الولايات المتحدة مطالَبة بتكثيف جهودها في السودان
جنوبي يمسك بنقود منقوشة علـــــــــــــــــــــــــــــــــــيها صورة الزعيم جون قرنق. رويترز
احتفلت جمهورية جنوب السودان باستقلالها رسمياً في التاسع من يوليو الجاري تحت حرارة شمس ساطعة، ونظرات تمثال الدكتور جون قرنغ، الذي قاد الكفاح من اجل الاستقلال خلال 22 عاماً من الحرب الأهلية التي كلفت نحو أربعة ملايين من سكان جنوب السودان. وتوجت كل هذه الأحداث باتفاق سلام شامل في عام ،2005 والذي يمثل انتصاراً نادراً لجهود الدبلوماسية الدولية لحل صراع معقد، يعتبر درساً مفيداً للتعامل مع ما يمكن اعتباره فترة متأرجحة بين الشمال والجنوب في الأشهر والسنوات المقبلة.
ولعبت الولايات المتحدة دوراً حيوياً بصورة خاصة خلال وبعد الحرب الأهلية. وانطوى التدخل الدبلوماسي الاميركي على ثلاثة عناصر شكلت المفتاح الاساسي لنجاح الاتفاق، ويمكن ان تكون دروساً مهمة في المبادرات المستقبلية لتخفيف وحل الصراعات في الدولة.
اولاً، أدى الاهتمام المستمر والمنسجم على أعلى المستويات ومن قبل الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة الى ايجاد الزخم المناسب من اجل المفاوضات التي ادت الى التوصل الى الاتفاق، ومن ثم الى تنفيذه. وضمن هذا الاهتمام الاميركي استمرارية المخصصات المالية لضمان وتعزيز هذا السلام، بما فيها مليارات عدة من الدولارات من اجل اعادة البناء والتنمية، والمساعدات الانسانية. وكان دعم الكونغرس حيوياً في هذا الصدد.
ثانياً، دخلت الولايات المتحدة العملية السياسية مستندة إلى رافعة قوية من الحزبين. واستفادت إدارة الرئيس السابق جورج بوش من قلق الخرطوم، وامكانية استهدافها من قبل الجيش الاميركي، بعد أحداث 11 سبتمبر ،2011 نظراً إلى انها تعتبر دولة راعية للإرهاب ولدورها في استضافة أسامة بن لادن، خلال معظم عقد التسعينات من القرن الماضي.
وكانت الإدارة الأميركية قد اشترطت أي تحول في العلاقة مع السودان على التوصل الى سلام بين الشمال والجنوب. وكانت الجهود التي استمرت لعقود عدة والمبذولة لتخفيف المعاناة البشرية من الحرب ادت الى تقوية الروابط بين حكومة الولايات المتحدة، ومنظمات الاغاثة الاميركية وحركة تحرير شعب السودان، وهي طليعة النضال من اجل استقلال جنوب السودان، وكان ذلك حاسماً في تسهيل التوصل الى الاتفاق المذكور.
ثالثاً، اظهرت الولايات المتحدة الدبلوماسية الواقعية التي كانت مطلوبة غالباً من اجل التعامل مع الصراع المستفحل. وعلى الرغم من عدم وجود تكافؤ بين التحركات التي كانت تقوم بها حكومة شمال السودان، والتي كانت تقوم بها حركة تحرير جنوب السودان خلال الحرب، في ما يتعلق بالأعمال الوحشية التي ارتكبها العديد من الأنظمة في الخرطوم، إلا أن الطرفين كانت ايديهما ملطخة بالدماء. ولكن الولايات المتحدة كانت لاتزال قادرة على مد يدها الى الطرفين والتوسط بينهما نحو سلام على المدى البعيد.
ويتعين على الولايات المتحدة مرة اخرى أن تقود المجتمع الدولي، بما فيه مجلس الامن الدولي، في معالجة اي اضطرابات متجددة في السودان، وأي تجاهل لأسباب نجاح واشنطن في السابق تعتبر ضياعا للحظة حاسمة في هذه البلاد التي تعاني منذ أمد بعيد.
وستكون الولايات المتحدة قد احسنت صنعاً، اذا وضعت في حسبانها هذه الدروس بعد ان ينتهي بريق احتفالات الاستقلال. واضافة الى التحديات الجلية لدعم تنمية جنوب السودان، وهي منطقة فسيحة ومهمة منذ الحقبة الاستعمارية وتفتقر الى معظم اساسيات البنية التحتية، وستكون عضلات الدبلوماسية الاميركية اساسية لمعالجة أعمال العنف التي يمكن ان تحدث على طول الحدود بين الشمال والجنوب.
وعلى الرغم من ان رئيس السودان عمر البشير حضر حفل استقلال السودان في عاصمة الجنوب جوبا في التاسع من يوليو الجاري، إلا ان الأمم المتحدة ذكرت ان جيش شمال السودان كان يقصف جنوب كردفان، وهي ولاية شمالية محاذية للحدود مع جنوب السودان، وكانت تحظى بوضع خاص في اتفاق السلام بين الشمال والجنوب. وكان سكان الولاية من النوبيين قد ساندوا حركة التحرير الشعبية خلال الحرب الأهلية، نظراً إلى مظالم التهميش التي تعرضوا لها من قبل الحكومة المركزية في الخرطوم.
وسيكون بمقتضى اتفاق السلام اجراء «استشارات شعبية» في جنوب كردفان، اضافة الى ولاية النيل الازرق، وهي ولاية اخرى شمالية لها علاقات مشابهة مع الجنوب لتقرير وضعها مع الشمال. ولكن مع توقف الاستشارات الشعبية ورفض البشير اتفاق اطار سياسي في اديس ابابا، وتحرك جيش الشمال نحو جنوب كردفان واشتبك مع قوات حفظ السلام، وتم اعتقال موظفي الامم المتحدة من قبل قوات الامن في شمال السودان.
وتقول تقارير نشرت في جوبا ان الشمال يعد هجوماً مماثلاً في جنوب ولاية النيل الازرق. وإضافة الى ذلك، اشارت مصادر موثوقة الى ان واحدة او اكثر من حركات المتمردين في دارفور وافقت على الانضمام الى حاكم النيل الازرق مالك اغار، الأمر الذي ينذر بوقوع حرب واسعة تمتد على طول الحدود التي تفصل بين جنوب السودان وشماله. ونظراً إلى تقلص وصول الجهات الدولية الى جنوب كردفان، وتركز المساعي الدبلوماسية على استقلال جنوب السودان، وتعرض منطقة ابيي لشبه تدمير نتيجة صراع اثني منذ بداية العام الجاري، يتعين على الولايات المتحدة أن تقود المجتمع الدولي مرة ثانية بما فيه مجلس الأمن الدولي لمعالجة الاضطراب المتجدد في السودان.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news