انطلقت لوقف بناء مسجد في موقع هجمات سبتمبر.. وتحمل شعارات مسيئة للدين

«أوقفوا أسلمة أميركا».. حركة هدفها إشعال التعصب في الولايات المتحدة

عائلات ضحايا هجمات سبتمبر في تجمع لهم في «غراوند زيرو». غيتي

عقب هجمات 11 سبتمبر، تضاعف اهتمام الأميركيين بمعرفة المزيد عن الإسلام والمسلمين، حيث انكبّ كثير منهم كباحثين وصحافيين على البحث في هذا الشأن. لكن هذا الاهتمام صاحبه، بتشجيع ادارة جمهورية محافظة، تزايد في حركات المتشددين الذين يغذون ثقافة التمييز والكراهية، يجمعهم هدف الانتقام لضحايا هجمات سبتمبر من المسلمين والنيل من معتقداتهم والحد من نشاطهم وتأثيرهم في الولايات المتحدة.

 محاربة الكراهية

رداً على حمّى التعصب تعهد وزير العدل الأميركي إريك هولدر، بأن تعمل السلطات القضائية في الولايات المتحدة بأقصى ما في وسعها لملاحقة جرائم الكراهية الموجهة ضد العرب والمسلمين. ودفع مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI إلى التركيز على ملاحقة تلك الأفعال غير القانونية والتصدي لها.

وقال إن الشرطة تولي حالياً أهمية قصوى للتحقيق في انفجار استهدف مسجداً في ولاية فلوريدا. واعاد التذكير بما جاء في خطاب اوباما الموجّه إلى العالم الإسلامي من على منبر جامعة القاهرة في صيف .2009 ولم ينف هولدر وجود تباعد بين الجاليات الإسلامية والحكومة الأميركية، وقال إنه يسمع دائماً احتجاجات من عرب ومسلمين يشتكون فيها من استخدام مصطلحات تميّز بينهم وبين النظام الرسمي الأميركي، داعياً إلى ضرورة الانتقال إلى مرحلة ينتهي معها استخدام تعابير من قبيل «نحن وهم».

 بوش يمتنع عن التعليق على مشروع بناء مسجد

 رفض الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الذي حاول لسنوات اقناع الشعب الأميركي بأن الإسلام «ديانة سلام»، التعليق على مشروع لبناء مسجد مثير للجدل. وقال المتحدث باسم بوش، ديفيد شيرز، ان الرئيس السابق رفض التدخل في مسألة اقامة مركز اسلامي ومسجد قرب موقع اعتداءات 11 سبتمبر 2001 في نيويورك.

وعارض جمهوريون، وبينهم المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس سارة بايلن، وعدد من المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية في ،2012 بشدة مشروع بناء مركز اسلامي ومسجد على مسافة قريبة من الموقع السابق لمركز التجارة العالمي.

وكان بوش قال خلال زيارة للمركز الاسلامي في واشنطن بعد ستة ايام من وقوع الهجمات، ان «الإرهاب ليس الوجه الحقيقي للإسلام، والإسلام لا يعني الإرهاب بل السلام، وهؤلاء الإرهابيون لا يمثلون السلام بل الحرب والحقد».

وكان بوش وجّه كلمة شديدة اللهجة الى الأميركيين الذين سيصبون غضبهم وسخطهم على المسلمين الأميركيين، فقال «لا نسمح بذلك ولن يحصل ذلك في اميركا».

واضاف ان «اولئك الذين يعتقدون ان بإمكانهم صب غضبهم وغيظهم على مواطنيهم لا يشكلون خيرة الأميركيين بل أسوأ البشر، وعليهم ان يخجلوا من تصرفهم».

من بين هذه الجماعات «حركة أوقفوا أسلمة أميركا»، التي قامت على غرار حركة مماثلة تحمل الاسم نفسه سبقتها في الظهور في اوروبا، وقد تم الاعلان عن هذه الحركة في ولاية واشنطن في 4 اكتوبر 2009 على ايدي ناشطين من ذوي التوجهات التي تراوح بين المحافظة والتعصب في اطار حملة تهدف، لحشد الجهود لتوحيد صفوف الأميركيين ضد محاولات إنشاء مركز اسلامي ومسجد على مقربة الطابق الأرضي (غراوند زيرو) لبرج التجارة العالمي في مدينة نيويورك، ويتوقع مراقبون أن تكون ذروة نشاطاتها في ذكرى احداث 11 سبتمبر، أي خلال أيام.

حملة إساءة

يقول رئيس مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) د. نهاد عوض «من الطبيعي ان يطلق قسم كبير من هؤلاء المتعصبين في سياق حملتهم العنان لرغباتهم المبيتة ونزعاتهم المتشددة لتفريغ ما في جعبتهم من عداء للمسلمين وإساءة للإسلام والتطاول على ثوابته ومحاولة تشويه المفاهيم عن القرآن الكريم والنبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وثقافة الاسلام والمسلمين».

