خرافة الحرب على الإرهاب بعد 10 سنوات من 11 سبتمبر

بوش ضخم خطر « القاعدة » لتسويغ جرائمه

آلاف الأفغان الأبرياء دفعوا ثمناً باهظاً للحرب الأميركية ضد «الإرهاب». غيتي

كانت إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش هي التي رسمت الصورة لتنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن على انه الذي ارتكب مجازر ضد الولايات المتحدة، وحمل «لواء الجهاد العالمي» ضد الغرب، وأقنعت نفسها بهذه الصورة، لتسوغ كل ما ارتكبته من جرائم وحشية في العراق وأفغانستان وباكستان وغيرها، ولاتزال إدارة الرئيس باراك أوباما تسير على ذلك النهج، وإن تم ادخال بعض التغييرات.

وإذا ما تساءلنا عن أهم وأخطر هجوم للقاعدة خلال الاشهر الماضية، فإن الاجابة هي التفجيرات التي وقعت في 15 أغسطس الماضي في 17 بلدة ومدينة في العراق، أوقعت 63 قتيلا وعشرات الجرحى. وكان من الطبيعي أن يتم تجاهل هذه المذبحة ببساطة، لان الولايات المتحدة وبريطانيا تعتقدان أن تنظيم القاعدة لا يستهدف إلا مدنهما ومواطنيهما واهدافهما، وهنا جميع الضحايا عراقيون.

وتم تجاوز الدوافع لدى القاعدة التي كانت تتمثل في الحساسيات المحلية مثل ما هو قائم بين السنة والشيعة، والصراعات الاقليمية مثل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، لتمتد الى صراع الحضارات. وفي الواقع فإن اعمال «القاعدة» أقل بكثير من الصورة التي رسمتها إدارة بوش، واستمرت عليها إدارة اوباما، وتعاملت معها وكالات الاستخبارات والأجهزة الامنية والصحافيون والمعلقون.

فقد كان تنظيماً صغيراً وضعيفاً متداعياً، وإذا ما بدا للبعض كبيراً فذلك بسبب قدرته على التفريخ والتكاثر في النزاعات المحلية.

وربما كان بن لادن راغباً في شن حملة جهاد عالمية، لكن معظم الذين اعلنوا عن انفسهم بعد 11 سبتمبر 2001 انهم ينتمون الى «القاعدة» اتضح أن لديهم اجندة مختلفة واكثر إلحاحاً.

ولم تكن جماعات القاعدة الموجودة في العراق يوماً تحت سيطرة بن لادن أو تنفذ اوامره، بل كان اهتمامها منصباً على إيقاع أكبر عدد من الضحايا في صفوف الجنود الأميركيين والعراقيين الشيعة.

وثمة علاقة قوية بين حركة «طالبان» الباكستانية و«القاعدة»، حيث يتم ارسال انتحاريين للتفجير في قرى شيعية باكستانية وتجمعات العمال حينما تشتد هجمات الجيش الباكستاني وتزداد.

ويبدو أن التوزيع المناطقي للجماعات التابعة للقاعدة يصب في مصلحة الغرب، فمعظم الهجمات التي تم تنفيذها بعد 11 سبتمبر فشلت، بسبب الاختلافات في طريقة تحضير المواد المتفجرة وإعدادها، من وسط العراق الى شمال غرب باكستان الى بعض مناطق اليمن، لان صانعي تلك المواد لا يتبادلون الخبرة والمعلومات، ومنهمكون في انشطة وتدبير تفجيرات محلية، ولا يبدون اهتماماً كبيراً لتنفيذ تفجيرات في شيكاغو أو نيويورك.

وغالبا ما كان التصور عن القاعدة كتنظيم عالمي «أقرب الى الخيال»، وعلى الرغم من انه ربما كانت هناك رغبة قوية عند بن لادن في أن يصبح عالمياً في نفوذه وتأثيره، إلا أن هذه الرغبة لم تتحقق، وكانت الحكومات وأجهزة الامن والاستخبارات تبالغ في تصوير مدى خطورته، لتزيد من سلطاتها وتضاعف اجراءاتها في الموانئ والمطارات، وتشدد قبضتها على شعوبها.

وقد سخر «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية» من الحديث المتكرر عن فشل العديد من الهجمات، وقال «إن ذلك لا يهم، لان مجرد الفشل في حد ذاته يخلق حالة من الفوضى في مجال الطيران المدني في العالم»، ولكن لا أحد يمكنه أن ينكر أن الجماعات المحلية هي مخالب للقاعدة في مختلف انحاء العالم، على الرغم من اختلاف أجندات تلك الجماعات التي تتفق في الاساليب والتكتيكات.

