مساجد.. ومعارك (1 - 5)

مسجد غراوند زيرو.. معركة فضحت اليمين الأميركي

لافتة تعارض بناء مسجد غراوند زيرو بالقرب من موقع برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك. غيتي

بسبب تصاعد موجات اليمين المتطرف في العالم، تحول بناء ووجود المساجد والمآذن في مواقع مختلفة إلى مجال لمعارك واسعة بين جماعات مسلمة ومتعاطفين معها من قوى ديمقراطية ومستنيرة من جهة، وجماعات متعصبة من جهة أخرى. وعلى عكس ما استهدف خصوم الحرية، تمكن المعسكر الأول ليس فقط من الانتصار لحقه في الاعتقاد والعبادة، بل وقرن ذلك بتقديم صورة مشرقة للإسلام تنتصر له ضد محاولات تقديمه بصورة سلبية.

فقد جعل الجدل المتصاعد في أميركا بشأن اقامة مركز اسلامي يضم مسجدا بالقرب من موقع برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك معظم مسلمي أميركا يتخذون موقفاً دفاعياً.

ويخشى المسلمون ان يتعرضوا لأي هجوم أو أذى في الوقت الذي اعلن احد قساوسة كنيسة في فلوريدا يدعى تيري جونز عزمه على حرق نسخ من القرآن الكريم ان لم يتراجع المسلمون عن بناء المركز الاسلامي في نيويورك المسمى مسجد «غراوند زيرو»، بيد ان القس تراجع عن ذلك في ما بعد تحت الضغوط السياسية من ان عمله ذلك قد يسبب خطراً على حياة القوات الاميركية في أفغانستان ومناطق اخرى في العالم.

وألقت الخلافات والجدل حول بناء «غراوند زيرو» بظلالها على مراسم إحياء ذكرى هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة عام .2001 فيما أعلن الرئيس الأميركي باراك اوباما في خطاب ألقاه أول من أمس، أن الولايات المتحدة ليست في حرب مع الاسلام مطلقاً.

ووفقاً لبعض المنظمات الاسلامية فإن الجدل حول اقامة مسجد بالقرب مما يسمى أرض صفر (غراوند زيرو) قد أشعل موجة ما يطلق عليه «الخوف من الاسلام». كما ان الاحتجاجات لم تنشأ بسبب بناء هذا المسجد فحسب، إنما من مساجد في مناطق أخرى من الولايات المتحدة أيضاً.

انقسام أميركي

ومن المثير للاهتمام ان بعض رموز معارضة بناء المساجد في الولايات المتحدة لاسيما زعماء الطوائف اليهودية والمسيحيين المحافظين كانوا من أشد المساندين للحرية الدينية التي أكد عليها قانون استخدام الأرض. بيد أن العديد من معارضي بناء المساجد يقدمون مبررات أخرى دينية تتمثل في عدم توافر مساحة كافية لحركة السير أو مواقف السيارات في حالة بناء مساجد في المناطق المأهولة بالسكان، إلا ان الكثير من المفكرين الدينيين يقولون ان الدين يظل جزءاً من حياة غالبية السكان الذين يقطنون منطقة ما ويظل ايضا ضروريا بالنسبة لهم كحاجتهم إلى المواقف أو الشوارع.

ويتعرض المسلمون باستمرار للاستفزازات من قبل المعارضين لبناء المساجد في الولايات المتحدة، ويستخدم المعارضون الكلاب لتخويف المسلمين الذين يؤدون صلواتهم، كما يكتبون عبارات «لا مرحباً بكم» في لوحات يضعونها في مواقع تشييد المساجد.

وفي ضاحية ناشفيل التابعة لمورفريسبورو يعتقد معارضو بناء مسجد قيد التشييد أن المسجد لن يكون فقط مكانا للعبادة، ويخشون من ان يتحول الى منطقة لتدريب «الارهابيين» الطامعين في قلب نظام الحكومة الأميركية.

ويقول المتقاعد بوب شيلتون «إنهم ليسوا مجموعة دينية، بل سياسيين وعسكريين».

ويقول إمام مسجد مورفريسبورو، عصام فهمي الذي ساعد على تخطيط المسجد الجديد في هذه المنطقة، والذي عاش فيها 30 عاماً «لا ادري لماذا يعارض البعض بناء مسجد هو في الاصل منصوص عليه في الدستور». ويضيف «المركز الاسلامي موجود هنا منذ اوائل ثمانينات القرن العشرين، ولم يختلف الامر سوى انه سيتم توسيعه الآن». ويعد مسجد مورفريسبورو واحداً من ثلاثة مساجد مخططة في منطقة ناشفيل استقطبت احتجاجات المعارضين.