وتقول الحركة على موقعها الإلكتروني «بناء مسجد بالقرب من الطابق الارضي لبرج المركز التجاري في نيويورك ليس قضية تتعلق بالحريات الدينية، بل هو محاولة إهانة ضحايا 11/9 وذويهم وتأسيس جسر للإسلام السياسي والتفوق الإسلامي في نيويورك، وان الموقع نصب حرب تذكاري فاحترموه». ومن جانبها، قالت رئيسة الحركة (اوقفوا أسلمة أميركا)، باميلا جيلر، في معرض شرحها لنشاط المنظمة وأهدافها «إن الوقت قد حان لكي يقف الأميركيون في مواجهة شرور إرهاب الجهاديين المسلمين والتسلط الإسلامي، ان الحملة التي تقوم بها الحركة ترمي ايضا الى تشجيع المسلمين وتحريضهم على الخروج من الاسلام الى أجواء الحرية».

وتنقل نيويورك تايمز عن موقع (ويكي آنسرز)، الإلكتروني «أن جيلر تنشر على مدونتها مقتطفات من تقارير تتحدث عن خلفية الرئيس الأميركي باراك اوباما أميركياً مسلماً من اصول افريقية على صلة بالثقافة الإسلامية، لكنها تنفي ما نسب اليها انها قالت ذات مرة إن اوباما هو الابن غير الشرعي لمالكولم اكس، احد ابرز قيادات المسلمين الأميركيين السود وحركة الحقوق المدنية للأميركيين من أصل افريقي».

كما توجه جيلر جزءاً كبيراً من نشاطها الى دعم حملة المرشح الجمهوري لمنصب حاكم ولاية نيويورك كارل بالادينو، اذ تقول عنه «إنه الرجل القادر على منع إقامة المركز الاسلامي في (غراوند زيرو)».

وأما الناشط الثاني والأهم في حركة «أوقفوا أسلمة أميركا» فهو روبرت سبنسر، وهو كاتب مقالات لها علاقة بالإسلام ويجاهر بآرائه الموغلة في تطرفها، ويقود موقع (جهاد ووتش)، حيث يصفه كثير من الإعلاميين بأنه من ابرز الكتاب المعادين للعرب والمسلمين في الولايات المتحدة ».

أوباما نازي

وقد وجهت قيادات إسلامية أميركية انتقادات لإدارة أوباما لاستعانتها بمتشددين من أمثال سبنسر الذي تمت دعوته لإلقاء محاضرات في مؤسسات أمنية رسمية، ومنها مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) عن الإسلام، على الرغم من أن الشخص نفسه وجماعته طالما اتهموا الرئيس أوباما بالنازية.

 الجمال: مسلمو نيويورك بحاجة إلى مركز

قال مطور المشروع شريف الجمال، إنه يحاول منذ خمس سنوات شراء قطعة الأرض التي سيقام عليها المركز الإسلامي (دار قرطبة) في منهاتن امي، وانه يبحث منذ 10 سنوات في هذا المحيط.

وتابع الجمال «ايجاد عقار او قطعة ارض في نيويورك امر ليس بتلك السهولة، على الرغم من الجدل المثار حول المسألة، رغم اننا لم نتوقع ان نستقطب كل هذا الاهتمام الا اننا لسنا قلقين، وندرك الحاجة الى حوار حقيقي جاد، وليست هناك اية صلة بين مشروع اقامة المركز و(غراوند زيرو) في برج مركز التجارة العالمي، فالأمر انما يتعلق باحتياجات المسلمين الأميركيين، فهناك اكثر من مليون مسلم في منطقة تراي ـ ستيت وهم بحاجة ماسة الى مكان للعبادة والصلاة».

وحول ما اذا كانت لديه مخاوف من تحول مكان المركز الإسلامي الى بؤرة للاحتجاجات والتظاهر والعنف، قال الجمال انه لا يعتقد، ويستبعد ذلك لأن الناس طيبون ولا يبحثون عن المتاعب، وان الدوافع والنيات الطيبة تؤدي الى نتائج طيبة، وتابع «أشعر انه من حسن حظي ان اكون اميركيا ولي علاقاتي وصداقاتي وجيراني من الأميركيين، ولي اخوة واخوات اميركيون من اليهود والمسيحيين. وأن تكون اميركيا مسلما نيويوركيا فهذا امر مهم ولحظة تاريخية للمسلمين، ويؤكد على صواب ما تأسست عليه أميركا». واستبعد الجمال ان يترك الجدل القائم حول القضية تأثيرا سلبيا في الأميركيين المسلمين قائلاً «أظن انه يؤكد صحة ومنطقية اسباب حاجتنا الى اقامة المركز الاسلامي، ليكون مركزاً لخدمة المسلمين في منهاتن ومدينة نيويورك بشكل عام، حيث الحاجة ماسة للغاية لمثل هذا المركز الذي سيكون غير ربحي، وذا طابع خدماتي، وسيكون المسجد مجرد جزء صغير منه، وسيضم قاعة للتمارين والألعاب الرياضية ومطعما وحوضا للسباحة، ومرافق خدمية متعددة الأغراض وفسحة لتخليد ذكرى ضحايا 11 سبتمبر، ونحن نناقش هذا الأمر بكل جدية مع أسر الضحايا».

