غضب واسع من المبالغة في التستر على معلومات

المشكلة ليست في «ويـكيليكس» وإنما نظام السرية الأميركي

كلابر: نحن نبالغ في سرية المعلومات ويمكننا أن نكون أكثر ليبرالية. غيتي

يبدو أن المشكلة ليست في موقع «ويكيليكس»، وإنما في الوثائق المكدسة غير الضرورية التي تظل مخفية عن أعين العامة من قبل موظفي المخابرات، كما أن الإصلاح الذي تحدثت عنه ادارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يغير في الأمر كثيراً.

وتتوقع واشنطن المزيد من هذه الوثائق التي سيتم نشرها هذا الاسبوع، وتحث وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) المراسلين على عدم نشر الملفات السرية التي تتعلق بحرب العراق مرة ثانية. وتحول النقاش حول الموضوع عما إذا كانت هناك مخاطر أم لا جراء نشر هذه المعلومات. ولكن في هذه المدينة التي تعج بالخلافات الحادة، ثمة قضية واحدة يتفق عليها الجميع في واشنطن مفادها أن المبالغة في سرية المعلومات باسم الأمن القومي أثار غضب الجميع.

وقال أوباما، العام الماضي، نحن بحاجة الى «اجراءات فعالة لمعالجة مشكلة السرية المبالغ فيها». وأكد مدير الامن القومي جيمس كلابر في جلسة عن هذه القضية بقوله «نحن نبالغ في سرية المعلومات».

وأضاف «يمكننا ان نكون اكثر ليبرالية بشأن الكشف عن المعلومات، وأعتقد أنه علينا ان نكون كذلك». وتشكل المبالغة في السرية الحكومية قلقاً شعبياً، وهي ترجع الى عام 1956 عندما اشتكت دراسة لوزارة الدفاع من ان المبالغة في سرية المعلومات «بلغت حداً خطيراً»، وأن لها تشعبات خطيرة في الاقنية البيروقراطية الامنية الضخمة. وهي تعوق تدفق المعلومات عبر تخوم الوكالة الامنية، وتعوق آليات التغذية الإرجاعية التي تحافظ على السياسات والبرامج في سياقها الصحيح، وتخفي الاخطاء والعجز، وتقوض المراقبة والمحاسبة، وتعزز الجهل العام بالقضايا الحيوية للأمن القومي والسياسة الخارجية.

وبالنظر الى مساوئ هذه المشكلة فقد صمم الحزبان (الجمهوري والديمقراطي» على ما يبدو على ابتكار حل لها، إذ أصدر «الكونغرس» عددا من الاجراءات العلاجية تدعى «قانون التخفيف من سرية المعلومات»، وصادق عليه الرئيس في السابع من اكتوبر. ويقضي القانون الجديد بأنه يتعين على من يشرف على تصنيف سرية المعلومات أن يتلقى التدريب على الاستخدام الملائم على سرية المعلومات، ويستلزم قيام المفتشين العامين في الوكالة الامنية بالإشراف على نظام سرية المعلومات، والتشجيع على نشر نسخ غير سرية من معلومات امنية معينة، وتشكيل موقع جديد في ادارة الامن في هلمند لمساعدة الدولة والمسؤولين المحليين على الوصول الى المعلومات.

فهل يمكن أن يؤثر القانون الجديد في مشكلة متجذرة؟ لا يقصد هنا التخلص من المشكلة برمتها ولكن تقليلها، بالتأكيد يمكن ذلك، ولكن ثمة حاجة ملحة لتدريب ملائم للسلطات المتخصصة بموضوع سرية المعلومات، تماما كما يطالب القانون، لأن عشرات الآلاف من الاشخاص ينفذون الآن «إجراءات سرية المعلومات» من دون ما يؤهلهم لمثل هذا الإشراف. وعندما يتم تكليف المفتشين العامين بالمشاركة في الاشراف على نظام سرية المعلومات فإن ذلك سيضاعف عدد العيون الحادة التي تراقب المواد التي يتم حفظ سريتها مرات عدة. وفي حقيقة الامر كل مواد القانون مفيدة وليس منها ما يمكن أن ينطوي على أية اضرار.

