مع فشل عملية السلام.. واستمرار الخلافات والانقسامات الداخلية

«الربيع العربي» يشجع الفلسطـــينيين على إطلاق انتفاضة شاملة

الفلسطينيون سيتابعون «المقاومة الشعبية» والتظاهر ضد الجدار العنصري والاستيطان حتى الحصول على حقوقهم وإقامة دولتهم. أ.ف.ب

مع دخول ثورات ما يُسمى «الربيع العربي» عامها الثاني يتساءل محللون وخبراء سياسيون عن تأثير تلك الثورات في المواقف الفلسطينية تجاه إسرائيل، وما إذا كانت ستساعد على إشعال انتفاضة فلسطينية جديدة، أو أن الفلسطينيين سيواصلون جهودهم لإعلان دولتهم من خلال الأمم المتحدة أو أنهم سيحاولون التوصل الى تسوية من خلال التفاوض مع إسرائيل. وبيّنت عملية مسح للرأي شملت عينات من أنصار حركة «فتح» وحركة (المقاومة الإسلامية) «حماس» والعلمانيين وشرائح فلسطينية أخرى، أن الفلسطينيين سيتابعون ما يصفونه بـ«المقاومة الشعبية» غير العنيفة للحصول على «تنازلات»، من خلال تكتيكات تتضمن الاعتراف بدولتهم من جانب واحد في الأمم المتحدة وتنظيم تظاهرات ومسيرات احتجاج قرب الجدار الفاصل المثير للجدل، والتحريض على المقاطعة وبرامج العقوبات وزيادة اضرابات السجناء الفلسطينيين عن الطعام. وقد تستمر هذه الأعمال حتى يتم التوصل الى اتفاقية دائمة للتسوية مع إسرائيل، وإذا لم يتم التوصل فإن هذه الاحتجاجات قد تفضي الى اشعال نار انتفاضة فلسطينية جديدة شاملة، على الرغم من أن معظم المسؤولين الفلسطينيين يقللون من شأن هذا الاحتمال وأهميته ويؤكدون ان المقاومة في المستقبل لن تكون إلا سلمية وغير عنيفة.

العلمانيون

في مقابلة مع صحيفة «القدس» قال الملياردير الفلسطيني منيب المصري، الذي يتمتع بعلاقات قوية وطيبة مع قادة «فتح» و«حماس»، إن «النجاح في استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية يعتمد علينا جميعاً، وليس حركة فتح وحدها او حركة حماس وحدها، وإن المرحلة التالية ستكون اقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وهذا الأمر في مصلحة الاسرائيليين والفلسطينيين»، مشيراً الى أن ثمة فرصة تاريخية ينبغي عدم اهدارها. ويؤيد المصري اسلوب اللاعنف لكنه يؤكد «حق الفلسطينيين في انتهاج أي اسلوب من اساليب المقاومة يرونه مناسباً ويقره القانون الدولي»، وكغيره من القادة الفلسطينيين يقول إن العنف أضر بقضيتهم، وإن الاحتجاجات السلمية المماثلة لما يجري في الدول العربية المجاورة هي المولد لتعاطف دولي أكبر. ويقر هذا الثري الفلسطيني بأن التفاوض مع اسرائيل أمر ضروري لتجسيد الدولة الفلسطينية، لكنه يعتقد أن إسرائيل غير راغبة وغير جادة في التوصل الى اتفاق للتسوية أو حتى الى صيغة لتجاوز حالة الجمود التي تمر بها المفاوضات. كما يدافع المصري عن مبادرة السلام العربية لعام ،2002 التي اعيد عرضها في عام ،2007 والتي تنص على انهاء العالم العربي لحالة الحرب مع اسرائيل وتطبيع العلاقات معها مقابل اقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة عاصمتها القدس الشرقية. وخلال مقابلتي للدكتور محمد دجاني الأستاذ في جامعة القدس ومؤسس حركة «الوسطية» الإسلامية التي تؤيد التعايش السلمي مع اسرائيل، قال إن الانتفاضات العربية زادت من جرأة الاسلاميين وثقتهم وأظهرت أن الولايات المتحدة اضاعت فرصة كبيرة لاقامة علاقات طيبة مع المعتدلين الاسلاميين القادرين على الحد من انتشار التطرف بين الشباب المسلم. ولاحظ البروفيسور دجاني، أن الانسحاب الاحادي الذي قامت به اسرائيل من قطاع غزة واتفاق الإفراج عن الجندي الاسرائيل جلعاد شاليت ورفض الحكومة الاسرائيلية للرئيس الفلسطيني محمود عباس كشريك للسلام، قد اسهم كل ذلك في تقوية حركة «حماس» واضعاف حركة «فتح». وعلى الرغم من تفشي الفساد والنزعة السلطوية في كل من «فتح» و«حماس» فإن دجاني يجادل بأنه اذا قرر الفلسطينيون اشعال انتفاضة فإنهم لن يوجهوا غضبهم ضد قادتهم، وإنما ضد إسرائيل وأميركا.

