أميركا دفنت أسرار 11 سبتمبر مع بن لادن

نعوم تشومسكي. غيتي

قد نسائل، افتراضا، ماذا سيكون رد فعلنا لو أن قوة كوماندوز من العراقيين دخلت الولايات المتحدة، ونجحت في الهجوم على مسكن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش واغتالته، وألقت جثته بالمحيط الأطلسي؟

يزداد اتضاحا، يوما بعد آخر، أن الهجوم على مجمع أبوت آباد وقتل زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن كان عملية مخططة ومدبرة وانتهاكا فاضحا لمبادئ أولية عدة، وأعراف أساسية في القانون الدولي. ومن الجلي على ما يبدو أنه لم تكن هناك أي محاولة لاعتقال بن لادن، الذي لم يكن مسلحا لحظة الهجوم الذي شارك فيه نحو 80 من الكوماندوز الأميركيين، الذين لم يواجهوا أية مقاومة غير اندفاع زوجته العزلاء باتجاههم، ما يشير إلى أنه كانت هناك نية مسبقة لقتل الرجل وتصفيته بأي ثمن حتى تموت مع أسرار كثيرة عن هجمات 11 سبتمبر ،2001 و« الحرب على الإرهاب ».

وفي المجتمعات المتحضرة، التي تكنّ الاحترام للقانون، وتعمل على ترسيخ الالتزام به، يتم تقديم « المتهم» بعد القبض عليه إلى محاكمة عادلة ونزيهة، وإني اشدد على استخدامي وصف «المتهم». ففي أبريل ،2002 قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) روبرت مويللن، للصحافة، إنه «بعد تحقيقات مكثفة ومطولة، وربما الأكثر تفصيلا في التاريح لا يمكنه، أو أي مسؤول في (إف بي آي)، أن يضيف شيئا إلى ما يُعتقد أن هجمات سبتمبر مؤامرة تم طبخها في ألمانيا ودول أخرى». وهذا لم يكن مويللن وغيره من المسؤولين الأميركيين يعرفه قبل ذلك الوقت بثمانية أشهر، حينما وقعت الهجمات، عندما نفت رفضت واشنطن عروضا تجريبية ومؤقتة من حركة «طالبان» بتسليمها بن لادن، إذا ما قدمت لها دليلاً قاطعاً وهو ما كانت إدارة بوش تفتقر اليه. لذا فإن الرئيس باراك اوباما كان يكذب، حينما قال في إعلانه من البيت الأبيض «عرفنا وعلمنا بسرعة أن هجمات 11 سبتمبر كانت من تنفيذ (القاعدة)»، لكنّ شيئا جديا لم يقدم أو يعلن عنه منذ ذلك الوقت البعيد، وهناك حديث كثير عن «اعتراف»، بن لادن بأن «القاعدة» وراء تلك الهجمات، ولكن ذلك الحديث يشبه اعترافي وادعائي (أنا نعوم تشومسكي) بأنني فزت في ماراثون بوسطن الشهير، فأظن أن بن لادن تباهى وتفاخر بما اعتبره إنجازا عظيما، كما أن هناك جدلا مطولا في وسائل الاعلام حول غضب واشنطن، لأن باكستان لم تسلم بن لادن ، رغم أنه في حكم المؤكد أن عناصر من جيشها وقواتها الأمنية واستخباراتها على علم مسبق بوجوده في أبوت آباد، ولكن الجدل كان اقل بكثير حول غضب باكستان من ان الولايات المتحدة قامت بغزو جزء من أراضيها من غير علمها، أو تنسيق معها لتنفيذ اغتيال سياسي. وتموج باكستان حاليا بغضب شعبي عارم ومتزايد على أميركا، زاد منه الهجوم على أبوت آباد. مما لا شك فيه ان إلقاء الأميركيين جثة بن لادن في البحر فجر غضبا كبيرا واستياء واسع النطاق في كثير من دول العالم الاسلامي. كما يبدو الأمر مثيرا للسخرية أن نسمي الأسلحة التي نرتكب بها جرائمنا بأسماء الضحايا، مثل: الأباتشي، توما هوك، تماما كما اطلق اسم الزعيم المقاتل للهنود الحمر «غيرونيمو»، على عملية الهجوم على أبوت آباد، التي تعكس تفكير عقلية إمبراطورية إمبريالية، كما يصعب في المجتمعات الغربية استيعاب فكرة أنه يمكن تمجيد نن لادن وتبجيل صفاته ووصفه مقاوماً شجاعاً للغزاة ومرتكبي جرائم الابادة والقتل الجماعي، تماما كما لو نصف طائرة مقاتلة بالـ«يهودية»، أو الـ«غجرية».

ترى ماذا سيكون موقفنا، إذا قامت قوة كوماندوز عراقية بدخول الأراضي الأميركية، والهجوم على المنطقة أو الحي الذي يسكن فيه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، وقتلته وألقت جثته في المحيط الأطلسي؟ فما لا اختلاف عليه أن جرائم بوش تفوق بكثير جرائم بن لادن، فهو ليس متهما، وإنما هو صاحب القرار النهائي في إصدار التعليمات والأوامر بارتكاب تلك الجريمة الكبرى بمعايير القانون الدولي، ففيها تراكم للشر والكراهية يفوق الجرائم التي أدت الى محاكمات نورمبرغ، التي اقتصر ت على النازيين، بينما حصدت جرائم بوش الملايين بين قتيل وجريح ومفقود ومشرد، في أفغانستان والعراق الذي غرق في نزاع طائفي مرير، سرعان ما انتشرت ألسنة نيرانه إلى أماكن أخرى في المنطقة. كما أن هناك ما يمكن قوله عن «مبدأ بوش»، القائل إن المجتمعات التي تؤوي الإرهابيين هي مذنبة ومجرمة مثلهم، ويجب أن ينزل بها العقاب تماما مثلهم.

نعوم تشومسكي

بروفيسور أميركي في اللسانيات

ومفكر وفيلسوف ليبرالي يساري له العديد من المؤلفات الفكرية والسياسية

عن مجلة «غارنيكا»

تويتر