وتكمن النقيصة الاساسية في هذا القانون الجديد في الحقيقة التي مفادها انه لا يقدم تعريفا لمشكلة «المبالغة في سرية المعلومات» لأنه لا يقدم أية معايير لهذا التعريف، وهو لا يستطيع ان يبلغ المشرف او المتدرب عما يمكن ان يتم تقليله. ومن الواضح ان تقديم مثل هذا التعريف مسألة صعبة لأنها تتطلب احكاماً عملية على متطلبات الامن القومي، كما أنه يطرح سؤالا حساسا من الناحية السياسية بشأن تشريع التخوم التي تفصل بين السلطات التنفيذية. ولكن من دون تعريفات واضحة فإن السياسة الجديدة ستكون غامضة اذا لم تكن ضعيفة.

ومن الناحية العملية فإن مصطلح «المبالغة في سرية المعلومات» يستخدم بطريقتين مختلفتين.

محاولة لتصحيح الأخطاء

بدأت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الترويج أخيراً لأسلوب يهدف الى تصحيح أخطاء سرية المعلومات. وجاء ذلك على شكل أمر تنفيذي اصدره الرئيس، وأصبح قيد التنفيذ في يونيو الماضي، ويأخذ شكل اجراء أطلق عليه «دليل مراجعة التصنيفات السرية الاساسية».

ويقتضي هذا الأسلوب ان تبدأ كل وكالة أمنية بمراجعة جميع ادلة إرشاد التصنيف السري الحالية كي يتم تحديد المعلومات السرية التي لم تعد هناك حاجة لحماية سريتها، ويمكن الكشف عنها أمام العامة. ولابد من القول إن نجاح عملية المراجعة التي ستكتمل بحلول منتصف عام 2012 غير مضمون، إذ يمكن ان يتم تنفيذها بصورة روتينية وغير مبالية، ودون الاهتمام الكافي، أو ربما لا يتم تنفيذها من الاصل على الرغم من أمر الرئيس.

وبالطبع فإنه يشير الى المعلومات التي يجب ان تكون غير سرية ومتوافرة للعامة، ولكنها محفوظة بصورة سرية. ولكن المصطلح يستخدم أيضا بصورة أضيق حول المعلومات التي تحفظ بسرية على المستويات العليا، الامر الذي يعوق مشاركتها ضمن الحكومة الاميركية، أما على المستويات الادنى فإنها ستظل محفوظة بسرية وبعيدة عن كشفها للعامة، ولكنها لن تكون ضمن مصطلح «المبالغة في السرية».

ولكن القرار الجديد يجعل هذا التمييز ضبابيا، ولكن المواد التي يتضمنها يمكن ان تشجع على توزيع المعلومات على الاشخاص المخولين اكثر من احتمال إجبار كشف معلومات للعامة، جرى حفظها سراً عن طريق الخطأ. وبناء عليه فإن هذا القانون لن يطلق موجة جديدة للكشف عن المعلومات السرية. بل على العكس فإن القانون سيعزز من حالة الامر الواقع. وبصورة خاصة فإنه يقبل بالامر التنفيذي المتعلق بأمر الرئيس بشأن المعلومات السرية المتعلقة بالامن القومي، باعتبارها المعيار الاساسي لسرية المعلومات. ومن الناحية الفعلية فإن نظام السرية هو ما يقوله الرئيس. وبناء عليه، وبموجب قانون السرية فإن العاملين في نظام السرية يجب ان يتم تدريبهم على التطبيق الصحيح لسياسة الرئيس، والمراقبة ستعمل على التأكد من ان الامر التنفيذي قد جرى تنفيذه بصورة صحيحة. ولكن ذلك يترك أصل مشكلة المبالغة في السرية دون معالجة.

وعادة ما يقوم موظفو الوكالات الامنية بأحكام سخيفة وخاطئة بشأن سرية المعلومات. وعلى سبيل المثال، يقوم مكتب مدير الامن القومي بالكشف عن الميزانية العامة لبرنامج الامن القومي، ولكن في العام الماضي عندما طلب احد الباحثين حجم ميزانية عام 2006 اكد له موظفو الامن العام ان أرقام عام 2006 لاتزال طي السرية، ومن الممكن ان تسبب اضراراً للامن القومي في حالة تم نشرها. ويبدو هذا الامر سخيفا ويعكس العجز الواسع لدى العاملين في نظام سرية المعلومات على تقييم ممارسات الماضي في ضوء الظروف المستجدة.

تويتر