«حماس»

دفع نقل المقر السياسي لحركة «حماس» من دمشق -ربما لعدم تأييد نظام الرئيس السوري بشار الأسد صراحة في موقفه من الأزمة- مسؤولي الحركة الى البحث عن ملاذ جديد، وأدى الى تضرر علاقاتها مع ايران. ومهما يكن من أمر فإن خيار انتقاء مقر جديد لها في تركيا أومصر أو الأردن أو قطر أو تونس لن يوفر للحركة الاسلامية تمويلاً كبيراً وقوياً وفرصاً للتدريب، كما كان الوضع في سورية، لأن جميع هذه الدول ترتبط بعلاقات بشكل او بآخر مع اسرائيل. وتعمق ادراك «حماس» لضعفها خلال اعلانها في نوفمبر من العام الماضي انها ستنضم الى منظمة التحرير لاول مرة منذ ظهورها كحركة في .1987 وبقيت حماس وحركة الجهاد الاسلامي خارج اطار عضوية منظمة التحرير التي تعتبر مظلة لجميع الفصائل والتنظيمات الفلسطينية ونشرتا اعداداً من «المفجرين الانتحاريين»، وقامتا بسلسلة عمليات لنسف مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية. ويقتضي القرار غير المسبوق لـ «حماس» بالانضمام الى منظمة التحرير أن تعترف بإسرائيل وتعلن «إدانتها للارهاب» والالتزام بالاتفاقات التي تم التوصل اليها بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. وبعد الحرب الإسرائيلية الاخيرة على غزة 2008-2009 تنامى الإحباط بين الفلسطينيين إزاء فشل «فتح» و«حماس» في بلورة عملية مصالحة وطنية فلسطينية تنسجم مع مسيرة الربيع العربي تزيد من ثقة اهالي غزة وجرأتهم على الانقلاب على قادتهم، وأرغمت «حماس» على التركيز على الشؤون الداخلية، وليس على الهجمات التي تستهدف اسرائيل، على حد قول وزير الداخلية في الحكومة المقالة فتحي حماد، ونجحت قواتها في الاشهر الماضية في منع شن هجمات بالصواريخ على المناطق والمستوطنات الاسرائيلية المحيطة بقطاع غزة.

وفي ابريل الماضي قال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» موسى أبومرزوق في مقابلة مع صحيفة «ذا فوروارد» الأميركية، إنه لن يكون لزاماً على «حماس» أن تحترم أي اتفاقية بين اسرائيل ومنظمة التحرير، لأن الجانب الفلسطيني سينظر الى أي تسوية يتم التوصل اليها معها على انها «هدنة» وليست اتفاق سلام دائم.

