخاص القادمين من دول اخرى، وإسرائيل ايضاً تعاني الامر ذاته، لكن المجتمع الاسرائيلي منقسم على نفسه، والحكومة تستغل الخلافات من اجل تمرير سياستها العنصرية، ليس ضد العرب فحسب، وانما ضد اليهود القادمين من افريقيا والعمال المهاجرين واليهود العرب.

- ولكن لماذا؟

-- للحفاظ على الصهيونية.

- تحدثت عن موضوع سميته «ثقافة العنف» في إسرائيل، كيف يؤثر ذلك في آمال العرب الذين يعيشون في إسرائيل؟

-- أينما توجه المرء يجد البنادق والمظاهر العسكرية امامه، فالشبان الاسرائيليون يذهبون الى الاراضي الفلسطينية المحتلة، ويقتلون الفلسطينيين هناك. انه امر مرعب، لكنها الحقيقة.

 

- تحدثت في كتابك عن تدمير الثقافة الفلسطينية، كيف تشعرين بمدى تأثير ذلك في ضمير العرب الذين يعيشون في إسرائيل؟

-- ينطوي ذلك على تأثيرين مختلفين: الاول هو أن العديد من الشبان غير مدركين لجذورهم وثقافتهم، لان آباءهم يخشون الحديث عن ذلك.

والثاني هو الاحساس بالخجل من نكبة .1948 وهناك من يعرفون الكثير من النكبة، ويصبحون ناشطين سياسيين، لكنهم يدفعون ثمن ذلك، إذ إن سياسة حكومة إسرائيل تقضي بإبقائهم خاضعين ومنقسمين. والآن ثمة وضع خطر في اسرائيل، إذ ان الحكومة تحاول مسح كلمة نكبة من ذاكرة المجتمع الدولي.

- كتابك مثل مرآة تظهر العرب، لكن متى سيبدأ اليهود برؤية تاريخهم عبر معاناة الفلسطينيين؟

ربما يستغرق ذلك جيلاً آخر، أما بالنسبة للمستقبل القريب فأنا لست متفائلة، وربما يسود العدل على الامد البعيد، وأنا لا أعتقد أن ذلك يمكن أن يحدث خلال فترة حياتي، وأتمنى أن تقود إسرائيل الشرق الاوسط إلى نزع السلاح.

وفي مقابلة أجرتها مع نيرانجالي فارما من موقع «دوول نيوز دوت كوم» بدت ناثان هادئة ومطمئنة إزاء وضعها الحالي، وقالت إن «ما يجري الآن لا يعد شيئاً مقارنة بما عانيته خلال حياتي في جنوب إفريقيا وإسرائيل، انه لاشيء، وليست هناك مشكلة في تمديد إقامتي، وليست هناك مشكلة في تمديدها مرات عدة».

ثمة موقف غريب من قبل الشرطة، وفي الاسبوع الماضي قدم محامي ناثان، مانشيري سوندار راج، إفادة في المحكمة العليا بولاية كيرلا، ليشرح حقائق عدة، في مسعى منه لتعزيز موقف ناثان الدفاعي في معركتها القضائية، المتمثلة في الكتاب الذي ألّفته في بلدة تمرا، وهو بعنوان «الجانب الآخر من إسرائيل».

ويعالج هذا الكتاب العديد من حالات التمييز العنصري والقمع الذي يواجهه المسلمون في إسرائيل، شارحة التيارات السياسية والثقافية للصراع في الشرق الاوسط. وتمت ترجمة الكتاب الى تسع لغات، من بينها المالايالام الهندية المستخدمة في ولاية كيرلا بصورة أساسية، لكن النسخة المترجمة للكتاب ورّطت ناثان في متاعب، إذ إن شرطة كيرلا تعتبر هذه النسخة مرفوضة، و«مصدر تهديد للدولة».

وتعتقد السلطات الامنية في كيرالا أن مترجم الكتاب الى الهندية الدكتور عبدالله مانيما، له علاقات مع حركة الطلبة الإسلامية في الهند، ويرى راج أن رسالة كتاب ناثان ضاعت في الترجمة غير الصحيحة للكتاب، الامر الذي منح الشرطة ذريعة لمضايقتها.

قالت ناثان لصحفية ميل توداي «ليس لدي علاقة بالترجمة، ولم ألعب أي دور بها، وإنما تمت عبر اتفاق مع ناشر كتابي، وناشر محلي، ونظراً الى أنني لا أعرف لغة مالايالام، فإنني لا أستطيع تحديد الاخطاء في الترجمة». واندلع الخلاف بشأن علاقات الكاتبة الاخرى عندما دققت الشرطة في وضع الكاتبة، واكتشفت أن المنزل الذي استأجرته كان قد دبره لها أبوبكر، وهو نائب سابق لحركة الطلبة المسلمين في الهند، كما أن إقامتها كانت قد انتهت، وهذا ما أدى الى تعزيز ادعاءات الشرطة التي مفادها أن ثمة علاقات بين ناثان وعناصر إسلامية متطرفة.

