مبارك أول رئيس عربي يحاكمه شعبه

محاكمة النظام السابق عمّقت الانقسام في الشارع المصري

أهالي الضحايا طالبوا بإعدام مبارك ورموز نظامه. إي.بي.إيه

مذنب أو غير مذنب، فإن الحكم بالمؤبد على الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، من شأنه أن يعمّق الاستقطابات في مصر ويضاعف من الاحتقان السياسي الذي هو في الاصل موجود في خضم توترات الانتخابات الرئاسية، لقد أصبح مبارك أول رئيس عربي يحاكمه شعبه. استقطبت المحاكمة جل اهتمام الشعب المصري، وغذت من التوترات والحزازات بين المجموعات المتناوئة التي هي في الأصل متوترة تحت حكم الجنرالات الذين حلوا محله، ويعتقد الكثير من المصريين أن المحاكمة مسرحية لاسترضاء المحتجين الذين يقولون إن مبارك مسؤول عن افعاله.

ومهما يكن من أمر الحكم فان محاكمة مبارك نفسها من شأنها أن ترسل رسالة قوية لأي رئيس مستقبلي تحذره من التفرد بالسلطة، على الرغم من ان الحكم نفسه لم يكن كافياً لمحاسبة مبارك على كل ما اقترفه بحق شعبه. ويقول الضحايا إن «العدالة لن يتم تحقيقها ابداً»، كما ذكر احمد الفكي الذي تعرض لإصابة في عينه اليسرى خلال الاحتجاجات على حكم مبارك. كما أن كثيراً ممن خرجوا إلى الشوارع يشعرون الآن بالإحباط، نظراً لتبرئة الكثير من ضباط الشرطة المتهمين بإطلاق النار على المتظاهرين، ويقول احدهم انها فرصة للعودة مرة أخرى إلى ميدان التحرير.

مضى 491 يوماً منذ اغتيال المواطن احمد بسيوني في الطريق، تعرض بسيوني لإطلاق النار من قبل قوات الامن، ثم تعرض جسده ايضاً للدهس من قبل سياراتهم، كان ذلك يوم خرج المواطنون في احتجاجات ضد قوات الامن اواخر يناير .2011 كانت عائلته واصدقاؤه ينتظرون محاكمة مبارك على أحر من الجمر، يقول أحد اصدقاؤه في الكلية «كان موسيقاراً وفناناً افتراضياً وواحداً من الأساتذة الذين عرفتهم من قبل»، ويضيف «انه امر محزن ان يموت شخص كهذا ولا يغير موته أي شيء، لن نقبل بمثل هذا الوضع».

يوم أمس، أحاطت 160 دبابة و20 ألفاً من ضباط الشرطة المكان الذي يحاكم فيه الرجل المسؤول عن مقتل بسيوني، طالب المدعون بإعدام الرئيس السابق، للجرائم التي يقولون انه ارتكبها خلال فترة حكمه التي امتدت 30 عاماً، ومن ضمنها مسؤوليته عن مقتل ما يصل الى 1000 من دعاة التغيير الديمقراطي الذين نظموا احتجاجات عارمة ضد حكمه العام الماضي، اضافة الى سلسلة من الممارسات الفاسدة.

لم يعرف معظم المصريين رئيسا لبلادهم سوى مبارك، والآن شاهدوا هذا الرجل البالغ من العمر 84 عاماً يمثل امام السلطات القضائية التي عينها بنفسه في مبنى مثله مثل أي مبنى آخر كان يحمل اسمه. ويجيء هذا الحكم بعد أيام قليلة من استعداد آخر رئيس وزراء مصري، احمد شفيق، المقرب لمبارك، لخوض انتخابات الإعادة أمام مرشح الاخوان المسلمين، محمد مرسي، في الانتخابات الرئاسية التي تركت مصر ضعيفة ومنقسمة على نفسها، واثار انتصار شفيق في الجولة الاولى الكثير من مخاوف المصريين، الذين عبروا عن مخاوفهم بقولهم إن النظام القديم قد عاد.

ويعتقد البعض ان شفيق إذا ما حالفه الحظ في الوصول الى كرسي الرئاسة فإنه سيصدر عفواً عن مبارك ويطلق سراح ابنائه وجميع المتورطين في قضايا فساد من بطانة مبارك، كما ان أي عنف يعقب النطق بالحكم من شأنه أن يضاعف فرص شفيق بالفوز في الاعادة.

وأصدرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» بياناً عن المحاكمة ذكرت فيه «انه لم تكن هناك جهود حثيثة لمحاسبة المسؤولين عن موت المواطنين في الحجز وعمليات الاحتجاز غير القانوني والتعذيب وانتهاكات حقوق الانسان الاخرى خلال فترة مبارك»، وتقول هذه المنظمة الحقوقية التي تتخذ من نيويورك مقراً لها ان هذا من شأنه أن يعرض سمعة الحكومة الحالية الى الخطر، ويثير الشكوك حول التزاماتها بالتمسك بحقوق الانسان وحكم القانون.

ويقول القانونيون إن مبارك واعوانه جرت محاكمتهم امام محاكم عادية، بينما مثُل اكثر من 12 ألف مدني امام المحاكم العسكرية، منذ ان تولى الجيش مقاليد السلطة في البلاد.

يقول الصحافي ورئيس تحرير «الاهرام اونلاين»، هاني شكر الله، إن «الحزب الوطني الذي يتزعمه مبارك لم يكن ابدا حزباً بمعنى الكلمة، وانما هو شبكة ضخمة من الولاءات التي يتزاوج فيها المال والسلطة، ويتحالف فيها رجال الاعمال مع البيروقراطيين في أعلى قمة السلطة نزولا الى اقصى قرية في البلاد».

ويضيف: «خلال الانتخابات البرلمانية السابقة (التي فاز فيها الاسلاميون) عمت الفوضى تماما هذه الشبكة، إلا أنهم بدأوا الآن يجمعون صفوفهم».

مثله مثل بقية المراقبين يعتقد شكر الله بأن القضية ضد مبارك تمت صياغتها بشكل فقير جداً، فقد اختفت الشواهد الحاسمة، ويسوق الاعذار لقاضيه حتى ولو حكم عليه حكماً مخففاً أو برأ ساحته.

محاكمة مبارك، التي بدأت قبل 10 اشهر، ستعيش في الوجدان العربي بوصفها علامة فارقة في الربيع العربي الذي اكتسح الطغاة في الشرق الاوسط وشمال إفريقيا، إلا أن المحاكمة نفسها جرت في جو مشحون بالتوتر، ولم تكن إجراءات بالقدر المناسب وفقاً لاحد خبراء القانون، وتصرف محامو عوائل الضحايا بشكل فوضوي، وان قضية المدعي تبدو ضعيفة للغاية، وعلى العموم فإن المحاكمة كانت «مرتجلة ومسيسة»، كما يعتقد الخبير القانوني، ناصر امين.

تويتر