‏‏

‏السلام في غزة مفيد لجميع أطراف الشرق الأوسط ‏

بدأت رحلتي إلى غزة من خلال معبر إيريز الذي يبدو كأنه مبنى مطار حديث، وما إن غادرنا المعبر حتى وجدنا أنفسنا نمر عبر ممرات تحيط بنا جدران وكأننا نستخدم آلة الزمن لنسافر إلى الماضي البعيد. أول مشهد في الرحلة كان آثار الدمار الذي حوّل مركز النشاط الصناعي في القطاع إلى أنقاض وخراب، حيث أصبح الناس يستخدمون الحيوانات والعربات لحمل الحجر. بالانتقال من إسرائيل إلى غزة يحس الإنسان بأنه انتقل من القرن الحادي والعشرين إلى زمن آخر وأرض تم تشويهها. في حين تبقى عملية إعادة البناء مستحيلة في ظل الحصار الذي تفرضه السلطات الإسرائيلية، التي تمنع حتى دخول المواد الغذائية. لم يبق بحوزة الناس هناك شيء، وبات التهريب من خلال الأنفاق المتنفس الوحيد لأهالي القطاع، ومصدر جمع الأموال لبعض العصابات.

ذهبت إلى غزة لأرى إن كانت المساعدات الأوروبية الموجهة للقطاع قد غيرت شيئاً على أرض الواقع ووجدت أنها فعلت. ورغم الظروف الصعبة فإن بذور الأمل تزهر، ورأيت مدرسة للبنات تتلقى فيها الطالبات تعليماً جيداً، يتضمن حقوق الإنسان، وبمثل هذا النوع من التعليم يمكن مكافحة تشغيل الأطفال. كما قمت بزيارة «جمعية أطفالنا» للأطفال الصم، وهو مشروع يهدف إلى تحسين الظروف المعيشية لأكثر من 300 شخص، من خلال مساعدتهم على الكسب باستخدام مهاراتهم اليدوية، إلا أن ما رأيته في القطاع أكد وجهة نظري بأن نتحرك الآن، من أجل إنهاء العنف فقط، لأن السلام سيجلب النجاح الاقتصادي والازدهار للقطاع والمنطقة ككل. كما أن العودة إلى الحياة الطبيعة تفتح الباب أمام النمو والاندماج في المنظومة الإقليمية. ومن دون شك فإن السلام هو الترياق المثالي لظاهرة التشدد، والقضاء على التطرف يعتبر بحد ذاته جائزة حقيقية. لا شك أن التطرف ينمو وسط الأنقاض وفي المخيمات التي تعج باللاجئين، التجمعات التي تعتبر أرضاً خصبة للتطرف، ليس لزعماء الحرب المحليين فقط بل كذلك لبعض القوى الإقليمية.

يجب أن يتمكن الفلسطنيون من إدارة أمور حياتهم بأنفسهم وبناء مستقبل أفضل. قد يكون لدى تل أبيب مخاوف أمنية مشروعة عندما يتعلق الأمر بقطاع غزة، لكن بالنسبة للمواطنين الإسرائيليين فإن السلام الدائم وحده كفيل بتحقيق الأمن لهم بشكل قابل للاستدامة، ومن ثم يتعين على أي حكومة إسرائيلية، أن تجعل السلام أولى الأولويات، لأن صنع السلام يجب أن يكون في زمن القوة. والسلام من شأنه أن يجعل الضعيف قوياً وأن يجعل القوي أكثر أماناً. لقد سمعت المطالب نفسها في كل البلدان التي زرتها، على المستويين الشعبي والرسمي، الكل يريد ازدهار الاقتصاد وتحسين مستوى التعليم وتحسن ظروف المعيشة. ولكي يتححق ذلك نحتاج إلى سلام شامل في الشرق الأوسط. لايمكننا فرض السلام بالقوة، لكن بوسعنا توفير الدعم وتقديم الحوافز لتشجيع الأطراف المتنازعة على تقديم تنازلات صعبة. عناصر النجاح معروفة، بما في ذلك التوصل إلى الاتفاق حول حل الدولتين والوضع النهائي لمدينة القدس التي ستكون عاصمة لكل من إسرائيل وفلسطين، كما يتعين علينا إيجاد حل لمشكلة اللاجئين.

انتظر اليوم الذي أرى فيه تحرير الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت، وإطلاق سراح أولئك الفلسطنيين الذين يقبعون في السجون الإسرائيلية دون محاكمة. وأخيراً أقول من أجل الطفل الذي صافحت يده ومن أجل فتيات غزة اللواتي يردن اسغلال تعليمهن في شيء مفيد، يجب علينا أن ننتقل من مرحلة المفاوضات والإجراءات إلى مرحلة السلام الحقيقي.

 

كاترين آشتون ممثلة الاتحاد الأوروبي العليا للشؤون الخارجية

تويتر