وفي منطقة تيميكولا اصطحب المحتجون الكلاب للاحتجاج على بناء مسجد على مساحة 25 الف قدم مربعة، وعند اكتماله سيكون مجاوراً لكنيسة معمدانية تحتل مساحة كبيرة من الارض، ويخشى السكان المحليون ان يتحول المسجد الى ملاذ آمن للأصوليين الاسلاميين، ويقول امام المسجد إنهم اناس مسالمون ويريدون فقط توسيع مكان اقامة عبادتهم ليتسع لعدد أكبر.

ويتنامى عدد المسلمين باطراد في الولايات المتحدة، ويمثل المسلمون في الوقت الراهن 1٪ من سكان البلاد. ويقول استاذ الدراسات الاسلامية في جامعة كنتاكي والباحث في المساجد الأميركية، احسان باغبي، «قبل 10 سنوات كان هناك 1200 مسجد في جميع أنحاء اميركا، ويصل تعدادها اليوم الى 1900 مسجد»، ويشير إلى أن التوسع في المساجد يشمل بناء مراكز اسلامية تتسع لمزيد من المسلمين كما هو الحال في نيويورك وكاليفورنيا وتينسي، اضافة إلى المساجد الصغيرة التي تنشأ في المجتمعات البعيدة المعزولة.

ويشير باغبي الى حجم وسخونة ومستوى العدائية، ويقول «معارضة بناء المساجد لأسباب تتعلق بالمرور لا مبرر لها على الاطلاق».

مخاوف إسلامية

في 2007 كشف مسح عن المسلمين أجراه «مركز بيو للبحوث» أن 39٪ من المسلمين البالغين الذين يعيشون في الولايات المتحدة هم من المهاجرين الذين وفدوا على الولايات المتحدة منذ .1990 وتقول استاذة الأديان المقارنة بجامعة هارفارد، ديانا ايك، في كل مجتمع ديني أحد الاشياء التي تحدث خلال هجرة الناس هو إقامتهم في مكان ما وتأسيسهم صرحاً ليؤكدوا «أنهم هنا وأنهم لم يأتوا ليقيموا فحسب»، للإشارة إلى انهم زرعوا جذورهم هنا في اميركا واعتمدوا البلاد مستقراً لهم.

ويقول رئيس المنبر الاسلامي الاميركي من اجل الديمقراطية (منبر يدعو للإصلاح والتجديد في الاسلام)، زهدي جاسر، إن الاعتراض على بناء المساجد ليس السبيل لمنع الارهاب. ويوضح أن السكان في الجوار كانوا لا يريدون من عائلته بناء مسجد عام 1979 في منطقة نيناه في وسكنسون لأنهم لا يعرفون من هم المسلمون، ويضيف «اذا لم يتم تشييد مسجد ويسكنسون فربما صرت وأنا في السابعة عشرة من عمري شخصا مختلفا».

 وسائل الإعلام الأميركية فشلت في تغطية قضية «حرق القرآن»

أحرق أو لا أحرق؟ تلك هي المشكلة التي واجهت القس المغمور تيري جونز يوم الجمعة الماضي، فقد اقترب موعد المهلة النهائية التي حددها لنفسه لتدنيس القرآن الكريم بحرق نسخ منه في ذكرى هجمات 11 سبتمبر، ولكن بالنسبة لوسائل الإعلام في الولايات المتحدة وحول العالم كانت المشكلة مختلفة، وهي كيف تغطى إخبارياً أفعال استفزازية مقصودة لشخصية متطرفة دون أن تبرز ردود الأفعال الاسلامية العنيفة وهي هدفه؟

يقول أستاذ التلفزيون والثقافة الشعبية في جامعة سيراكيوز روبرت طومسون «للأسف في عصر التغطية الإخبارية المعتمدة على الإثارة ووسائل الإعلام الاجتماعية ووسائل الإعلام العالمية، فإنه لا يمكن القيام بذلك. ومن ثم فإن تأثير الشخصيات المتطرفة المستفزة تتجه فقط إلى الزيادة». ويرى أنها «أكبر قصة لهذا اليوم». ويضيف أن جميع المؤشرات، تؤكد أنها «ستحدث مرارا وتكرارا».

وتأتي إحدى مؤشرات الاهتمام الكبير بالموضوع من «غوغل نيوز»، فاقتراح حرق القرآن الكريم أوجد نحو 13 ألف قصة مستقلة مقارنة بثمانية آلاف عن أول مؤتمر صحافي للرئيس الأميركي باراك أوباما منذ أربعة شهور، ونحو 3000 لانفجار غازي مميت دمر ضاحية بأكملها فى سان فرانسيسكو.

ويعتقد طومسون أنه في أيام ما قبل الإنترنت وما قبل عصر الأخبار عبر نظام الكابل، فإن السلوك الشاذ الملتوي لرجل مثل جونز وهو قس لا يتعدى عدد أفراد كنيسته 50 شخصاً «لم يكن ليرتقي حتى ليكون خبراً محلياً». ويقول «إنه لا يمثل أي شيء. إنه رجل مجنون».

