«النـووي الإيـراني» سيغيّر موازين القوى في المنطقة
الغرب عاجز عن تقدير الفترة اللازمة لتحويل اليورانيوم المخصب إلى مواد انشطارية في «نطنز». أ.ف.ب - أرشيفية
خلال عام ،2008 وفي خضم سخونة الحملات الانتخابية لسباق الرئاسة الأميركية، لخص المرشح الجمهوري جون ماكين ازمة الطموحات النووية الإيرانية في جملة واحدة هي أن « الأمر الوحيد الأسوأ من شن حرب ضد إيران هو امتلاك إيران القنبلة النووية». لكن الرئيس باراك أوباما كان له رأي مختلف وفضل اتباع اسلوب آخر لحل الأزمة ولكنه حتى الآن لم يستبعد خيار منافسه السابق، وهو احتمال اللجوء الى القوة.
وهناك الكثير من الأمور التي تحركت في الاتجاه الصحيح خلال العامين الماضيين، منها أن الاحتجاجات التي نظمها الآلاف من الإيرانيين ضد إعادة انتخاب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أظهرت أن النظام الحاكم في طهران أكثر ضعفاً مما كان يتصور البعض.
وفرضت الامم المتحدة سلسلة من العقوبات الصارمة في مواجهة البرنامج النووي الايراني، كما فرضت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي عقوبات أحادية الجانب، ما دفع طهران إلى الموافقة على العودة إلى المفاوضات بعد أن تأثر اقتصادها القوي بهذه العقوبات الدولية.
وفي الوقت الذي يحمل أوباما عرضا مقبولا لتطبيع العلاقات مع ايران باشرت الصين وروسيا إجراءات قد تكون لإظهار وجودهما على الساحة، منها أن موسكو ألغت اتفاقا لبيع إيران أنظمة ومعدات عسكرية، كما أن برنامج طهران لتخصيب اليورانيوم شهد تراجعاً.
وهناك أمل في أن يتم تجنب خيار ماكين بالحرب من خلال اتباع سياسة العصا والجزرة مع إيران التي قد تقتنع بفكرة مبادلة طموحاتها النووية بعودتها إلى المجتمع الدولي، وتجنب العزلة الدولية. ويذهب البعض، وأنا منهم، الى أن الأمل في إقناع إيران بهذا العرض ضئيل لكنه ليس مستحيلاً، وبعد حضوري منتدى الخبراء الأوروبيين والأميركيين الذي عقد في برلين خلصت إلى أن كل الرسائل التي بعث بها هؤلاء الخبراء محبطة ومخيبة للآمال، فالموقف الآن هو أن طهران تريد امتلاك القنبلة النووية والغرب بدوره لم يقدم ما يقنعها او يغريها بالعدول عن هذه الرغبة.
ولاتزال أجهزة الاستخبارات الغربية عاجزة عن تقدير الفترة التي تحتاج إليها ايران لتحويل اليورانيوم المخصب الى مواد انشطارية في مفاعل «نطنز»، لكن مسؤولين ومحللين في تلك الاجهزة يقولون ان الايرانيين يحتاجون الى ما بين عامين وأربعة اعوام للتمكن من الحصول على تقنية تطوير الرؤوس الحربية. ومرت اوقات بدت فيها طهران مستعدة للتفاوض الجدي أهمها بعد غزو العراق مباشرة في ،2003 وربما كانت مستعدة للمفاوضات ايضا خلال العام الماضي في جنيف، لكن الحمائم والصقور على حد سواء في ادارة اوباما مازالوا متفقين بشكل عام على اعطاء المزيد من الوقت والفرصة للعمل الدبلوماسي المصحوب باستمرار العقوبات. كما أن تغير الموقفين الروسي والصيني في دعم العقوبات أضعف موقف ايران وزاد من قلقها من الاشارات المتزايدة الصادرة عن موسكو وبكين بأنهما لم تعودا راغبتين في وجود ايران نووية.
ويتوقع خبراء أن يكون لامتلاك إيران السلاح النووي تأثير كبير وحاسم في توازنات القوى في الشرق الأوسط، ويعطي شرارة انطلاق سباق التسلح النووي في المنطقة. وفي ظني لن تخاطر اي دولة عربية او اوروبية بتأييد ضربة عسكرية لإيران توجهها اميركا أو اسرائيل او كلتاهما، لما يحمله ذلك من مخاطر عديدة منها الاجهاز على محاولات حظر الانتشار النووي في الشرق الاوسط، ويزيد من احتمالات الردع النووي، وكذلك احتمالات نشوب حرب نووية على اساس الضربة الاستباقية والوقائية او حرب بالمصادفة لمجرد أخطاء بسيطة في الحسابات والتقديرات. ولست متأكداً من فرص نجاح وفاعلية اعتماد التحركات الدبلوماسية الاميركية الاكثر جرأة ومباشرة وتزامنها مع استمرار العقوبات.
وأعتقد ان السيناتور الجمهوري ماكين كان مخطئاً عندما قال إن شن حرب ضد إيران قد ينهي الأزمة، ولكنه كان مصيبا عندما قال إن امتلاك طهران القنبلة النووية سيشكل خطرا كبيرا على الشرق الأوسط والعالم أجمع، لأنه سيفتح الباب أمام سباق نووي في المنطقة.
فيليب ستيفينس - باحث مشارك في مؤسسة كارنيجي، والمدير السابق للبنك الدولي في الصين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news