وفي ليبيا نجح الزعيم الليبي (المخلوع) معمر القذافي، في اقامة علاقات تعاون جيدة بين استخبارات نظامه وجهاز الاستخبارات البريطانية «إم يي - 6» والاستخبارات الاميركية لمحاربة تنظيم القاعدة، والقبض على كثير من العناصر الاسلامية بحجة ذلك، ومنهم عبدالحكيم بلحاج الناشط في الجماعة الاسلامية الليبية، وهو احد ابرز قادة الثوار حالياً.

وفي كشمير والشيشان يدعم «القاعدة» الحركات الهادفة الى الاستقلال عن الهند وروسيا، حيث تنفي تلك الحركات أي علاقة لها بهذا التنظيم.

وأدى النجاح الساحق لهجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الى رد فعل مبالغ فيه من جانب ادارة بوش، التي سارعت الى غزو افغانستان، واسقاط نظام حكم «طالبان»، ثم غزو العراق واسقاط نظام (الرئيس السابق) صدام حسين، ثم سرعات ما تحول الوضع في كلا البلدين الى حرب اهلية بالغة التعقيد، ليصبح من اليسير توجيه اللوم الى بوش وكبار الضباط والجنرالات في واشنطن، على خطوات تم اتخاذها، وتبين لاحقاً أنها كان أخطاء جسيمة، بينما تستبد رغبة جارفة بقادة الاكراد والشيعة في العراق للتخلص من القاعدة والمقاومة العراقية على أن يتحمل الاميركيون اللوم وحدهم.

وأعاد غزو العراق وتعقيداته إطلاق «القاعدة» بطريقة مختلفة، فمنذ البداية ظن الناطقون العسكريون الاميركيون الاعلان عن هجمات المسلحين، بصرف النظر عمن ينفذها ويقف وراءها وتحميلها للقاعدة، فكرة ذكية.

وكان الهدف استقطاب التأييد لـ«الحرب على الارهاب»، لكن هذا الامر لم ينجح ولم يحقق الهدف في العراق، حيث النظرة الى الاميركيين فيها على انهم قوة احتلال، ما يعني أن معظم العراقيين يؤيدون كل هجوم او عملية ضدهم في اي زمان ومكان.

ورأى العراقيون السنة في «القاعدة» حليفاً جيداً ضد الاحتلال، بينما قال مسؤولو التنظيم إن هذا التحالف يسهل عليهم جمع التبرعات والمساعدات المالية في العالم العربي. وأثبتت الاحداث أن محاولات اضعاف القاعدة صعبة، لانها لم توجد بالشكل الذي يساعد الحكومات واجهزة الامن والاستخبارات على استهدافها.

وقبل سبتمبر 2001 كان عدد اعضاء القاعدة محدوداً، ويكاد يقتصر على من يتم تجنيدهم من ابناء القبائل في افغانستان.

ولا يكاد يمر شهر دون ان يعلن الاميركيون أن طائراتهم من دون طيار قتلت عناصر ميدانية من القاعدة كانت تخطط لتنفيذ هجمات، وكأن هذه العمليات هي مرآة نجاح وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) وانجازاتها، غير أن المرونة الكبيرة في تشكيل خلايا القاعدة وتحركاتها تجعل من تهميشها او القضاء عليها أمراً صعبا للغاية.

وقد يتساءل البعض: هل اختلفت ردود فعل الحكومات الاميركية عن بعضها بعضاً بعد 11 سبتمبر 2001؟ وهل لم تكن هناك رغبة شعبية كبيرة للتصعيد خوفاً من ان تجد واشنطن نفسها غير قادرة على السير نحو الوقوع في فخ للقاعدة؟

في الواقع هناك كثير من الصحة والحقيقة في هذا، وهذا الشكل من «الارهاب» أثبت فاعليته، وأعطى القادة السياسيين الحجة لزيادة سلطاتهم من خلال المبالغة في الحديث عن الخطر والتهديد، ليس هذا فحسب، بل يمكنهم الذهاب الى اتهام منتقديهم ومعارضيهم بالتراخي والضعف، والتشكيك في وطنيتهم، إضافة الى اعطائهم سبباً في تأجيل تنفيذ إصلاحات ضرورية.

فهل تعلمت الولايات المتحدة درساً من احداث السنوات الـ10 الماضية؟ هناك شكوكا قوية في ذلك، لأن بوش لم يعترف بأنه خاض حرباً مكلفة وغير ضرورية لملاحقة عدو لا يكاد يظهر له وجود، وكذلك الامر بالنسبة للرئيس أوباما.

باتريك كوكبرن كاتب ومحلل صحافي بريطاني

تويتر