ويبدو أن جونز أحدث تأثيره الأولي على موقع «فيس بوك» ثم اهتمت الصحافة الإسلامية بنشر تغطيات إخبارية عنه. وبمجرد وصوله إلى هذه النقطة، فإن وسائل الإعلام الأخرى والمؤسسة السياسية لم تستطع تجاهله.

وفي ذلك قال أوباما «لا أعتقد تماماً أننا الذين خلقنا هذه القصة، ولكنها في عصر الإنترنت شيء يمكن أن يسبب لنا ضررا شديدا في أنحاء العالم، لذا أخذنا الأمر على محمل الجد». غير أن الصحافيين والسياسيين قد يفعلون أشياء بشكل مختلف. ويرى طومسون أنه يجب ألا يكون هناك أبداً أي علاقة بين خطة حرق القرآن الكريم وبين اقتراح إقامة مركز ثقافي إسلامي في مانهاتن قرب موقع هجمات سبتمبر الإرهابية عام .2001

وقد وضعت هذه العلاقة يوم الخميس بعدما أعلن جونز أنه ألغى خطط حرق نسخ من القرآن مقابل ما زعم أنه التزامات من إمام مسجد نيويورك فيصل عبدالرؤوف بتغيير موقع بناء المسجد. وأوضح الإمام أنه لم يتحدث قط مع جونز كما أنه لم يقطع على نفسه أية التزامات.

ويقول طومسون «كان يجب أن يكون هناك تأكيد أكبر على هامشية جونز والاختبار الدقيق لردود الفعل الإسلامية المتطرفة تجاه خطط الاستفزاز».

ويضيف أنه «تجديف ضد الدين وضد جميع المقدسات. ولكن هذا الشخص لم يسمع عنه أحد». ويرى أنه «إذا كان ذلك يمكن أن يهدد كل توازن النظام العالمي، فإن كل ما تحتاج إليه هو 50 شخصاً لوضع العالم في معضلة».

وأعرب كاتب العمود في صحيفة «أورلاندو سينتينال» مايك توماس عن المشاعر نفسها ولكن بشكل مختلف، وكتب «لأنه (جونز) أصبح ظاهرة عالمية، يجب أن يكون ذلك علامة على قرب نهاية العالم».

وفي إحدى المدونات، أعطت كيلي ماكبرايد التي تحاضر عن الأخلاقيات الإعلامية في معهد بوينتر وهو مركز أبحاث شهير في الصحافة، الصحافيين بعض النقاط عن كيفية تغطية الموضوع.

وكانت أولى النقاط: لا تذهب لتتجنب المشاركة في المناخ الشبيه بالسيرك. كما نصحت الصحافيين بالتخلي عن حيادهم الطبيعي واتخاذ موقف ضد أفعال جونز، وأن يكونوا حكماء بشأن المادة التي يستخدمونها وبشأن الكتابة عن ردود الأفعال أكثر من التعصب.

ومنحت رئيس تحرير الصحيفة المحلية «جانزفيل صن» جيم أوستين، درجات مرتفعة لأسلوبه المتوازن.

ونقلت عن أوستين قوله «نحاول أن نجعل قراءنا على علم دون تحذيرهم أو منح هذا القس الضال شهرة أكثر مما يستحق».

سان فرانسيسكو ــ د.ب.أ

ويؤكد أنه اذا مضت معارضة بناء المساجد قدماً فإن ذلك من شأنه ان يؤدي الى مزيد من التطرف.

وتساند احدى الدراسات التي قدمها أساتذة من مدرسة ديوك الجامعية وجامعة كاليفورنيا الشمالية ما ذهب اليه جاسر، فقد أكدت هذه الدراسة ان المساجد والمكتبات الدينية والجمعيات التي تضم المسلمين الاميركيين مع بعضهم بعضاً تساعد كثيرا على منع التطرف الديني لدى المسلمين.

ويقول إمام مسجد مورفريسبورو، ان المركز استأجر حراساً أمنيين لحماية المصلين خلال صلاة الجمعة وثبت كاميرات خارجية لمراقبة موقف السيارات وأبواب المسجد، اذ يخشى المصلون بعض الحوادث التي حدثت في المنطقة عندما هاجم رجال قبل عامين مركز كولمبيا الاسلامي الذي يقع على بعد 30 ميلاً جنوب غرب مورفريسبورو، وأمطروه بقنابل المولوتوف وسرقوا أجهزة سمعية واشياء اخرى كانت خارج مبنى المسجد. ويأمل أن تندثر مثل هذه الحساسيات مع مرور الوقت. وتدعي بعض الصحف أن المحتجين على بناء المساجد «يقتبسون شيئاً» من القرآن الكريم ويعتقدون ان المسلمين الأميركيين يرغبون في قرارة انفسهم في استبدال الدستور الاميركي بقانون الشريعة الاسلامية.

 

تويتر