لا أنام

وسألها فارما من موقع دوول نيوز عما إذا كانت تشعر بانها تعيش ضغوطاً أو توترات من أي جهة دينية أو سياسية، فأجابته ناثان: «لا بتاتاً، وكل ما أريد قوله أن دكتوراً كبيراً في التحليل النفسي يعمل في بلجيكا كتب رسالة الى محاميّ يقول له إنني أعاني أعراض ما بعد التعرض للاضطراب والتوتر، وهذا يعني أنني لا أنام في الليل، وأصبحت أكثر عصبية وخوفاً عندما ارى سيارة الشرطة في الشوارع، وأصبحت متيقظة جداً للأشخاص الذين يزورون البيت، كما أن ردي على كل سؤال بريء يمكن أن يكون أحياناً عدوانياً ودفاعياً»

وأضافت الكاتبة ناثان: «هذا ما ينجم عن حالة ما بعد التعرض للتوتر والاضطراب، إذ إنها تؤثر في تركيز المرء، كما أنها تستغرق زمناً طويلاً للتمكن من التغلب عليها، وأحتاج الى رعاية متخصص هنا. ولا أريد الحديث اكثر عن ذلك، لكنني أريد أن أقول إن ذلك يدمّر عائلتي، ويدمر أطفالي»، وكانت ناثان قد جاءت الى كوشيكود في يناير 2010 من اجل العلاج، ولمواصلة نشاطاتها في الكتابة، وعرض خدمات مجانية لمركز العلاج المحلي.

ممنوع الانتقال

وبمعزل عن كونها كاتبة مشهورة، فإنها خبيرة في التحليل النفسي السريري عن طريق التدريب، كونها تحمل شهادة دكتوراه في هذا المجال، وتسهم بكتابات كثيرة لصحيفة تابلويد سويدية هي «افتونبلادت» في قضايا تتعلق بإسرائيل، وتتحدث عن حقوق الإنسان في المنابر الدولية. وتقول ناثان إن الشرطة لا تسمح لها بالانتقال من شقتها المستأجرة. واستطردت «إنني لا يسمح لي بالخروج وشراء الدواء الذي احتاجه لعلاجي. ويتعين عليّ الاتصال بالصيدلية وطلب الدواء كي يُرسل لي إلى بيتي».

وفي واقع الامر فإن ذلك وضع صعب بالنسبة لكاتبة، وقد انتهت مدة إقامتها في 16 سبتمبر .2010 وعلى الرغم من التظلم الذي قدمته في طلبها من اجل تمديد الاقامة في وزارة الاتحاد والشؤون الداخلية، وانها كانت تخضع لعلاج انزلاق فقرة، واضطرابات، إلا أنها كانت مصممة على الاستمرار في تطوعها لتقديم خدماتها في مركز العلاج والرعاية المحلي، لكن رئيس مجلس كوشيكود أصدر أمراً بترحيلها في 15 يناير الماضي.

واستناداً لهذا الأمر، عملت الشرطة على إحباط محاولة لمنحها الاقامة، وعندها انتقلت ناثان الى المحكمة العليا في كيرلا، لكن هذه الأخيرة أصدرت أمراً مفاده أنه ينبغي ترحيل جميع الاجانب الذين انتهت إقاماتهم في الحال.

جماعات إسلامية

وأبلغت حكومة كيرلا المحكمة العليا في كوتشي بأن ناثان لها علاقات وثيقة مع الجماعات الإسلامية المتطرفة، مثل حركة الطلبة الإسلامية في الهند، وجبهة التطوير الوطني، لكن ناثان قدمت طلب استئناف ضد حكم الترحيل، ولاتزال القضية في المحكمة العليا.

ويقول محاميها إن الادعاء العام لم يكشف العديد من الحقائق الحاسمة للمحكمة العليا، ولهذا السبب قدم إفادة جديدة للمحكمة العليا تحوي جميع المعلومات. وأضاف راج أن طلب ناثان من أجل تمديد الإقامة كان أمام وزارة الداخلية التي ستعقد له جلسة قضائية مع وزارة الخارجية، وبناء عليه فإن هناك جلسة مرتقبة.

وكانت الكاتبة قد ولدت في بريطانيا، وبعد سنوات عدة زارت جنوب إفريقيا، حيث عائلتها وأصدقاؤها في جنوب افريقيا ابان فترة التمييز العنصري، وهذه الدولة هي مسقط رأس والدها، وهناك أصبحت ناشطة وفاعلة في الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي كانت تعصف بالدولة، ثم عادت الى لندن، وأصبحت مستشارة لمرضى الايدز، وبعد ذك طُلقت من زوجها، وكان أبناؤها قد أصبحوا يافعين، فذهبت الى إسرائيل استناداً إلى قانون العودة الإسرائيلي.

عن: «ميل أونلاين» و«الموقع الكندي للسلام في الشرق الأوسط»

تويتر