روسيا مهدّدة بالعزلة عربياً بسبب موقفها من سورية

وزيرة الخارجية الاميركية هلاري كلينتون أثناء اجتماع اممي بشأن سورية. إي.بي.أيه

يبدو أن الاحداث التي اطاحت بالرئيس الليبي السابق، معمر القذافي، ونظامه في ليبيا والأوضاع المتأزمة في سورية منذ 11 شهراً، قد قذفت بالجامعة العربية في وسط الحلبة الدبلوماسية لتجد نفسها امام تحديات لم تقلح حتى الآن في مواجهتها بحلول عربية. ولكن اتخاذ دولة مثل السعودية خطوات نشطة في الملف السوري، مثل سحب مراقبيها من مهمة المراقبين يقدم دليلاً على ما تعانيه الجامعة من ضعف وانقسامات وخلافات تحبطها وتشل فاعليتها.

ويعكس تصرف السعودية هذا رغبتها في لعب دورها الدبلوماسي في توجيه الأمور والتأثير في سير الأحداث بكل هدوء ومن وراء ستار. وسرعان ما تلقف الغرب مبادرة الجامعة العربية التي تقضي، بين بنود اخرى، بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد، وتفويضه سلطاته الى نائبه، وتكليف المعارضة بتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية تحضر لانتخابات تشريعية ورئاسية في سورية. وتسعى الدول العربية، تقودها اميركا وفرنسا وبريطانيا، الى بلورة مشروع قرار لطرحه امام مجلس الأمن الدولي يستند في معظمه وجوهره الى مضمون المبادرة العربية .

واستناداً الى خبراء في كواليس الأمم المتحدة، فإن مشروع القرار يمكن أن يحمل في طياته إمكانية عزل روسيا عن العالم العربي الذي تجري اعادة تشكيله من خلال موجة التغيير التي تسمى «ثورات الربيع العربي». ويتعين على موسكو ـ وهي تستعد لاستخدام حق النقض على مشروع القرار العربي في مجلس الأمن ـ ان تجيب عن سؤالين أولهما هو: بوصفها المورد الرئيس للسلاح إلى سورية، هل تدعم روسيا الطرف الخاسر؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فإن موسكو لن تخسر عقداً بقيمة 550 مليون دولار وقعته مع دمشق لبيع طائرة تدريب فحسب، بل ستخسر كذلك القاعدة الوحيدة التي تملكها خارج الاتحاد السوفييتي السابق، ويبدو السؤال الثاني أكثر إلحاحاً وهو: هل موسكو مقبلة على فقدان آخر حليف لها في عالم عربي يتجه نحو التغيير والديمقراطية ؟

بالنسبة للملف السوري فإن الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، يجد نفسه في موقف غير عادي من خلال المبادرة او الخطة العربية التي تم الانتقال بها الى مجلس الأمن الدولي، والتي احدثت إنقساماً بين اعضاء الجامعة بين مؤيد ومعارض ومتحفظ.

ومهما كان مدى وعمق التغيير في العالم العربي، فإن سورية ستبقى ركناً مهماً فيه. وقد ورثت روسيا الوجود والتأثير في الشرق الأوسط من الاتحاد السوفييتي السابق، ولكنها تبدو عاجزة عن كسب مزيد من الأصدقاء مع رحيل القذافي وما يتهدد بشار الأسد. وقد شددت موسكو ومازالت تشدد على أن أي مشروع قرار امام مجلس الأمن لن يتضمن، حتى ولو بالإشارة من بعيد، أي تدخل عسكري اجنبي في سورية، وان صياغته تدور حول ضرورة حل الأزمة السورية سلمياً.

ويقول مسؤولون غربيون لن تكون روسيا على حق في تحذيرها من ان مشروع القرار المعروض على مجلس الأمن الدولي ينطوي على احتمالات انزلاق سورية الى حرب اهلية، وان استمرار دعمها لنظام الأسد هو الذي قد يدفع سورية الى مثل تلك الحرب الأهلية.

ولا يرى الأسد انه له مستقبلاً ليأتي مشروع القرار الجديد ليعزز هذا الاحتمال، واذا ما دخلت سورية في اتون حرب اهلية فإن حرائقها لن تقتصر على الطائفة العلوية وطبقة التجار ورجال الأعمال في حلب ودمشق وغيرهما من المدن التي تساير نظام الرئيس الأسد حفاظاً على مصالحها، وسيكون ما شهدته وتشهده ليبيا من اعمال قتل وتخريب وتدمير ونهب وسلب، مجرد نزهة او امر بسيط من مضاعفات تلك الحرب.

واكدت موسكو مجدداً نيتها احباط اية محاولة لارغام الرئيس الأسد على التنحي او اسقاط نظامه، ونددت بالموقفين البريطاني والأميركي ومحاولات لندن وواشنطن تبرير التدخل الخارجي، ودفع مجريات الوضع في سورية الى نزاع مسلح يمهد لتدخل خارجي.

من جانبها، قالت ادارة الرئيس الأميركي، على لسان وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون، انه ليست هناك اية نية لدفع الأمور نحو تدخل عسكري في سورية، وانه يجب حل الأزمة فيها سلمياً. كما شدد وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ على الطبيعة السلمية للقرار المنتظر صدوره عن مجلس الأمن الدولي بشأن الأزمة السورية، رافضاً ما ساقه المندوب السوري لدى الأمم المتحدة في هذا الشأن، مشيراً الى ان القرار يستند الى افكار ورغبة من الدول العربية التي تريد الحافظ على استقرار منطقتها، ويعبر مشروع القرار عن القلق العميق لأعضاء مجلس الأمن والمجتمع الدولي ازاء نزيف الدم وعمليات القتل اليومية واستمرار عمليات ادخال الأسلحة الى سورية، ما يذكي العنف ويؤججه، ولا يخفي الدبلوماسيون الغربيون قلقهم من الموقف الصيني الذي لا يقل دعماً لنظام الرئيس الأسد، ويعترفون بأن هناك حاجة الى جهود مضنية لإقناع بكين بتغيير موقفها واقناعها مع موسكو بعدم استخدام الفيتو ضد مشروع القرار.

تويتر