الصغار الثلاثة تفحمت أجسادهم بعد اشتعال أثاث الغرفة

عم «ضحايا الشموع»: حصـار غزة أحــرق أجساد أطفالنا

الغرفة التي احترق فيها الأطفال الثلاثة بسبب شمعة. الإمارات اليوم

لم تكن تعلم أم صبري بشير، من سكان مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، أن الشمعة التي أضاءتها لتنير عتمة أطفالها الذين لا تتجاوز أعمارهم سن السادسة، ستحرق أجسادهم البريئة وتحولها إلى جثث متفحمة، فأزمة انقطاع التيار الكهربائي ونفاد الوقود، التي يعانيها سكان القطاع منذ أشهر عدة، هو ما دفع نادين (ست سنوات)، وفرح (خمس سنوات)، وصبري (ثلاث سنوات)، يطلبون من والدتهم أن تضيء لهم شمعة خوفاً من الظلمة التي تخنق غرفتهم، ولكن هذه الشمعة بقدر ما هي بسيطة حولت حياة عائلة بشير إلى جحيم وتسببت في كارثة سترافقها مدى الحياة.

ففي يوم الاثنين الماضي، كانت عائلة بشير على موعد مع فجيعة لن تنساها ذاكراتهم، إذ إن الشمعة احترقت بأثاث الغرفة التي كان ينام فيها الأطفال، ليختنقوا قبل أن تحول النار أجسادهم إلى جثث محترقة، فعائلة بشير لم تتعرف إلى ملامح الأطفال بعد أن تم نلقهم إلى المستشفى.

«الإمارات اليوم» كانت في غرفة الأطفال الثلاثة، حيث النار التي طالت كل شيء، ألعابهم وملابسهم وكتبهم، وحتى المكتبة التي كانوا يدرسون عليها، والتقينا بوالدة الأطفال التي تحدثت إلينا بصعوبة، بسبب حالتها النفسية السيئة التي تمر بها.

وتقول والدة الأطفال بصوت مختنق «في الساعة السابعة من مساء يوم الاثنين الماضي، طلب مني أطفالي لأول مرة أن أشعل لهم شمعة في غرفتهم حتى يناموا علي ضوئها، خوفاً من الظلمة، ولم أرضَ، ولكنهم أصروا، أشعلت لهم الشمعة، وذهبت إلى الغرفة الثانية لأرضع طفلتي الصغيرة التي تبلغ من العمر ثلاثة أشهر، وفجأة إذا بالنار تلتهم المكان، ولم أتمكن من انقاذهم وخرجت كالمجنونة أصرخ كي ينقذوا أطفالي، ولكن النار اشتعلت وطالت كل شيء، إذ يوجد سجاد وأثاث من الخشب، ومكتبة الأطفال».

وتضيف «صدمت صدمة عمري، رحلوا وتركوا حرقة في قلبي، أطفالي يحترقون أمام عيني ولا أقدر على إنقاذهم أو رؤيتهم».

حاولنا الالتقاء بوالد الأطفال رائد بشير، لكنه يعيش في صدمة منعته من الحديث، أو الدخول إلى منزله الذي احترق فيه الأطفال، فقد ودع أطفاله، الذين رُزق بهم بعد 17 عاماً من الحرمان والانتظار، في لحظة واحدة.

ويقول عم الأطفال محمد بشير «تزوج شقيقي الزوجة الأولى قبل 14 عاماً، ولم يزرقهما الله بالأطفال، ولكنها فارقت الحياة بعد صراع مع المرض، ولم يشأ له الله بأطفال مع زوجته الثانية، وبعد ثلاث سنوات شاء له القدر ان ينجب أربعة أطفال من زوجته الثالثة، لكنهم جميعهم رحلوا ولم يبق له إلا طفلة رضيعة عمرها ثلاثة أشهر».

ويضيف «لو لم يكن هناك حصار على غزة وأزمة كهرباء ونفاد الوقود، لما لجئنا إلى استخدام الشمع أو المولدت الكهربائية التي أحرقت أجساد أطفالنا وأحرقت قلوبنا معهم. نحن نحتسبهم عند الله شهداء، ونقدمهم للوطن شهداء، كما قدم الكثير من العائلات أبناءها فداء للدين والوطن».

تحمل عائلة بشير كل من له علاقة في حصار غزة المسؤولية عن الفجيعة التي أودت بحياة أطفالهم، وتدعو حكومتي غزة ورام الله لإنهاء الانقسام وحل مشكلات سكان غزة حتى لا تتكرر الفجيعة التي حدثت لهم مع عائلات أخرى. ويقول بشير «على حركتي فتح وحماس أن يتقوا الله فينا، وندعوهما إلى الاتفاق من أجل إنهاء أزمتنا حتى لا تحدث خسائر أخرى لدى بقية العائلات، فالرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ورئيس وزار حكومة غزة، إسماعيل هنية، قدما لنا مساعدة ووقفا بجانبنا، وهنية شارك في جنازة أطفالنا ونشكر لهما ذلك، ولكن عليهما أن يسعيا لحل هذه الأزمة حتى لا يُحرق المزيد من قلوب العائلات على أطفالها».

ما جرى في منزل عائلة بشير لم يكن الحادثة الأولى في منطقة دير البلح وسط قطاع غزة، بسبب أزمة انقطاع التيار الكهربائي، ففي العام الماضي توفي أربعة أطفال أشقاء من عائلة برغوث، جراء اختناقهم من المولد الكهربائي، ليملأ الخوف قلوب أطفال غزة من أن تُحرق أجسادهم أو تُزهق أرواحهم.

تويتر