واضاف الجمال «اننا نناشد جميع اهالي نيويورك والأميركيين عامة دعم المشروع، ونبين لهم اننا لن نقبل دعماً من اي شخص مناهض للولايات المتحدة، وان استراتيجيتنا في جمع التبرعات تقوم على الشفافية وتتضمن توظيف مدققي حسابات ومستشارين امنيين على مستوى رفيع من الكفاءة والخبرة، للتأكد من سلامة كل اجراء او خطوة. وحول العقبات المحتملة في المستقبل اوضح الجمال ان « الصعوبات امر وارد، واتوقع ان تبقى القضية ساخنة وتحظى بأولوية في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر المقبل»، مشيرا الى ان استمرار الاحتجاج والتظاهر شيء عادي ومتوقع، ولكن نوازع الخير والطيبة كامنة في كل انسان.

عن «هآرتس»

 

ويعترف سبنسر على مدونته الخاصة بأنه قام بإعطاء محاضرتين، مدة كل واحدة منهما ساعتان، لقوات مهام الإرهاب المشتركة الساحلية، تناول فيهما «نظام العقيدة لدى الجهاديين الإسلاميين»، بدايةً لتعامله مع الهيئات الحكومية الأميركية. كما سبق لسبنسر ان هاجم كل ما هو إسلامي خلال إحدى مقابلاته الصحافية، وكان للنبي محمد صلى الله عليه وسلم نصيب كبير من تعدياته، وقال بالحرف الواحد عن الرسول الكريم محمد (عليه السلام) إنه «مؤسس أكثر الأديان تعصباً في العالم».

وقد وجه ائتلاف من منظمات حقوقية ومدنية، تضم منظمات للمسلمين والسيخ ومهاجري جنوب غرب آسيا، رسالة احتجاج إلى مدير المباحث الفيدرالية روبرت مولر، تستوضح فيها أسباب السماح لمتعصب ديني بالمحاضرة في موظفي المباحث الفيدرالية.

حفلات الشاي

كذلك تعمل حركة «أوقفوا أسلمة أميركا» بالتعاون مع انصار وناشطي حملات «حزب حفلات الشاي» التابعة للجمهوريين، التي تلقى دعماً من منظمات تابعة للوبي الإسرائيلي، ووجدت طريقها للدعاية عبر وسائل إعلام أميركية محسوبة على اليمين مثل تلفزيون «فوكس نيوز».

ورفض مكتب البراءات والعلامات التجارية بالولايات المتحدة منح حركة «أوقفوا أسلمة أميركا»، ترخيصاً بسبب اعتمادها الإثارة والتحريض خلال تناولها المسلمين بأسلوب يذكي نار التعصب وثقافة الكراهية، حيث تدعو إلى وقف التعامل بكل ما يمت للإسلام بصلة. وظهرت مواقف الحركة في مواجهة عمليات بناء عدد من المساجد، ومن خلال لافتاتها المسيئة إلى الإسلام على الحافلات العامة وحملاتها لتأييد ما يقوم به البرلماني الهولندي اليميني المتشدد غيرت فيلدرز، من عرض أفلام مسيئة إلى الإسلام والمسلمين، ومهاجمة رئيستها جيلر للإسلام في أكثر من مناسبة.

اصبحت الحركة في بؤرة الضوء الإعلامي بعد تنفيذ دعوتها إلى إعلان 29 يوليو الماضي «يوم لوقف أسلمة أميركا»، حيث تجمع اعضاء الحركة وعاطفوها في استاد رياضي تابع لمدرسة كنسية في تكساس، للتنديد بما سمته «اعتزام المسلمين أسلمة أميركا»، ومناهضة انتشار بناء المساجد في الولايات المتحدة.

ومن ابرز مناهضي الجهود الرامية للبناء المركز الاسلامي قرب «غراوند زيرو» لبرج مركز التجارة العالمي، ساسة جمهوريون يتقدمهم الرئيس السابق لمجلس الشيوخ الأميركي نيوت غنغرتش، الذي كتب في «واشنطن بوست» أخيراً، مناهضاً لبناء المركز، وطالب السعودية بالسماح ببناء معبد يهودي وكنيسة بجوار الحرم في مكة في المقابل باعتبار ذلك شرطا احراجيا، الامر الذي جر عليه انتقادات شديدة من قراء الصحيفة. أما الناشط في الحركة حاكم ولاية تينيسي رون رامسي، فقد نسب اليه القول «إنه غير متأكد من أن الدستور الأميركي الذي يحمي حرية الأديان، ينطبق على الإسلام الذي قد لا يكون ديناً بل جماعة»، وقال عبر رسالة إلكترونية «انه قلق من وصول الإسلام إلى درجة فلسفية سياسية عنيفة أكثر من كونه دين محبة».

وطالب رامسي المسلمين الأميركيين بإثبات وطنيتهم بإعلان أن العنف الجهادي لدى هؤلاء الذين يريدون إيذاء أميركا، هو خارج معتقدهم.

 

تويتر