«فتح» ومنظمة التحرير

بعد فشل الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في تحقيق أي اختراق في المفاوضات الاستكشافية التي جرت في الأردن في يناير الماضي، رفضت منظمة التحرير الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة «فتح» استئناف المفاوضات حتى توقف اسرائيل نشاطها الاستيطاني في الضفة الغربية، وأن تكون الدولة الفلسطينية على حدود 1967 هي الاطار العام لأي اتفاق للتسوية السلمية، بينما أصرت إسرائيل على استئناف المفاوضات من غير شروط مسبقة. وفي ابريل الماضي قاطع رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض اجتماعاً كان مقرراً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وحل محله كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، الذي اصدر بياناً قال فيه «إن اسرائيل والسلطة الفلسطينية ملتزمتان بتحقيق السلام». كما أدى استمرار الخلافات والانقسامات الفلسطينية الداخلية، وعدم انجاز شيء ملموس دبلوماسياً الى زيادة بعض الممارسات المنافية للديمقراطية من جانب الرئيس عباس الذي يواجه بدوره انتقادات من وسائل الاعلام. ففي مارس الماضي تم اعتقال صحافية واثنين من المدونين على الانترنت لتطرقهم الى وجود فساد في منظمة التحرير، بينما شددت السلطة قيودها الرقابية في ابريل الماضي على ثمانية مواقع موالية لحركة «فتح» التي يتزعمها عباس لانتقادها سياساته.

الشارع الفلسطيني

يقول استاذ الاقتصاد ابراهيم الشقاقي، إن الجماهير الفلسطينية وليس القيادة هي التي ستكون صاحبة النفوذ والتأثير والقرار في كل ما يتعلق بمصير الشعب. وأظهر استطلاع مشترك لآراء الفلسطينيين والإسرائيليين قام به المركز الفلسطيني للدراسات والأبحاث في سبتمبر الماضي، أن 80٪ من الفلسطينيين أيدوا الجهود الاحادية للحصول من الامم المتحدة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بينما أظهر استطلاع في مارس الماضي ان نقصاً في الثقة والنظرة التشاؤمية تجاه فرص وآفاق السلام مع اسرائيل جعلت 58٪ من الفلسطينيين يعارضون استئناف المفاوضات مع اسرائيل ما لم توقف اسرائيل بالكامل انشطتها الاستيطانية، سواء توسيع المستوطنات القائمة او بناء مستوطنات جديدة، وتعلن قبولها بالعودة الى حدود الرابع من يونيو .1967

إن مجمل ما يمكن قوله هو ان هناك نظرة متشائمة ازاء فرص السلام، فالجانب الفلسطيني يرفض أي استئناف غير مشروط للمفاوضات مع اسرائيل، ما سيرغم القادة الفلسطينيين على السعي لتحقيق مكاسب وإنجازات دبلوماسية من جانب واحد، كما أن حركتي «فتح» و«حماس» ما زالتا في موقف ضعيف، إذ تصارع كل منهما للاحتفاظ بالسلطة وتفتقدان على ما يبدو إلى الرغبة في تحدي اسرائيل مباشرة لتفادي ما تواجهانه من انتقادات داخلية. وسيكون لاندلاع انتفاضة ثالثة نتائج كارثية على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وقد تمتد خطورتها على المستوى الاقليمي، ولكن مازال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الانتفاضة الجديدة ستكون موجهة ضد القادة الفلسطينيين لفشلهم في تحقيق الإصلاحات والقضاء على الفساد أو ضد الاحتلال الإسرائيلي أو الأمرين معاً.

وفي الثامن من مايو الماضي توصل نتنياهو الى اتفاق ائتلاف عريض مع حزب «كاديما» يتمتع بأكبر اغلبية في تاريخ اسرائيل، ما يوفر حافزاً لتحريك نتنياهو ودفعه نحو مفاوضات مع الفلسطينيين لإنهاء الصراع.

مايكل شارنوف - كاتب وأكاديمي أميركي خبير في التاريخ السياسي في الشرق الأوسط.

تويتر